القمة العربية في جدة.. رسالة سعودية لواشنطن ومغازلة لروسيا وسط تحديات عاصفة وتطورات قادمة (تحليل)
- عامر الدميني السبت, 20 مايو, 2023 - 12:08 صباحاً
القمة العربية في جدة.. رسالة سعودية لواشنطن ومغازلة لروسيا وسط تحديات عاصفة وتطورات قادمة (تحليل)

[ من قمة جدة في السعودية - واس ]

احتضنت مدينة جدة السعودية القمة العربية بنسختها الـ32، بحضور عربي، ومشاركة خارجية، وخرجت ببيان تضمن العديد من المواقف، إزاء قضايا عديدة في المنطقة.

 

لكن القمة من حيث انعقادها، وما سبقها من مواقف، وما قدمته من دلالات، خاصة مع مشاركة الرئيس السوري بشار الأسد لأول مرة منذ سنوات، وحديث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمشاركين بالقمة، تشير إلى أي مدى استفادت الرياض من هذه القمة، وكيف عملت على إرسال الرسائل لأطراف عديدة، في مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة للتساؤل المشروع عما بعد هذه القمة.

 

في هذه المادة نستعرض دلالات انعقاد القمة العربية، والتطورات الدولية التي سبقتها، والسياسة السعودية، وتعاملها مؤخرا مع الملفات في المنطقة والعالم، والأجندة الغير ظاهرة في هذا السياق، والتي تشكل في مجملها الصورة العامة لهذا الحدث، خاصة مع الدور الفاعل لإسرائيل مؤخرا، والأجندة الصينية والروسية في المنطقة.

 

تشريع أمريكي

 

في الـ 11 من مايو الجاري قدم مشرعون أمريكيون من الحزبين (الجمهوري - الديمقراطي) مشروع قانون لمواجهة التطبيع مع الرئيس السوري بشار الأسد، ويعرف باسم " قانون الأسد لمكافحة التطبيع"، ويرمز له بـ HR3202.

 

المشروع قاده النائب جو ويلسون (جمهوري عن ولاية ساوث كارولينا) مع مجموعة من الممثلين من الحزبين لتقديمه، وفي حال جرى تمريره والتوقيع عليه ليصبح قانونا فسيمنع أي وكالة حكومية أمريكية من الاعتراف بالعلاقات مع الأسد أو تطبيعها، ويوسع العقوبات الأمريكية بموجب قانون قيصر، ويسمح لقادة الكونجرس بمطالبة الرئيس بمعاقبة الأفراد السوريين بموجب قانون قيصر، ويطلب استراتيجية سنوية للجهود الأمريكية لمواجهة جهود الدول الأخرى لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد.

 

وفقا للمركز العربي في واشنطن فإن تقديم مشروع القانون جاء بعد إعادة قبول جامعة الدول العربية من نظام الأسد الأسبوع الماضي، مما دفع وزير الخارجية أنطوني بلينكين إلى إعادة تأكيد معارضة إدارة بايدن لتطبيع النظام في العالم العربي.

 

ويعلق الموقع بالقول: "يبدو أن التشريع الجديد يمثل أولوية في الكونغرس، حيث سيتم إدخاله بسرعة في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب في 16 مايو".

 

في المقابل قادة لجنة الشؤون الخارجية في واشنطن أدانوا عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وفي الثامن والتاسع من مايو الجاري أدان كلا من رئيس وعضو لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، مايكل ماكول (جمهوري من تكساس) وغريغوري ميكس (ديمقراطي من نيويورك)، وأعضاء لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بوب مينينديز (ديمقراطي - نيوجيرسي) وجيم ريش (R-ID)، أدانوا إعادة قبول جامعة الدول العربية لسوريا في صفوفها في 7 مايو.

 

يتحدث القادة الأمريكيين في الشؤون الخارجية عن عقوبات أخرى لتجميد جهود التطبيع مع ما يصفوه بمجرم الحرب بشار الأسد، ورد السناتور مينينديز (ديمقراطي) على وزير الخارجية الكويتي سالم عبدالله الجابر الصباح خلال اجتماع في واشنطن يوم 11 مايو بمعارضته لأي جهود تسعى للتطبيع مع نظام الأسد.

