[ الرئيس هادي خلال اجتماعه بقيادة الأحزاب السياسية المؤيدة للشرعية ]
أضحت ظاهرة تزايد الخلافات وتغلغل ثقافة الكراهية بين مختلف الأحزاب والمكونات السياسية اليمنية المؤيدة للسلطة الشرعية من أبرز ثوابت الحياة السياسة اليمنية، وأضحى خطاب الكراهية هو المهيمن على نقاشات اليمنيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، يستوي في ذلك النخب السياسية والمثقفة وعامة المواطنين.
وما الأحداث الأخيرة التي شهدتها مدينة تعز، والمتمثلة في اندلاع مواجهات عسكرية بين فصائل تعمل جميعها تحت راية السلطة الشرعية، وقبلها الأحداث التي شهدتها العاصمة المؤقتة عدن، والمتمثلة في اندلاع مواجهات عسكرية بين قوات وفصائل عسكرية يفترض أنها جميعا تساند السلطة الشرعية ضد الانقلاب، ليس كل ذلك إلا نتيجة طبيعية لتزايد الخلافات وتنامي خطاب الحقد والكراهية وثقافة إقصاء الآخر وتهميشه لدى مختلف الأحزاب والمكونات اليمنية.
ويمكننا القول بأنه ما من ظاهرة سياسية أو اجتماعية تبرز في أي مجتمع إلا ولها أسبابها التي تغذيها وتزيد من حدتها حتى يستفحل خطرها ما لم يكن هناك معالجات وحلول حقيقية يؤمن بها الجميع، وتعد ظاهرة الكراهية وتنامي الخلافات وتبادل تهم التخوين والتكفير والإرهاب والعمالة لهذه الجهة أو تلك من أخطر الظواهر التي تزعزع استقرار الشعوب وتمزق النسيج الاجتماعي، وتؤسس لثقافة الطغيان والاستبداد لدى الطرف الذي سيتمكن من الهيمنة على السلطة.
وبما أن هذه الظاهرة أضحت هي المهيمنة في اليمن، في وقت تمُر فيه البلاد بأخطر مرحلة تحول في تاريخها المعاصر، فالملاحظ أن هناك أطرافا خارجية تعمل على تعميمها وترسيخها بين أبناء الوطن الواحد، ويلقى ذلك استجابة كبيرة من قبل بعض الأطراف في الداخل، كونها مهيأة لممارسة مثل هذا الدور، بسبب نشأتها السياسية الإقصائية وعدم القبول بالآخر حتى وإن كانت نسبة الخلاف معه في أدنى درجاتها.
وفيما يلي الأسباب الرئيسية لتزايد الخلافات وتنامي ثقافة الكراهية والإقصاء بين اليمنيين:
1- الخوف من الديمقراطية:
رغم أن "الديمقراطية" كلمة براقة وجذابة، ويتظاهر الجميع بالمطالبة بها، إلا أن غياب الثقافة الديمقراطية جعل معظم المطالبين بها يسقطون في أول اختبار حقيقي، ذلك أن أغلبهم يريدون ديمقراطية مفصلة على مقاسهم، أي ديمقراطية لا يفوز فيها الإسلاميون أو هذا الشخص أو ذاك الحزب، فإما يفوزون هم ويحكمون هم أو توزيع التهم جزافا على الآخرين وتخوينهم وتكفيرهم واتهامهم بشتى التهم وتعمد استعدائهم، وهو ما يزيد الفجوة بين مختلف الفرقاء، سواء اضطر الآخرون للدفاع عن أنفسهم بنفي تلك التهم أو إعادتها إلى أصحابها.
2- تعمد هدم الديمقراطية:
إن الديمقراطية في أي بلد، سواء كانت هشة أو وليدة أو راسخة، فإنه لا يمكن هدمها إلا بطريقتين مختلفتين، الأولى من الأعلى عن طريق السلطة المستبدة والديكتاتورية، والثانية من الأسفل عن طريق الحروب الأهلية. فإذا فشل الحاكم المستبد في هدم الديمقراطية من الأعلى، من خلال تزوير الانتخابات والتأبيد لنفسه في السلطة وتوريثها لعائلته عبر تزوير الانتخابات أيضا، فإنه يشعل الحرب الأهلية ليهدمها من الأسفل، وغالبا ما تتحول الحرب الأهلية بين طرفين إلى حروب بين عدة أطراف محلية وأجنبية.
