[ مليشيا الحوثي - أرشيفية ]
رفضت جماعة الحوثي على لسان المتحدث باسمها، كبير مفوضيها محمد عبد السلام، مبادرة السعودية لوقف شامل لإطلاق النار في اليمن، بعد فترة قصيرة من إعلانها من جانب وزير الخارجية فيصل بن فرحان، في 22 مارس/آذار الجاري.
وتضمنت المبادرة السعودية، وقف إطلاق نار شامل تحت مراقبة الأمم المتحدة، وبدء مشاورات بين الأطراف المختلفة برعاية أممية.
وتنص المبادرة على بدء الأطراف اليمنية مشاورات للتوصل إلى حل سياسي برعاية الأمم المتحدة، استنادا إلى مرجعيات مخرجات الحوار الوطني اليمني والمبادرة الخليجية التي أعلن عنها مجلس التعاون الخليجي في أبريل/نيسان 2011، لترتيب الانتقال السلمي للسلطة، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 الذي ينص على دعوة جماعة الحوثي "لسحب قواتها على الفور ودون قيد أو شرط".
كما تتضمن المبادرة، فتح مطار صنعاء الدولي لعدد من الوجهات المباشرة الإقليمية والدولية، وفتح ميناء الحديدة، مع إيداع الضرائب والإيرادات الجمركية لسفن المشتقات النفطية من الميناء في الحساب المشترك بالبنك المركزي اليمني بالحديدة وفق اتفاق ستوكهولم 2019 بشأن المحافظة.
ووفقا لجماعة الحوثي، فإن المبادرة السعودية لم تأت بجديد، وهو الموقف الذي يتفق إلى حد بعيد مع موقف السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر، والذي أكد في مؤتمر صحفي بأنه سبق تطبيق مبادرة مماثلة تحت إشراف الأمم المتحدة.
وكان التحالف العربي لدعم الشرعية أعلن في 9 أبريل 2020 وقفا لإطلاق النار من طرف واحد لمدة أسبوعين لمواجهة فيروس كورونا، لكن جماعة الحوثي لم تلتزم بالهدنة المؤقتة، وفق تصريحات آنذاك للمتحدث باسم التحالف تركي المالكي.
وتوعد قائد جماعة الحوثي عبد الملك الحوثي تحالف دعم الشرعية بمفاجآت عسكرية مع دخول الحرب عامها السابع، مع رفضه مقايضة الملف الإنساني باتفاقيات سياسية وعسكرية، في إشارة واضحة إلى المبادرة السعودية.
ورغم إدراك السعودية المسبق لرفض جماعة الحوثي للمبادرة الأخيرة، إلا أن الرياض على ما يبدو تحاول إرسال رسائل إلى المجتمع الدولي الذي يواصل انتقاداته لقيادة التحالف العربي واتهامه بالتسبب بالأزمة الإنسانية ومقتل آلاف المدنيين.
إضافة إلى ذلك، فإن المبادرة تأتي بعد متغيرات في موقف الإدارة الأمريكية الجديدة من السعودية والحرب في اليمن.
منذ تشكيل التحالف العربي لدعم الشرعية في 25 مارس 2015، أعطت الولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما (ديمقراطي) موافقتها على تنفيذ ضربات جوية ضد جماعة الحوثي بعد سيطرتها على العاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، واتجاهها جنوبا للسيطرة على عدن العاصمة المؤقتة للحكومة الشرعية.
ودعمت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب السعودية في الحرب باليمن لمواجهة النفوذ الإيراني عبر جماعة الحوثي، والتي تتهمها الرياض بتلقي الدعم من طهران وتنفيذ السياسات الإيرانية المعادية للسعودية.
لكن السعودية فقدت الجزء الأهم من الدعم الإقليمي بعد سحب الإمارات القسم الأكبر من قواتها، والدعم الدولي بعد وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض التي تضع على أولويات سياساتها الخارجية إنهاء الحرب في اليمن وإطلاق المفاوضات مع إيران حول الملف النووي.
واتخذ الرئيس الأمريكي جو بايدن بعد أيام من وصوله إلى البيت الأبيض قرارا رفع بموجبه اسم جماعة "أنصار الله" (الحوثي) من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، ووقف المشاركة العسكرية الأمريكية ومبيعات الأسلحة الهجومية لكل من السعودية والإمارات، مع تكثيف الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب في اليمن.