 

ولعل أبرز مظاهر التطبيع ما اتخذته السعودية والإمارات من إعادة العلاقة مع نظام الأسد، ودفع الدول العربية للقبول بهذه الخطوة، وتجلى هذا بشكل كبير في مشاركة بشار الأسد بالقمة العربية التي استضافتها السعودية بمدينة جدة يوم الـ19 من مايو الجاري، لأول مرة منذ 11 عاما.

 

الإصرار السعودي

 

ورغم هذا الموقف الأمريكي الذي لايزال عبارة عن مشروع قانون، فقد مضت السعودية، ومعها دول عربية أخرى، لاستضافة الأسد في القمة العربية بجدة، وحشدت المواقف العربية كلها معها، في سبيل التمهيد لهذه العودة، والتي تعد تطورا ملفتا في المنطقة، خاصة مع حالة القطيعة والعزلة التي جرت لسنوات، بعد تورط الأسد في جرائم دولية، وانتهاكات كبيرة بحق شعبه، على خلفية الثورة الشعبية التي طالبت برحيله في العام 2011م.

 

صفرت السعودية كل المواقف السابقة، الرافضة للقبول بالأسد، ومنحته الفرصة للعودة، وقال في كلمته إن الأمل يرتفع في ظل التقارب العربي العربي، والعربي الإقليمي والدولي، وأن الفرصة تاريخية لإعادة ترتيب الشؤون العربية.

 

بل والتقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالأسد على هامش القمة، وقالت وكالة واس السعودية إن اللقاء استعرض سبل تعزيز العلاقات بين البلدين، إلى جانب بحث عدد من المسائل ذات الاهتمام المشترك والجهود المبذولة بشأنها.


 

 

بدا واضحا من استضافة الرياض للأسد أنها غير عابئة بالتحركات الأمريكية، والتحذيرات المتواصلة في تطبيع العلاقة مع الأسد، وأرادت من خلال هذا التطبيع إيصال رسالة امتعاض لواشنطن، تعبيرا عن حنقها من ملفات كثيرة، واستخدمت القمة العربية كوسيلة لإغاظة واشنطن.

 

فتح النافذة لروسيا

 

يتجلى الأمر أكثر في حنق الرياض بمشاركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بقمة جدة، عبر برقية بعثها للمشاركين مؤكدا الاستعداد للمشاركة في حل أزمات المنطقة، وتقديم المساعدات الممكنة لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأنه يعتزم توسيع التعاون متعدد الأوجه مع الدول العربية، وأن بلاده حريصة على دعم جهود حل الأزمات في السودان وليبيا واليمن.

 

تأتي هذه المشاركة للرئيس الروسي في القمة في ظل حالة احتقان واضحة بين أمريكا وروسيا، على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية، وهي الحرب التي تواصل واشنطن الانغماس فيها، وتقديم الدعم لأوكرانيا، وتحشد الدعم ضد روسيا، ورئيسها.

 

حضور الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي القمة كان ملفتا، وجاء بتلقيه دعوة من السعودية بشكل مباشر، وليس من الإجماع العربي، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية، وهي رسالة ربما أرادات الرياض من خلالها تقديم نفسها كصاحبة ثقل على مستوى العالم، وأنها تحتفظ بعلاقة مع الجميع، رغم أنها جمعت نقيضين لا يلتقيان، لكن الفرق كان واضحا بين ما طرح الرئيسين الأوكراني والروسي في القمة.

 

ففي حين انتهز الرئيس الروسي الفرصة للتأكيد على دور بلاده في التدخل بالمنطقة العربية، كانت رسالة الرئيس الأوكراني واضحة بأنه مع إحلال السلام والعدالة في بلاده، لإنهاء الحرب، وحل المشكلة في دون وسيط، والعمل على نحو منسق من أجل السلام لجميع الأمم.

