يوم 23 يونيو/حزيران الماضي فوجئ العاملون في صحيفة التحرير المصرية (خاصة) بإعلان إدارة الصحيفة إغلاق مقر عملهم خلال شهرين، بعد فشل كل المحاولات لرفع الحجب عن إصدارها الإلكتروني.
لماذا حجب الموقع، ومتى يعود للعمل؟ يتساءل أحمد -وهو أحد الصحفيين الشباب في الصحيفة- مكتفيا باسمه الأول (وفق طلبه) في حديثه للأناضول.
ويوضح أحمد أن كل الجهات المعنية في بلاده أكدت عدم وجود خطأ مهني أو مخالفة صدرت من الصحيفة، بعد مرور ما يقارب شهرين على الحجب.
أحمد (29 عاما) كان يمني النفس بالحصول على عضوية نقابة الصحفيين بعد نحو 5 سنوات من العمل، إلى جانب عشرات من زملائه.
ووفق بيان للصحيفة، فإن إدارتها طرقت كل أبواب الجهات الرسمية للاستفسار عن سبب الحجب ومعرفة الجهة التي تقف وراءه دون الحصول على إجابة، مما دفعها للإعلان أيضا عن توقف طبعتها الورقية والإغلاق خلال شهرين.
وتجاوز عدد المواقع الإخبارية والحقوقية المحجوبة في مصر -بحسب مراصد صحفية وحقوقية- 500 موقع، دون معرفة الجهة الرسمية التي تصدر تلك القرارات وعلى أي أساس.
وهذه المواقع بعضها عاد إلى العمل بشكل طبيعي، وبعضها يرفع عنه الحجب ثم يعود مرة أخرى، وبعضها لا يزال محجوبا.
حرية الصحافة
وتزايدت المخاوف من تقييد حرية الصحافة والإعلام خلال السنوات الأخيرة التي أعلنت فيها الدولة المصرية ما سمتها "الحرب على الإرهاب"، وفق تقارير حقوقية محلية ودولية. في المقابل، نفت القاهرة ذلك مرارا.
وتتجاوز مسألة الحجب الحريات الصحفية إلى تضاؤل فرص العمل في السوق الصحفي.
وفي هذا الصدد، حذر المرصد المصري للصحافة والإعلام (غير حكومي) من الآثار المترتبة على قرار الإغلاق "المرتقب" لصحيفة التحرير.
وأشار في بيان إلى أن أكثر من 100 صحفي يعملون في "التحرير" سيتحولون إلى صفوف العاطلين بعد شهرين من الآن في حال عدم حل المشكلة.
ومحذرا من تداعيات الأمر، قال عضو مجلس نقابة الصحفيين سعد عبد الحفيظ إن "حصار الصحافة ومنع تقديم الإجابات للناس في كل القضايا قد يدفعان إلى إغلاق الصحف وتشريد الصحفيين".
وطالب عبد الحفيظ في مقال مؤخرا بفك الحصار عن الصحافة، وفتح الباب أمام تداول الأخبار، وبدء حوار جاد مع مؤسسات الدولة المعنية عن دور الصحافة الحرة في الاستقرار.
اختفاء المهنية
لكن في المقابل، استبعد كرم جبر رئيس الهيئة الوطنية للصحافة التي تدير شؤون العمل الصحفي أن يكون تراجع المهنة سببه فرض القيود.
وأوضح جبر في مداخلة متلفزة قبل أيام أن الهوية التي تميز كل صحيفة اختفت، فالصحف السياسية أصبحت تكتب في الرياضة، والصحف الرياضية أصبحت تكتب في الفن، وهو ما فسره باختفاء المهنية والجودة.
وفيما يقر الدستور المصري حظر أي وجه يفرض رقابة على الصحف أو مصادرتها أو وقفها باستثناء زمن الحرب فإن قانون تنظيم الصحافة والإعلام -الذي صدر العام الماضي وتحفظت عليه الجماعة الصحفية- توسع في منح المجلس اﻷعلى للإعلام صلاحيات الحجب والمنع والمصادرة.
وتعتمد قرارات المجلس -وفق مراقبين- على "معايير فضفاضة" لتأويل الحجب الإلكتروني أو منع طباعة الصحف، وترتبط بأمور مثل الأمن القومي والآداب العامة ومخالفة القانون والدستور.
توجه عام
أستاذ الإعلام الدولي سامي الشريف استنكر توجه الدولة إلى حجب المواقع المخالفة لسياسات النظام.
وفي حديث للأناضول، أشار الشريف إلى أن كل دول العالم تضع ضوابط ومعايير للممارسة الإعلامية المهنية، وعندما تخرج عنها تتخذ ضدها إجراءات لحماية الأمن القومي والاستقرار.
غير أنه استدرك بالقول إن "الإغلاق أو الحجب لأسباب سياسية مرفوض، فحرية الرأي مكفولة للجميع ما لم تعرض أمن الوطن للخطر وما لم تتعرض للآخرين بالسب والقذف".
وثمة أمر أشار إليه الشريف يرتبط بآلية الحجب وعلاقتها بتطبيق القانون يتمثل في عدم وجود تشريعات نافذة ولو وجدت لا تطبق.
وعن دور المجالس الصحفية، أشار الشريف إلى أنه "لا وجود لها حتى الآن، حيث إنها بلا سلطة حقيقية".
وعن تأثير الحجب، قال إن الكثير من العاملين في المهنة سيعانون من قطع الأرزاق، ما يؤثر على صناعة الصحف بمصر، مطالبا باللجوء إلى القضاء لتجاوز عقبات الحجب والتضييق.
وتحتل مصر المرتبة 163 على مؤشر حرية الصحافة من إجمالي 180 دولة لعام 2018، في تراجع عن السنوات السابقة، وفق تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود" في أبريل/نيسان الماضي.