وهذه الحروب لا تنشب إلا نتيجة تنامي ثقافة الكراهية والإقصاء وتوزيع التهم وتزايد الخلافات، وكل ذلك لا يحدث تلقائيا في أي مجتمع، وإنما تقف خلفه أجهزة مخابرات وسلطات مستبدة ووسائل إعلام محلية وأجنبية، تعمل جميعها على وأد الديمقراطية أو تشويهها باعتبارها وسيلة للدمار والخراب والحروب، ويصل الأمر إلى تحريمها شرعا رغم أنها مصطلح أجنبي ترجمة لمبدأ "الشورى" في الإسلام.
3- تعدد المشاريع الشخصية:
عندما تغيب ثقافة الديمقراطية، وعدم الالتفاف حول المشروع الوطني الجامع، فإن ذلك يؤدي إلى تعدد المشاريع الشخصية، الأمر الذي يزيد من الخلافات بين مختلف فئات المجتمع السياسية والقبلية وغيرها، ويتنامى مع ذلك خطاب الكراهية وثقافة الإقصاء وتوزيع تهم العمالة والخيانة والعمالة للخارج وغير ذلك، وربما يؤدي ذلك إلى اندلاع المواجهات المسلحة بين مختلف الأطراف التي يفترض أن ما يجمعها أكثر مما يفرقها.
4- البيئة السياسية وظروف النشأة:
وهذه تؤثر كثيرا على العلاقة بين مختلف الأحزاب السياسية اليمنية، خاصة الأحزاب التي نشأت في حضن السلطة، مثل حزب المؤتمر والحزب الاشتراكي، أو لها امتداد خارجي لأحزاب عربية حاكمة وشمولية، وكان لها نوع محدد من التوجهات العدائية ضد الآخرين، فتم استنساخ ذلك وتعميمه في الحالة اليمنية، مثل الحزب الناصري وحزب البعث، أو نشأت كحركات أو أحزاب معارضة أو كان لها مشاركة هامشية في السلطة، مثل حزب الإصلاح، الأمر الذي جعل أحزاب السلطة لا تستوعب أو تحتمل أن تؤول السلطة إلى حزب معارض، والحل هو شيطنته سواء كان إسلاميا أو قوميا أو علمانيا.
كما أن الأحزاب اليمنية المذكورة تأسست في مدة زمنية اتسمت بظهور أحزاب عربية حاكمة شمولية وغير ديمقراطية، وتعمدت بدلا من ذلك ترسيخ ثقافة الكراهية التي تراكمت بالتوازي مع تراكم المطالب الشعبية بالديمقراطية الحقيقية، حتى وصل الأمر إلى الصدام والثورات الشعبية ثم الحروب الأهلية، وكأن الزمن العربي توقف عند لحظة أن يظل الحزب الحاكم حاكما مدى الحياة، ويظل الحزب المعارض معارضا مدى الحياة، وإذا حاول أحد ما كسر هذه القاعدة، فإن مصيره الإقصاء والتهميش وشيطنته بكل التهم.
5- العامل الأجنبي:
ويتمثل في الدور السياسي الذي يؤديه التحالف العربي في اليمن، بالتوازي مع تدخله العسكري بذريعة إسقاط الانقلاب وإعادة السلطة الشرعية.
لكن الملاحظ هو أن التحالف العربي، وخاصة دول الإمارات، يمارس دورا مدروسا بدقة، وسيلته تعميق الخلافات وثقافة الكراهية بين اليمنيين، من خلال دعم بعض الأطراف ودفعها إلى استعداء أطراف أخرى، والهدف هو بعثرة المجتمع اليمني إلى شظايا متناثرة، ثم إعادة تجميعها بشكل مدروس، بحيث يؤدي ذلك إلى القضاء على المطالب الشعبية بالديمقراطية تماما.
والهدف النهائي من ذلك هو دعم وتشكيل نظام مستبد محاط بجماعات وفصائل غير ديمقراطية وبلا هوية تقف حاجزا بينه وبين الشعب، وتحويل الأيديولوجيات والأحزاب إلى هويات منكفئة على نفسها، ويكون أعلى طموح للمواطن من الحرية هو أن يسلم من أذى السلطة الحاكمة.