 

إذاً جمعت الرياض القيادات العربية، وأعربوا فيها عن مشاكلهم، وقضاياهم، التي تأتي وسط أوضاع ملتهبة، كالوضع في اليمن، والسودان، ولبنان، وسوريا، وتونس، وغيرها لكن اللافت في القمة هو الحضور الروسي، الذي يدخل مشاركا في قمة عربية للمرة الأولى، وذلك هو الغاية الرئيسية للسعودية للاستفادة من القمة، لحل وتسوية كثير من قضاياها، مع واشنطن تحديدا، لكنها هذه المرة ذهبت لأحضان الغريم التقليدي لأمريكا، ممثلا بروسيا، وكأنها توجه لها الدعوة للتواجد في المنطقة العربية، وهي تدرك أن ذلك ما يغضب واشنطن، التي تنشغل حاليا بأزماتها الداخلية، والوضع في أوكرانيا، والانتخابات الرئاسية القادمة، فلماذا تُقدم السعودية على هذه الخطوة، في إيصال الرسائل لواشنطن؟.

 

غضب إماراتي من واشنطن

 

في كتابه الجديد بعنوان "سلام ترامب" للصحفي الإسرائيلي باراك رافيد، يتحدث الكاتب عن أوجه عديدة تُظهر غضب الإمارات من واشنطن، على خلفية العديد من القضايا في المنطقة، خلال الفترة الأخيرة.

 

تحدث الكاتب عن غضب الإمارات من إدارة بايدن لتراجعها عن تصنيف الحوثيين في اليمن كجماعة إرهابية، وهو القرار الذي اتخذه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في نهاية فترته الرئاسية، وتراجع عنه الرئيس جو بايدن عقب فوزه مباشرة.

 

شعر الإماراتيون بالغضب أكثر عندما تجاهلت واشنطن طلبهم لمساعدتهم في إعادة تصنيف الحوثيين، وزاد الحنق عندما تعرضت أبوظبي لهجمات صاروخية من الحوثيين، ولم تتعامل معهم الإدارة الأمريكية بمستوى الحدث، الذي كان لافتا في سياق الحرب باليمن، ووصول الحوثيين لهذه القدرة من استهداف أبوظبي.

 

ورفض محمد بن زايد مقابلة قائد القيادة المركزية الأمريكية فرانك ماكنزي الإمارات في أوائل فبراير 2022، ونقل الكتاب عن مسؤول إماراتي رفيع قوله: "لم نستطع تصديق أن الأمر استغرق 22 يومًا من الأمريكيين لإرسال شخص إلى أبو ظبي لإبداء التضامن مع الهجمات".

 

 وأدى الإحباط الإماراتي من الولايات المتحدة إلى قلق القدس التي سعت إلى نقل مخاوف أبوظبي إلى واشنطن، وعند معرفة حادثة مشروع قانون التزود بالوقود، وسافر منسق مجلس الأمن القومي للشرق الأوسط بالبيت الأبيض بريت ماكغورك إلى أبوظبي، حيث جلس مع محمد بن زايد لساعات في محاولة لطمأنة ولي العهد بأنه حصل على دعم الولايات المتحدة.

 

 لم يكن هذا كافيًا لإقناع الإمارات بالاستجابة لطلب الولايات المتحدة بالتصويت لصالح قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يدين الغزو الروسي لأوكرانيا، امتنعت أبو ظبي عن التصويت، الأمر الذي خيب آمال إدارة بايدن.

 

 وعندما تم تقديم قرار مماثل في الجمعية العامة للأمم المتحدة، جندت الولايات المتحدة إسرائيل للضغط على الإمارات لدعم المبادرة، ومع ذلك، عندما سعى البيت الأبيض لتحديد موعد مكالمة بين بايدن ومحمد بن زايد في أوائل مارس 2022، رفض ولي العهد الذي كان لا يزال غاضبا.

 

 واستغرق الأمر عدة أشهر قبل أن يوافق محمد بن زايد على التخلي عن موقفه، خلال ذلك الوقت، شارك بلينكين في أول قمة وزارية لمنتدى النقب على الإطلاق، واغتنم الفرصة لطمأنة حلفاء الولايات المتحدة في الخليج على نطاق أوسع بأن إدارة بايدن لن تتخلى عنهم.

