فيصل علي

فيصل علي

إعلامي وأكاديمي يمني.

كل الكتابات
السعودة هي "الطوفان"
الخميس, 08 فبراير, 2018 - 09:58 مساءً

"التاريخ يتسع دوما للمتهورين، ولا يتسع للمترددين" مولانا

أثناء حديثه أمام مبادرة الإستثمار في إفتتاح مشروع  "نيوم" أخرج الأمير الشاب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان نسختين من الموبايل قديم وجديد، متحدثاً للجمهور عن مشروع نيوم وكيف أنه متطور و حديث و مرن و ذكي، كنتُ و ما زلتُ أنظر بإعجاب إلى "الصديق المحتمل" الأمير الشاب ذي البنية القوية المتوثب و المتطلع للحكم، و حين تم تعيينه ولي ولي العهد نظرت لتطلعه للحكم الذي لا يخفى على كل من دقق النظر في وجهه، قلت لأصدقاء كانوا معي على نفس الطاولة و هم من الديار الخليجية :" هذا الشاب هو الملك القادم للمملكة!! "، لم ينبس الأصدقاء ببنت شفه فهم لا يتدخلون في السياسة، فهي تسبب الصداع بحسب قولهم.

و عندما كان الملك القادم يجري الإصلاحات في بلده على طريقته، و يضع الأمراء في "فندق خاص"، أدركتُ أنه يمضي نحو الحكم بطريقة مختلفة، و قلت لأصدقاء متذمرين من فعله: " بل هو يفعل الصحيح، فالحكم يحتاج شيئا من الشدة حتى تستتب الأمور و تسير وفقاً لراسم السياسة أياً كان" .

سمو ولي العهد من جيل الشباب و جاء بعد توجه المنطقة نحو التشبيب في قيادتها، فمطالب الشباب لم تعد خافية في الشرق الأوسط، و صراع الأجيال واضحاً للغاية، و لكن هذا لا يعني أن السابقين أخطئُوا  أثناء حكمهم و لم يحسنوا، و لا يدعونا التغيير إلى القول أنه الأفضل حتى تتضح الصورة جلية، علينا التجرد عند النظر في مثل هذه المسائل الحساسة، و علينا قراءة التاريخ جيداً حتى نحسن الفهم و نستطيع الوصول إلى أفضل النتائج.

النموذج الكامل أمام ولي العهد السعودي هو جده طيب الذكر جلالة الملك عبد العزيز آل سعود، الذي وحد أقاليم الجزيرة العربية تحت سلطته في 1932، بعد أن عاد مع 40 شابا من أصدقائه المشردين مع انتهاء الدولة السعودية الثانية من الكويت  إلى الرياض و اقتحموا قصر "المصمك"، و بعد سيطرته على الرياض مد نفوذه إلى الحجاز و أجزاء من اليمن جنوباً، مكوناً أكبر مملكة في عصره، وتعددت تسمياته من بسمرك إلى نابليون إلى الملك سليمان الجديد، وحد شعوباً في حكمه و قام بسعودة البلاد التي يسيطر عليها كلها، وتحالف مع القبائل و أدخلهم في حكمه، و وطد دعائم الملك، و تحول من أمير إلى ملك، محولاً سلطته من سلطنة أو إمارة إلى مملكة مترامية الأطراف، لقد كان بحق أعظم حاكماً في عهده، حدَّث المملكة و أجرى إصلاحات لم تكن في أي دولة من الدول المجاورة لها، تخلص من خرافة آل البيت و حقهم الوهمي في الحكم و السلطة، وخاض أكثر من عشرين عاماً في المعارك و الحروب على أكثر من جبهة، لم يتردد و لم يتراجع و دخل التاريخ من أوسع أبوابه، و التاريخ يتسع دوماً للمتهورين و لا يتسع للمترددين.

