منذ ما قبل الحرب الجارية في اليمن، وخلالها، وربما بعدها الحوثي ليس قويا، وليس له شعبية، لكن قوته هي من ضعف خصومه، وتفرقهم، سواء اللاعبين المحليين، وأبرزهم الدولة العميقة التي تأسست منذ أكثر من اربعة عقود، وكذلك حزب التجمع اليمني للإصلاح، واقليما أخطاء وضعف دولتي التحالف وغدره، ليصبح فريسة للحوثي، يستجدي سلاما من الحوثي تماما كما يستجدي العرب السلام الضائع من إسرائيل.
 
من تداعيات مرحلة حياة البرزخ لحالة الحرب اليمنية التي دخلت في هدنة طويلة من أجل الاقليم وليس هدنه بين اليمنين فالمناوشات والحصار وزراعة الالغام على قد وساق ومستمر منذ بداية الحرب، ومنذ نوفمبر ومضيق باب المندب المرتبط بمآسي غزه في محيط عربي يتفرج من خلال الميديا وشاشات التلفزيون تحديدا، سواء كان المتابع مواطن أو من القادة ة والزعماء كلهم في دور "المتفرج اللبيب" "فمن يجرؤ على الكلام"؟
 
وفي خضم هذا المشهد السيريالي والتطورات المتلاحقة وتداخل تجعل الراصد لسير الحرب في حيرة من أمره، وفي متابعة لمواقف مشابهة من أزمات مفصلية خلال العقود الاخيرة انقسم اليمنيون الى صفين في السياسة الخارجية، بدء من حرب الستينيات ضد الإمامة، تليها حرب الانفصال في عام م , 1994وبالمثل تباين موقف اليمنيين من غزو العراق للكويت، ومؤخرا حرب أمريكية بريطانية مع الحوثي،  وكل ما ينشره المتابعين وأنا منهم بداهة، ليست بدعاية مجانية لجماعة الحوثي انما واقع الحال يفرض رأي حصيف وطني ينحاز للوطنن وليس السير مجاراة لمقولة عدو الحوثي عدوي!
 
الأسبوع الأول من الثلث الأول لهذا العام يحمل في طياته احتمالات تصاعد عسكرة البحر الأحمر، خاصة بعد قصف سفينة أمريكية في خليج عدن في السادس من مارس والذي أحدث قتلى وجرحى وحرائق بالسفينة التابعة لأمريكا وتحمل علم دوله أخرىـ ولم تمض ساعات الا وقد حلقت طائرات امريكية لتقصف مطار الحديدة الدولي، والبنية التحتية عسكرية كانت أو مدنية هي لليمن، وليست لجماعة الحوثي.
 
ورغم هذا يرى بعض المراقبين والمحللين بأن ما جرى ويجري من تصعيد في البحر الاحمر ينظر اليه برؤية مقولة "رب ضارة نافعة" بمعنى في حال انتصرت حركة الحوثي ونجت من هذا على المستوى الاقليمي وسمعة اليمن وسيادة القرار السياسي ونصرة فلسطين بداهة شيء إيجابي، ولا يخالف هذا الا فاسد المزاج ويحتاج الى علاج، لكن بالمقابل أفعال الحوثي الغير شرعي الذي سيطر على مقدرات الدولة بعد تحالفه مع الرئيس السابق وتواطئ النخب السياسية من أحزاب وبعض القوى التي كان يتوقع منها أن تحمل مشاعر التغيير والتحول خابت أمل اليمنيين بالفعل، والامر الاخر تواطئ دول الجوار لا سقاط صنعاء لتقذف الأقدار بحركة الحوثي لسدة السلطة وشكلت ما سمى بسلطة الأمر الواقع.
 
مربط الفرس هنا أن الادارة الامريكية الحالية والسابقة وربما القادمة التي قد يدريها الرئيس السابق "ترامب" كلهم يتفقون بالتماهي مع ايران، وما استجد بشأن موقف الادارة الامريكية خلال الأسابيع الماضية فأولا اعتبار حركة الحوثي جماعة ارهابية جرى تأجيله لخمسة أسابيع، ولم يكن فوري على أمل التراجع، ولا يدركون أن الحوثيين أسوأ واشد من طالبان الأفغانية، وبأنها مسنودة من ايران بكل ثقلها، وأنها أكثر عقائدية، رغم ان عداء امريكا والغرب للحركات السنية أكثر من العداء للأحزاب والحركات التي تدور في فلك إيران، لان بين الطرفين الغربي والشيعي خيط رفيع لا يدركه الا القليل.
 
