فيصل علي

فيصل علي

إعلامي وأكاديمي يمني.

كل الكتابات
⁠⁠⁠عجوز ذمار وخطة ولد الشيخ
السبت, 22 يوليو, 2017 - 07:52 مساءً

كان الباص يقطع المسافة الجبلية نزولاً من صنعاء باتجاه ذمار في ساعات الصباح الباكر، أشعة الشمس الذهبية تملأ الحقول، وجوه الركاب عليها الرضا، وصوت السنيدار يشنف المسامع بأغنية: "ما أجمل الصبح في ريف اليمن حين يطلع"، حتى تلك المرأة العجوز طربت وطلبت من السائق أن يرفع الصوت، وقالت له أيضا يا ابني لو سمحت نبهني عندما نصل إلى ذمار، فقال لها حاضر يا حجة، فردت كأنها لم تسمع وقالت لمن حولها اسمعوه كما بينسى يذكرني عندما نصل إلى ذمار، قالوا لها خلاص قد سمع وقال حاضر.
 
"الصباح اليمني يطول العمر" كما يقولون، الحياة الصعبة تبدو سهلة في الصباح، الناس وأغلبهم أهل ريف يتجهون إلى المراعي والحقول، من أدمنوا مضغ القات يفضل بعضهم تناوله في الصباح ويسمونه "الفذاحة" ليست لدىَّ ترجمة حرفية لمصطلح الفذاحة، لكن ربما يكون المعنى استفتاح اليوم ببعض وريقات القات الباعثة على النشاط والنشوة، كان سائق الباص ممن يمضغون القات في ساعات الصباح، أنسته النشوة أن يُبلغ المرأة العجوز عن الوصول إلى ذمار، وتجاوز المدينة التي تغطيها الأتربة والصقيع، ذمار المدينة التي تقع بجوار أكبر سور جامعي في اليمن لم تلفت انتباه السائق، وفي المحصلة  نسي السائق أن يخبر العجوز أنه وصل مدينة ذمار.
 
كانت الساعة التاسعة حوالي والنصف، وقد شارف الباص على الوصول إلى قمة سمارة، سألته المرأة العجوز: هل وصلنا إلى ذمار يا ابني؟ صاح السائق معتذراً، وإذا بالركاب كلهم يقولون له" كيف نسيت؟ قال لهم ولمَاذا لم تذكروني أنتم؟
 
 اقترح الركاب عليه بحق القبيلة والجاه أن يعيدها إلى ذمار، فأخذ الطريق المعاكس وأوصلها إلى ذمار وهو يتأفف من العجوز والركاب ومن القبيلة التي أصدرت الحكم العرفي عليه وأعادته إلى الخلف آلاف الأمتار، وصل الباص عائدا إلى ذمار، أخبرها السائق بصوت مرتفع هيا انزلي يا حجة وصلنا ذمار، قالت له "لا ما بنزلش هانا، بس بنتي قالت لمّا أوصل ذمار اشرب حبة العلاج"، وسأنزل  في تعز، يقال أن السائق سلمها المفتاح وعدة الباص وقال لها واصلي الله معاك وترجل حافيا من الباص ومضى في حال سبيله.
 
حال تلك المرأة العجوز يشبه حال المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ أو "الأخ إسماعيل" كما يصفه الفندم محمد اليدومي مستشار هادي، والنخبة يشبهون ركاب الباص متعاطفين بدون أن يكونوا عارفين مع من ولا لماذا، المهم "يزابط لا يقولوا فتران"، والقيادة الملهمة تشبه سائق الباص.
 