 

ثم التقى محمد بن زايد في المغرب، واعتذر شخصياً عن رد الولايات المتحدة على هجمات الحوثيين، ونقل الكتاب عن بلينكين قوله: "لقد أسقطنا الكرة وأنا آسف لذلك".

 

واصلت إدارة بايدن إرسال أحد أكبر الوفود إلى جنازة رئيس الإمارات الشيخ خليفة بن زايد في مايو 2022 في لفتة تقدرها أبوظبي، والتقى بايدن أخيرًا بمحمد بن زايد في جدة في يوليو الماضي على هامش قمة مجلس التعاون الخليجي، شارك محمد بن زايد بايدن في إحباطه من رد الولايات المتحدة على هجمات الحوثيين، معربًا عن مشاعر التخلي من واشنطن.

 

"لماذا لم أعلم بهذا؟" سأل بايدن فريقه، وطمأن محمد بن زايد أنه سيعمل على إصلاح الصدع، وفقًا للكتاب، ووجه الرئيس الأمريكي فريقه بالمضي قدمًا في صفقة تمنح الإمارات ضمانات أمنية من الولايات المتحدة، على الرغم من أن الاتفاقية لم يتم الانتهاء منها بعد.

 

ماذا عن السعودية؟

 

مع تولي بايدن للسلطة في أمريكا بدأت علاقة اتسمت بالفتور بين الرياض وواشنطن، فقد تعهد بايدن أثناء حملته الانتخابية بأن يجعل السعودية "منبوذة"، وذلك على خلفية مقتل الكاتب السعودي جمال خاشقجي، والذي قررت وكالة المخابرات المركزية أنه لم يكن ليحدث دون علم ولي العهد.

 

واستمر هذا التدهور في العلاقة بين الطرفين بشكل كبير، خلافا للعلاقة المعروفة من التعاون بينهما عبر عقود، ودفع هذا الرياض نحو الذهاب إلى وجهات أخرى، تعبيرا عن امتعاضها من سياسة واشنطن، وكتعبير عن حنقها، همشت الرياض إدارة بايدن في مارس عندما تحركت لتطبيع العلاقات مع إيران - خصم إسرائيل اللدود - في صفقة توسطت فيها الصين.

 

وبنفس الوقت بدأت السعودية في الانفتاح على روسيا، وأدى هذا التحرك السعودي البعيد عن واشنطن لتطبيع العلاقة مع بشار الأسد، واستئناف العلاقات مع إيران، وهو ما اعتبره آرون ديفيد ميللر، المسؤول الأمريكي الكبير السابق، في تصريحه لموقع ميدل إيست آي أن الصفقة كانت بمثابة ضربة لطموحات واشنطن الإقليمية.

 

ونشطت الدبلوماسية السعودية مؤخرا بشكل ملفت، فقد تدخلت الرياض في أزمة السودان، وعملت على التوسط في صفقة إجلاء العالقين من رعايا الدول، واستضافت حوار بين قادة الصراع السوداني، وتوسطت لدى روسيا لإطلاق سراح جنود أوكرانيين، وأظهرت نوع من المرونة والسرعة.

 

واعتبرت صحيفة أورشليم بوست الإسرائيلية هذه السياسة السعودية الأخيرة أن الرياض على استعداد لتحمل المخاطر فيما يتعلق بإسرائيل، ومن ناحية أخرى، لديها أهداف سياسية وأشياء تود أن تحدث.

 

رد واشنطن وموقفها

 

وفقا للإعلام الإسرائيلي فإن الصين تريد أن تلعب دورًا في المنطقة، وكانت مفتاحًا للاتفاق الإيراني السعودي، ورغبة دول الخليج بالانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون التي تهيمن عليها روسيا والصين، ولا تريد الولايات المتحدة أن ترى الصين تشق طريقها بين الحلفاء التقليديين.