الأهم هنا أن الادارة الامريكية الحالية برئاسة بايدن في فبراير الماضي صرحت أن جماعة الحوثي حركة إرهابية، وأعلنت أنها بدأت في ردع أفعالها عمليا، وسوف تستمر، لكنها لا تنوي إنهاء هذه الجماعة او القضاء عليها، وتعبرها مكون يمني مهم من أجل التوازن، وعلى حد قولهم "سنبقيها على قواتها لكن سوف نقطع ذراعها في جنوب البحر الأحمر".
 
وهذا له معنى خطير، وهدفهم فقط مرحلي تكتيكي، حتى يتوقف قصف الحوثي للملاحة الدولية، ويبقى يضطهد اليمنيين مثلما فعل لتسع سنوات، بينما رؤية الاقليم طرفي التحالف في الحرب ضد اليمن هو رغبتهم ان تنتهي أزمة البحر الاحمر لتتواصل خطوات ما يسمى بالسلام الذي هو مجرد توافق بين القوى المتحاربة اليمنية المسلحة.
 
وبالمناسبة كل من في المشهد في الخارطة السياسية والعسكرية في اليمن من شرعية مرتهنة وانتقالي ونخب وجيش الساحل وأغلبهم مسنودين اماراتيا وما يسمى بالحيش الوطني كلهم لا رأي لهم والقرار والسيادة اليمنية مسلوبان تماماُ.
 
في سياق آخر ومن رصد المواقف لبعض القوى الفاعلة فقد بدأ غزل فصيل يمني  لإسرائيل بالرغبة بالتطبيع بين تل أبيب وعاصمة الانتقالي حسب مقابلة لعيدروس الزبيدي في برنامجين مع لندن وقناة روسيا اليوم، وكلاهما في فتراته مختلفة، لكن بنفس المضمون، وعندما سئل كيف ستكون سياسة الانتقالي المستقبلية قال سنرحب بعلاقات مع اسرائيل فقال له اسالك عن دور الاقليم والمجتمع الدولي في مسألة الاعتراف بدولتكم المستقبلية، وبالمناسبة اضاف المذيع هل لكم تواصل او نوع من الاتصالات مع تل ابيب قال ليس لنا سفارة هناك فأجابه المذيع لن توجد دولة لكم فكيف ستكون سفارة !
 
وبعد حرب باردة بين اعضاء مجلس القيادة منذ تأسيس المجلس المشكل خارج الحدود وأبرزهم طرفي أذرع الاقليم عربيا وعجميا سابقاً، واليوم تحت مظلة خليجية يتسابقون لرضاء الكفيل رغم اختلافهم ومؤخرا سيبدأ تحالف "تكتيكي" مؤقت كما تحالف الرئيس الأسبق مع جماعة الحوثي منذ ما قبل الحرب وحتى مصرع الزعيم على يد حليفه.
 
في سياق تحركات أهم الأعضاء الثمانية لما يسمى بمجلس القيادة الرئاسي توزعوا في اسبوع في الاقطار والامصار فالرئيس "الدكتور رشاد العيمي"  "وهو الحلقة الاضعف" لأنه لا يستند لميلشيا او قبيلة وصل المانيا وغادرها الى مصر، ثم سيستقر بعض الوقت في الرياض، وهي محطات متكررة خلال حقبة الحرب سواء بعد تشكيل مجلس الرئاسة، وأيام كان مستشار للرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، كأغلب ايام حكمه الذي كان يفترض حسب اتفاق الرياض أن يدير الدولة والحرب من العاصمة المؤقتة التي غدت عاصمة شطريه ومحصورة على وزراء معينين من الشرعية.
 
والعضو الثالث هو نائب رئيس مجلس الرئاسة العميد طارق محمد عبدالله صالح، والذي استدعي من السلطات البريطانية الى لندن وكان من نتائج زيارته الى لندن المعلنة وليس المتسربة هي حراسة أمن البحر الأحمر نيابة عن الغرب حتى لا يتورطوا في المستنقع اليمني لتكون حربا "يمنية يمنية".
 
بينما رئيس الوزراء ووزير الخارجية توجه الى موسكو في الوقت التي هي منشغله بهموم داخلية وحرب أوكرانيا، فكان الزمان والمكان غير موفقين.
 