يدرك ولد الشيخ أن مقترحه الجديد بشأن استلام الحديدة من الحوثيين اللذين يلبسون الثياب والكيتان المخططة ويضعون قطع القماش على رؤوسهم، ليتم تسليمها إلى الحوثيين بالملابس العسكرية، فالعسكر -أمن وجيش- هم من سلموا الحديدة للانقلابيين بالمفتاح. المقترح جميل وشاعري، وأهم ما فيه أنه سيبقى الرئة الوحيدة التي يتنفس منها انقلاب صنعاء بشقيه الحوثي وصالح، والعملية برمتها خدمة ستطيل بعمر الانقلاب ولن تصنع السلام.
 
الأمم المتحدة عبر مبعوثها السابق جمال بن عمر رعت الانقلاب، وعبر مبعوثها اللاحق تريد استمرار هذا الانقلاب، تحت دعوى السلام، حتى اتفاق الانقلاب المسمى السلم والشراكة وقع برعاية أممية في 2014  لأجل السلام.
 
يدرك ولد الشيخ أن السلام لن يأتي من العدم، بل نتيجة انتصار يحققه الجيش الوطني ميدانيا وعندها سيكون للسلام معنى، أما سلام المفاوضات فهو غير واقعي، وغير مطروح على أجندة الانقلابيين، وبالتالي خطة الحديدة لولد الشيخ تنقصها الواقعية والجدية.
 
ميناء الحديدة غير محاصر والمحاصرون هم أبناء الحديدة فقط، ويتم استخدام الميناء والمرافق الحكومية من قبل عصابة الانقلاب، وقوات التحالف مازالت ترتب وضعها قبل الدخول في حرب حقيقية في الحديدة. اشترطت الإمارات تغيير المحافظ القريب من الإصلاح واشترطت محافظا قريبا من الحوثيين، كما فعلت في عدن وحضرموت سابقا.
 
التحالف لا يعرف ماذا يريد في الحديدة، أما الإمارات فتريد الإجهاز على أهم ميناء في الساحل الغربي.
 
إن كان من ميزة لخطة الحديدة الجديدة هو أن الإمارات لن تسيطر على الميناء والساحل في الحديدة، لكن أصدقاء الإمارات في الطرف الانقلابي لن يحزنونها أبدا، كما سلموا لها عدن ربما يسلمون لها الحديدة، وفقا لشروط غير معلنة.
 
لتمرير خطته الفارغة المحتوى يجمع ولد الشيخ حوله مجموعة من العيال المترفين ممن يعملون في المنظمات،  ومجموعة من العجائز ذوات الأرصدة السئية شعبيا، ويخطط ثم يخططون، ثم يخُطّون أسطرا من هلوسات قد تبدو جيدة للوهلة الأولى، لكنها تفتقد لقابلية التطبيق.
 
موظف مكتبي لدى الأمم المتحدة ويجمع حوله مجموعة من القوى الناعمة للانقلاب، كل ما يستطيع تحقيقه معهم هو التقاط صور سيلفي تذكارية، فالشرعية برغم قصورها تدرك أبعاد لعبة ولد الشيخ والقوى المحيطة به.
 
الحل في الحديدة يكمن في تغيير خطة التحالف في ميدي، وتزويد الجيش الوطني هناك بالمعدات اللازمة للتحرك وفقا لخطة جديدة ليس من بينها التضحية بالجنود أمام الألغام والقناصة.
 
التحضير لانقلاب داخل الحديدة يشبه التحضيرات التي سبقت انقلاب عدن وتحت مسميات متمردة على الجيش الوطني والشرعية، فكما تسمي المليشيات في عدن نفسها بالمقاومة الجنوبية أو الحزام الأمني أو النخبة، سيتم صناعة مسميات خاصة ومدعومة من الإمارات مناهضة للشرعية.
 
إن كانت الشرعية مهتمة بالحديدة أو ترغب في تحريرها فلتحرك ألويتها بدعم من القوات السعودية فقط. وليتم الاعتذار للإمارات عن هذه المهمة. لا أحد يريد إيقاع الحديدة في محنة عدن، لكن من يقنع لنا الشرعية وجيشها الوطني؟
 
المقال خاص بالموقع بوست.

التعليقات