لم تشهد المملكة بعد موت الملك عبد العزيز آل سعود توسعاً في المساحة، لكنها شهدت نهضة في إنشاء المدن و البنية التحتية، و مدت نفوذها السياسي إلى أبعد من حدود الشرق الأوسط على أيدي الملوك القادمين من نسل الملك العظيم عبد العزيز آل سعود.

فمن كان نموذجه جده لابد أن يكون على قدر التحدي، الأمير الشاب هو أشبه الناس بجده العظيم، ولديه القدرة على التحديث و التطوير، و تحويل النظام في المملكة من النظام القديم الى النظام الحديث، وهو يعلم أنه لن يصلح التحديث المؤسسي على مستوى القيادة دون تحديث النظام الأساسي برمته، و ما يندرج تحته في المجالات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية، فلا نهضة بدون تطوير شامل.

على سبيل المثال نظام ويندوز القديم كان جيداً في الثمانينات من القرن الماضي و كان صرخة توازي نظام ماك، لكن الفرق بين نظام ويندوز 1.0 و نظام ويندوز 10 مذهل، تطورت الأنظمة و تطورت الأجهزة السوفت وير والهارد وير.
أنظمة الحكم في عصر الكمبيوتر الكفي والذكاء الصناعي يجب أن تتطور أو تتطور، لا مجال للتراجع و الانهيار.

نظام السعودة الذي فعَله الملك عبد العزيز كان متطوراً للغاية، بحنكته ضم الدول و الشعوب و القبائل و وحد قحطان و عدنان تحت حكمه، و جمع نجد و الحجاز و بعض اليمن تحت راية التوحيد، مستفيداً من المساحات الشاسعة و التنوع البيئي و الجغرافي و الديمغرافي في بناء دولته العظمية.

فهل يسير الأمير الشاب المتطلع إلى الملك و التوسع على خطى الجد العظيم؟ سعودة  الملك الراحل كانت توسع و كسب ولاءات الشعوب و القبائل، فهل يفعلها محمد بن سلمان و يوطد حكمه القادم و يقوم بسعودة المواطنين الذين بنوا نهضة المملكة بأظافرهم، بدلا من سعودة الوظائف والأعمال؟

 الإنسان هو الثروة و التنوع الإنساني أعظم الثروات على الاطلاق، و إلا لماذا تحرص أكبر دولة في العالم اليوم على منح الجنسية الأمريكية سنوياً ل 55 الف إنسان كل عام؟!
بدلاً من سعودة الأعمال و الوظائف لماذا لا يتم سعودة العمال و الموظفين و التجار؟ الدول تنهض و تكبر و يزيد عدد مواطنيها، لماذا لا تكن السعودة قوة و نفوذ و نهضة وإعماراً شاملاً وتوطيناً في كل المناطق  خاصة تلك الملغومة بالطائفية و القابلة للإشتعال؟

السعودة ضد العمال الأجانب مجرد عنصرية و ظلم للعمال المساكين .. "السعودة طوفان" و له آثاره السلبية التي ستنتج عنه لا محالة، على بلاد نحبها و نحب شعبها و لا نريد لهم إلا الخير، أقرب مثال حدث بعد طرد العمال و التجار و المغتربين اليمنيين في أواخر القرن الماضي من المملكة هو توسع الحرس الجمهوري الطائفي و الحوثي و بسط إيران نفوذها على اليمن .

اليوم السعودية مهددة من جنوبها و الأخطار من شمالها قادمة، ماذا سيحدث بعد موجة السعودة الجديدة؟ سؤال لن يستطيع الإجابة عليه حتى منظري السعودة الجديدة والذين لم يحسنوا فهم السعودة التي أطلقها الملك عبد العزيز رحمه الله.

*ملاحظة موجهة / كتبة التقارير الرخيصة و المثاليات والأمنيات  ودولة أفلاطون الخ الخ هذا المقال قراءة لواقع اللحظة لا أكثر، بطلوا بعسسه وتجمال، وشكرا لأنكم في هذا العالم.

التعليقات