بوسع الإكتناف الذي نبديه - مع زميل المهنة محمود ياسين - بنوع من الحميمية او بأثر من ارتباط الأدلجة او كون وقوفنا على الطرف المضاد ، أن يزيح الأمر الأهم وهو: حقوق المواطنة التي يكفلها الدستور كعقد شرعي ينظم تلك العلاقات التي يقع ياسين ضمن واحدة من مفردات الإخلال بها ، وهذا من شأنه عكس الأمور وزيادة تعقيدها من ناحية الشخصنة والتصلب الذي سيبني عليه طرفي الصراع تصعيداتهم خارج فاعلية القانون والمواطنة ومنظومة الحقوق والحريات، بينما تلتبس الأشياء كلما تناسينا هذه الإحالة المرجعية التي اتفق عليها الشعب وتصبح صراعاتنا ضمن مساند ومواقف واهواء ونزعات وردود فعل كلها لا تسعى لخلق واقع مختلف من شأنه اعاقة التراكمات الوطنية التي اعتبرنا ثورتي سبتمبر واكتوبر انعتاق من ظلاميتها وتبشير بالمستقبل اليمني المشرق.
وهذا ينطبق كثيرا وليس محمود ياسين الا على سبيل اعتقال تضعنا خلفياته الأخلاقية " مسيرة الماء " والأهداف التي حملتها سياسة الفعل ضمن تحدي جديد لتقييس دينامية واقع يحاول بقدر كبير اقليمي - ودولي أن يضع فينا مشيئته دون ان نتحسس هويتنا اليمنية عميقة الأخلاق والقيم المتسامحة ، الواقع يتشكل في اطار نقدي سالب ومستلب يغدوا تعاطينا الإيجابي معه كارثة لا تحقق فقط لمحمود ياسين او قحطان الأذية بفرط المزاج الصلف والجاهل بالفرضيات التاريخية فيما يخص الديالكتيك الوطني في الداخل، وانما للوطن بشكل عام و وعيه المستلب لفصل ذاته عن ادعاءات الحصريه ،و على اعتبار ان تضامننا واحتجاجاتنا اخذتها مجموعة التوليفات والاحتشادات -ضد المتسبب- بقدر كافي من الإسقاط الخاطئ خصوصا عندما نستدعي تطييف السجين وحتى السجان في آن معا ، وحملتنا التضامنية مع صديقنا ياسين يجب أن تكون نابعة من ثوابت وطنية مع حث العقد الاجتماعي ليكون مصدرا لجادة الصواب والخطاء.
وما يزيد من تظامننا بشكل خاص القيم الجميلة والانسانية التي اعتقل بسببها وكذلك الاعتبارات المهنية التي على قدر عالمي تجرمها القوانين كونه كاتب وروائي وصحفي، وبشيء من هذا التضامن تتحدد علاقتنا بالشكل الصحيح، ونقدم من خلالها تمييز التضامنات الاعلامية والحقوقية وتوسيع نطلق مجموعة السياقات الفاعلة لتجسيد حضور المثقف اليمني في قلب مشهد الثورية والوطنية والانسانية ،التي يجب أن يتحلى بها حقا المبدع ضمن وظائف المبادئية ، ولكي تجتلب حملاتنا الداخلية والخارجية فاعليتها من جهة ولتأسيس حضور النخب الثقافية في اجندة العلاقات الاجتماعية والسياسية المتماسفة مع تمثيلات الحضور العالمي بقوة في طرح مستقبل الحياة اليمنية . وكلما تطلب منا موقفا وطنيا خصوصا في وضع خطير تمر به البلد يجب أن يستند الى هذه الأسس .
كان ياسين فريد في نقده للحوثيين من مجموعة المفردات المختارة بإحساس كاتب وطني يفهم كيف يحب وطنه وكيف يتعامل مع ابنائه المختلفين والمتصارعين، وكان واضح الفهم وعلى قدرا من المسؤولية تجاه التدخل الخارجي المعتدي والمتعجرف، لذا رفضه بقوة وليقول في الحوثيين ما شاء وقد اصبحت كتاباته التي ينشرها على صفحته في الفيسبوك- قبل تعرضه ومجموعه من الناشطين اليمنيين المميزين للاعتداء والاعتقال من قبل الحوثيين في صنعاء على سبيل التضامن مع السياسي المعتقل محمد قحطان - على قدر من المسؤولية في التقاط المشهد والأحداث وتحليلها ضمن شروط انتمائه لليمن الواسع، خارج تضييقات التحيزات للهويات الصغيرة وشيطنة طرف لصالح طرف ملائكي في غفلة من اخفاء جملة من الإشارات الخطرة التي تتفاوت ممارستها بين الأطراف المتصارعة في الداخل ،والوعي بها في سياقات اللعبة الدولية وما ستؤول إليه عملية المجانسة والمزج خارج نطاق الهوية الوطنية.
يدرك الكاتب الحقيقي ديمومة موقفه والأثر العميق في احافير الاستدعاء والإرتداد التاريخي لمسيرته المهنية والوطنية والاجتماعية، وانها لن تؤخذ بمعزل عن المبادئ والقيم الأصيلة التي تعبر عن كينونته ، ويدرك نهاية مآلات الانغماس في التكسب والعيش تحت شهوة المصالح الذاتية.
هذا ما فعله محمود ياسين وعلى قدر من الغاندوية السلمية السليمة التي ظل يستدعيها بين احايين كثيرة مع انه اعترف" برسوبه في الصف الخامس في مدرسة غاندي" ، الا أنه اجتهد من جديد و أتت فكرة "مسيرة الماء" ليقفز متجاوزا الى مرحلة جامعية فاصلا الملح لتغدو رحلته رواء للعطش المتراكم في تعز الضامئة ، وما على الحوثيين لمواجهة تلاميذ هذه المدرسة سوى القبض عليهم وسجنهم كما فعلوا بياسين ليدخل محمود مرحلة جديدة سيتحتم على صعوبتها أن يجد التحضيرات الملائمة لإكمال مسيرته الغنداويه الى آخر المراتب.
محمود هنا قد يكون أي يمني هناك ممن يقدمون لليمن هواجس وطنية ، افضل من مقترح الالتحاق برعايا الرياض وسيرتهم الرثة والمشبوهه بالجرب والسل اللذين تكلم عنهما بقدر فائق الألم رائي اليمن البردوني عليه وعلى ياسين السلام .