 

لذلك وتجاه هذا الفتور في العلاقة بين الرياض وواشنطن، بادرت الأخيرة باحتواء الموقف، وأرسلت جيك سوليفان مستشار الأمن القومي للرئيس جو بايدن في شهر أبريل، بعد انزعاجها من اتباع السعودية سياسة خارجية، وطاقة أكثر استقلالية.

 

وجاءت زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي في الوقت الذي اعتبرت فيه الرياض نفسها وسيطًا في النزاعات الإقليمية، وتأمل واشنطن في كبح نفوذ الصين.

 

تشير التقارير إلى أن زيارة المسؤول الأمريكي للرياض ولقائه بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، تركز حول نقطتين رئيسيتين، الأولى تطلع واشنطن للحد من نفوذ الصين في المنطقة، والثانية، الدفع بجهود التطبيع بين السعودية وإسرائيل للأمام.

 

كان لقاء المسؤول الأمريكي مع بن سلمان بحضور مسؤولين من الهند والإمارات، إذ تعتبر واشنطن هذا التحالف وسيلتها لكبح نفوذ بكين المتزايد في المنطقة، وقال موقع أكسيوس إن الاجتماع يأتي لإجراء محادثات بشأن بناء شبكة بنية تحتية واسعة تربط دول الخليج والدول العربية بالهند عبر خطوط السكك الحديدية والشحن، وهي الفكرة أثيرت قبل نحو عام، وجرى طرحها خلال زيارة بايدن لإسرائيل في يوليو الماضي، حيث أعلن قادة الدول عن مشاريع في مجالات من الأمن الغذائي إلى الطاقة النظيفة، تعهدت الإمارات باستثمار ملياري دولار لتطوير سلسلة من "مجمعات الطعام" في الهند، بمشاركة شركات أمريكية وإسرائيلية في المشاريع.

 

سوليفان قال إن النقاش مع المسؤولين الهنود والإماراتيين بحضور بن سلمان ناقش رؤيتهم المشتركة لمنطقة شرق أوسطية أكثر أمناً وازدهاراً ومترابطة مع الهند والعالم.

 

وقال إن تحقيق اتفاق تطبيع كامل بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية يصب في مصلحة الأمن القومي للتطبيع الأمريكي، وكان أحد القضايا التي خطط سوليفان لمناقشتها مع محمد بن سلمان أثناء وجوده في المملكة العربية السعودية، وفقًا لمسؤولين أمريكيين.

 

ووصفت صحيفة أورشليم بوست العبرية هذه التطورات بأنها تبشر بعصر ذهبي جديد ستحققه الدبلوماسية الإسرائيلية في حال التكامل الإقليمي بين إسرائيل والسعودية.

 

عقب عودته من الرياض تحدث سوليفان في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وناقش اندماج إسرائيل في المنطقة، وأشار إلى منتدى النقب وتطورات أخرى، وعندما سئل عن التطبيع الإسرائيلي – السعودي أجاب: "لدينا مصلحة ونطاق ترددي لتعزيز التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وفي الواقع هذه الإدارة هي التي أنتجت الخطوة الأولى الملموسة من اقتراب هذين البلدين مع فتح المجال الجوي فوق المملكة العربية السعودية لرحلات الطيران المدنية من إسرائيل، لكن في النهاية، الوصول إلى التطبيع الكامل هو مصلحة أمنية قومية معلنة للولايات المتحدة، لقد كنا واضحين بشأن ذلك ".

 

وقال سوليفان إن الولايات المتحدة الأمريكية ستعمل من خلال استراتيجية جديدة بعيدة المدى على تثبيت أقدامها التي اهتزت في المنطقة على إثر الحرب الروسية الأوكرانية وزيادة الأنشطة الاقتصادية والسياسية للصين، وأن التوافق من قبل الحزبين الديمقراطي والجمهوري، يجري لتحقيق عدة أهداف، في قائمتها عدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي يهدد المنطقة والمصالح الأمريكية فيها، والضغط على دول المنطقة لمزيد من التطبيع مع إسرائيل التي لا يخفي جو بايدن اعتزامه العمل على المضي في دمجها في محيطها العربي.