ومنذ نهاية فبراير/ شباط الماضي، قام المبعوث الأمريكي الخاص لليمن، تيموثي ليندركينج، بجولة شملت عدة دول، للضغط على الأطراف المعنية بالحرب باتجاه التوقيع على هدنة شاملة تمهد لإحياء المفاوضات بإشراف الأمم المتحدة.
والتقى ليندركينج في العاصمة العمانية مسقط كبير مفاوضي جماعة الحوثي، محمد عبد السلام، في 26 فبراير الماضي، وفق تقارير إعلامية.
والتقى خلال الأسبوع الثاني من مارس الجاري، مسؤولين سعوديين وعمانيين، في محاولة أمريكية لتعزيز الجهود التي تقودها الأمم المتحدة لدفع الأطراف المتحاربة إلى وقف إطلاق النار، ووقف كارثة إنسانية متنامية يحذر من تداعياتها المجتمع الدولي والأمم المتحدة.
وتقدر الأمم المتحدة أن عدد قتلى الحرب باليمن تجاوز 233 ألفا، بينهم أكثر من مئة ألف ماتوا لأسباب غير مباشرة مثل نقص الغذاء والخدمات الصحية والبنية التحتية.
وتتوقع الأمم المتحدة أن ما لا يقل عن 2.3 مليون طفل يمني سيعانون من سوء التغذية الحادّ هذا العام.
واستجابة لدعوات الأمم المتحدة التي انتقدت منع التحالف دخول السفن إلى ميناء الحديدة رغم حصولها على تصريحات خاصة، سمحت الحكومة اليمنية المدعومة من التحالف العربي الذي يفرض سيطرته على المجال الجوي والمياه اليمنية بدخول أربع سفن تجارية محملة بالوقود إلى ميناء الحديدة في 25 مارس الجاري.
وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن سفنا حربية للتحالف منعت 13 ناقلة وقود على الأقل من دخول ميناء الحديدة، بعضها لمدة تزيد على ستة أشهر، رغم حصولها على تصاريح من المنظمة.
وتحدث وزير الخارجية في الحكومة الشرعية، أحمد عوض بن مبارك، أن السفن الأربع دخلت ميناء الحديدة على الرغم من عدم التزام جماعة الحوثي باتفاق ستوكهولم الذي وقعت عليه الجماعة (في 13 ديسمبر/كانون الأول 2018) وينظم آليات استخدام الموارد الضريبية والجمركية في الميناء.
ويعتقد مراقبون أن الواقع الميداني يميل لصالح جماعة الحوثي في جبهات عدة، ومنها جبهة مأرب الاستراتيجية للطرفين.
لذلك فإن رفع الحصار عن ميناء الحديدة وسماح تحالف دعم الشرعية برحلات جوية إلى وجهات إقليمية ودولية من مطار صنعاء الدولي الخاضع لسيطرة جماعة الحوثي، قد لا يقنع الجماعة بقبول المبادرة السعودية.
والسعودية بعد ست سنوات من قيادتها التحالف العربي لدعم الشرعية، وغياب أي أفق في المدى المنظور لحسم الحرب عسكريا، من المهم لها حشد الجهد الدولي والإقليمي لنجاح مبادرتها الأخيرة، والتوصل إلى حل سياسي لوقف الحرب في الداخل اليمني واستهداف العمق السعودي بالصواريخ والطائرات المسيرة.
وتعرضت السعودية لهجمات بالصواريخ البالستية وصواريخ كروز والطائرات المسيرة بشكل مكثف خلال الأسابيع الماضية، زادت حدتها بعد إعلان المبادرة السعودية.
وأثبتت إيران عبر الدعم الذي تقدمه لحليفها الحوثي قدرتها على إدامة التوترات في اليمن واستمرار الحرب لسنوات قادمة، لكن استمرار الحرب وعدم حسمها لا يعود إلى الدعم الإيراني وحده، إنما يتعداه إلى حقيقة عدم انسجام رؤية قيادات التحالف حول إدارة الحرب، والتحالفات مع الأطراف المحلية والإقليمية ومنها سلطنة عمان التي تبنت موقفا يبدو محايدا من الحرب في اليمن، في ذات الوقت الذي يمكن لها أن تلعب أدوارا سواء في مسألة تحجيم تهريب الأسلحة الإيرانية إلى جماعة الحوثي، أو التفاهم مع إيران لوقف الدعم عن جماعة الحوثي وإرغامها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
لذلك فإن أي انتصار عسكري أو حسم لصالح دول التحالف العربي يبدو بعيد المنال في المدى المنظور، وهو ما يشكل عاملا إضافيا لجماعة الحوثي لمواصلة الحرب في اليمن بدعم إيراني مباشر.