وبالمناسبة فقبل نحو ثلاث سنوات عندما تعين بن مبارك وزير خارجية لم يبرح السفارة في واشنطن عمليا، وبقى يوجه طاقمها "بالواتس اب" وأبقى سكن عائلته الذي هو فيلا لفارهة، مع أن ذلك مخالف للوائح وقوانين السلك الدبلوماسي بضرورة تسليم كل شيء يخص اليمن، وكل شيء يتعلق بالعلاقات الثنائية، لدرجة ان الولايات المتحدة هي نفسها من ضغطت على الشرعية لتعيين سفير جديد.
 
ترك عائلته في فيلا السفير وعاش عازبا في الرياض، فاضطر كوزير خارجية لتعيين سفير في واشنطن بعنصر مغمور عديم الكفاءة لا يعرفه حتى موظفي الخارجية، وربما باحتفاظ منصب وزير خارجية الى جانب رئاسة الوزراء يحاكي رئيس وزراء وخارجية دولة قطر التي هي في حالة سلام وتعايش واستقرار ورخاء ويستند لدولة واحدة غير مفككة على النحو الذي تعيشه اليمن بعد أن تداعت عليها الأمم كما تتداعى الاكلة على قصعتها!
 
وتأتى هذه التطورات في خارطة التحالفات بين جماعة الثمانية عندما تحالفت قوات الساحل أو ما يعرف بقوات الجمهورية مع قوات "الانتقالي" بقيادة نائب رئيس مجلس القيادة "عيدروس الزبيدي" تحت عنوان تأسيس قوة تمولها أبوظبي "لاستعادة الشرعية " والقضاء على " ميليشيا الحوثي " وقطع أذرع إيران.!
 
ويا للمفارقات قبل بضع سنوات كان نفسه المتحالف مع الانفصال قد تحالف مع خصمه الحالي الحوثي، وقبل أكثر من عقد كانت مرحلة خصام خلال حرب الستة حروب العبثية!
 
وبداهة الهدف من حماية أمن "مضيق باب المندب " وفق هذا المفهوم تحت بمسمى "حماية الملاحة الدولية"، وفعليا تخفيف العبء على إسرائيل ليستمر التنكيل بأهل غزه"، ومن المؤكد أن ممالك النفط لن تدخل عسكريا في حال استمرت أزمة وحرب البحر الاحمر، لأنها تخشى رد فعل حوثي مغامر، لأن كلا من ممالك النفط والغرب يدركون بأن جماعة الحوثي ليس لديها شيء تخسره، فلا هي دولة، ولا لدى اليمن بنية تحتية، فقد دمرها الحوثي مناصفة مع التحالف، وإذا هددوه بعدم اعتراف دولي فهو اصلا معزول، وبدون اعتراف، ويضع الله سره في أضعف خلقه!
 
وسيكون رد الحوثي المفترض في حال توسعة الحرب أو أحس بخطورة وضرر حقيقي سيكون ذو جانبين، عسكري باحتماله قصف شركة "أرامكو" وسياسيا سيفيد مفاوضات نحو عامين لتتجنب الرياض شر الحوثي المحتمل، ورغم ذلك ستتكفل دولتي التحالف بالتمويل.
 
اللافت أن كل القوى الفاعلة في المشهد يهرولون لما يسموه بـ " السلام"، وهو في الواقع توافق لتقاسم السلطة مناطقيا، وسلاليا وكلهم تحت عباية الاقليم من العرب والعجم، ومعظم الشعب اليمني غدا في حالة الفاقة والعوز وشظف العيش، ويحلم باليوم الذي يستلم مرتباته، وينال حقوقه، وتتحسن الخدمات التي هي سيئة أصلا منذ ما قبل الحرب، ومنذ أيام الزعيم أصلا لم نكن نعيش أسوة بالشعب السويسري.
 
والسؤال لماذا تتسلح تلك القوى الحوثي والانتقالي والنخب وما يسمى بالجيش الوطني في مأرب طالما هم ذاهبون للسلام ويهرولون له، وتواري مفردة "عائدون يا صنعاء" و"اليمن ينتصر" عودة الشرعية، وهزيمة المجوس" الخ.
 
اللافت هرولة كل هذه الأطراف المتناحرة لسلام شكلي، من أجل تقاسم السلطة، وانقاذ الكفيل للخروج من تورطهم في فشلهم بهذه الحرب، ونحن في مرحلة تهيئة الملعب لنهاية المشهد، وهو تدوير النظام السابق، وتحالف من جديد لمن احتفظ بسلطة لثلاثة أيام انتهت بمصرع الزعيم، والغرض "شرعنه" طرفي الانقلاب الأساسي والمستنسخ، والهدف الإقليمي هو إنقاذ " السعودية" من المستنقع اليمني، وأخيرا تأمين " باب المندب" وفق المفهوم الغربي.
 