 

وذكر المسؤول الأمريكي بتصريح بايدن الذي قال فيه: "التزامنا بمنطقة الشرق الأوسط لا يتزعزع، لأن المنطقة ذات أهمية حيوية لمستقبلنا المشترك، ومتشابكة بعمق مع المصالح الأمريكية ومصالح حلفائنا وشركائنا".

 

رغبة يهودية

 

تكشف صحيفة أورشليم بوست أن المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي (JINSA) أصدر تقريرًا حديثًا بعنوان "قم ببنائه وسيأتون: استراتيجية أمريكية لدمج الدفاعات الجوية والصاروخية في الشرق الأوسط".

 

وتشير إلى أنه في يناير 2022 حث المعهد حكومة الولايات المتحدة على اغتنام الفرصة، لبدء بناء هيكل دفاعي جديد للشرق الأوسط، يقوم على جمع شركاء أمريكا الإقليميين معًا في قضية مشتركة لمواجهة التهديد المتزايد من إيران، ومن بين أهم توصياته دعا التقرير الكونجرس إلى تمرير تشريع يعطي الأولوية للحاجة إلى شبكة دفاع جوي على مستوى المنطقة، للمساعدة في ردع وهزيمة التهديد المتصاعد للصواريخ والطائرات بدون طيار الذي تشكله إيران، ووكلائها الإرهابيون.

 

تضيف الصحيفة: الآن يقومون بالتنفيذ، وشركاء الولايات المتحدة يجب أن يكونوا قادرين على المساهمة في الجهد الأوسع، ويجب أن تكون القيادة المركزية الأمريكية مستعدة للمضي قدمًا، حتى لو وافقت مجموعة فرعية صغيرة من الدول العربية مبدئيًا على الانضمام إلى هذا الجهد جنبًا إلى جنب مع إسرائيل، ويجب أن يكون هدفها إثبات الفوائد الكبيرة لتكامل الدفاع الجوي الأكبر بمرور الوقت لجميع شركائها، والبقاء منفتحين على إضافة موارد وقدرات المشاركين المحتملين الآخرين مع نمو راحتهم وثقتهم في النظام.

 

التطورات القادمة

 

تشير هذه الأحداث إلى تطورات قادمة في المنطقة، ترتكز في محورين، الأول تطبيع متكامل بين السعودية وإسرائيل، والثاني شراكة اقتصادية وعسكرية تحد من النفوذ الصيني في المنطقة، وكذلك النفوذ الإيراني، الذي ظل طوال الفترة الماضية عصا غليظة ترتفع من وقت لآخر في وجه السعودية والإمارات، لإجبارهما على الانصياع نحو التطبيع مع إسرائيل، وهو ما حققته أبوظبي لاحقا، وتسعى الرياض له لاحقا.

 

إن كثير من الملفات في المنطقة باتت مرهونة بهذه التطورات التي ستحدد خارطة الشرق الأوسط الجديدة، وتعيد فرز الحلفاء والأعداء، وصار من الواضح أن الوضع يسير لإنتاج قطبين رئيسين، الأول واشنطن وحلفائها في المنطقة، والثاني روسيا والصين وحلفائهم كإيران، وغيرها.

 

وإزاء هذا الوضع تسعى الرياض لتقديم نفسها كدولة مهيمنة، ورئيسية بعد أن جعلت من الدول العربية الغارقة أغلبها في الفوضى والخراب، بفعل السياسة السعودية نفسها، تابعة لها، ولعل التنسيق لانعقاد القمة العربية، ثم مخرجاتها هي الدليل الواضح للصورة التي تريد الرياض تقديمها عن نفسها.

 

لكن كيف سترد واشنطن على التوجه السعودي نحو روسيا والصين، وهل ستسارع لاحتواء هذا الموقف، وإعادة علاقتها مع الرياض، خاصة من قبل إدارة بايدن التي قدمت وعودها بعزل السعودية، أم ستنشى واشنطن تحالفاتها الخاصة، أم سيكون لها عقابها الخاص للسياسة السعودية، التي تتحدى للمرة الأولى الدور الأمريكي في المنطقة.


التعليقات