ومن المفارقات ان سقوط صنعاء ومؤسساتها ورمزها الجمهوري مثل القصر الجمهوري بدعم الحرس الجمهوري نفسه، الذي استنزف جزاء من ثروات اليمن لتدريبهم وتجهيزات بالتسليح المتميز وأغلبهم الان تحت عباية " آية الله"، وكذلك من سخريات القدر أن جيش اليمن الملكي الامامي قام بالإطاحة بنظام الإمامة في حين جيش الجمهورية هو من تكفل باستعادة الإمامة في ثوب جمهوري، انتهى بتسليم كل مقدرات الدولة للميلشيا في طبق من ذهب! ولمن سلمت؟ للمكون الطائفي السلالي الذي استفاد من تراكم تناقضات وفساد عقود وصراع على السلطة في جمهورية العسكر العربية فرع اليمن السعيد.
 
جماعة الحوثي التي حاربوها ستة حروب عبثية وفي نهاية المطاف تحالفوا معها نكاية بثورة الشباب التي جرى القضاء عليها بقوى يمنية، بمؤامرة الزعيم واليد الامينة الرئيس السابق " عبد ربه منصور هادي" وليس نكاية بالإصلاح الذي غدى شماعة للقوى المحلية والإقليمية.
 
معلوما بأن مصر كان مطلوب منها دوليا مواجهة جماعة الحوثي نيابة عن الغرب، لكنها اعتذرت بسبب تصريح رئيسها السيسي بالرفض الصريح، لأنه لا يريد ان يقحم الجيش المصري في مستنقع الستينيات مرة أخرى، بل إن برلمانها لوح بالرفض مسبقا، وهذا موقف يحسب لها.
 
أسابيع قليلة تفصلنا عن الذكرى التاسعة لما عرف بـ "عاصفة العجز "وبضعة أشهر للذكرى العاشرة لسقوط أم المدائن صنعاء بضوء أخضر خليجي ودولي حسب ما صرح به قيادي المخابرات السعودية المتقاعد " أنور عشقي" في برنامج تلفزيوني لقناة روسيا اليوم في الاسابيع الاولى لـ "عاصفة الحزم" بأن دولة من دول مجلس التعاون هي من مولت تكاليف زحف الحوثي جنوبا حتى أسقط عمران وصنعاء وما وراء صنعاء.
 
كذلك الغرب كان متواطئ سواء ما سمى بالمجتمع الدولي بقيادة الإدارة الأمريكية أو الأمم المتحدة ومبعوثها الاممي، كلهم تآمروا على اليمن، أحزاب وقيادات وشخصيات ومشائخ وجيش ورموز قيادية، والزعيم واليد الأمينة اللذين تسابقوا لكسب ود الحوثي قبل توقيع ما سمى بـ " اتفاق السلم والشراكة"، والذي طبق الجانب السياسي فقط بالاعتراف بالحوثي كمكون سياس دون تطبيق الجانب العسكري الأمني، وفي النتيجة لم نر لا سلم ولا شراكة!
 
وآنذاك هرول الجمع في "الهجرة للشمال" بمن فيهم الإصلاح والمبعوث الأممي جمال بن عمر، واكرموا بسفرة طعام "صعدية" دسمة تضمنت "السبايا وبنت الصحن "ورمان وعنب صعده اللذيذ، وقبلها صرح اليد الامينة بعد سقوط عمران عندما زارها وصرح حينها بأن عمران عادت لحضن الدولة.
 
واذا كان المؤتمر قد سوغ وسهل للحوثي، فالإصلاح أيد عاصفة الحزم، وكان غطاء للشرعية المرتهنة، وكان حبه للتحالف من طرف واحد، لمن نكل باليمن، وكانت المكافأة " جزاء سمنار"، وفي حين لم تساند التحالف بالقدر الذي أخلص فيه الاصلاح للسعودية سياسيا وعسكريا مقارنة بقوات الانتقالي التي انفرد بها الى حد ما دولة الامارات، كان التحالف مساند لانقلاب مستنسخ، بغرض عرقلة عودة الدولة التي تم التنكيل باليمن لتسع سنوات بمسوغ استعادة الشرعية وفي نهاية الأمر تجذير حركة الحوثي.
 
*كاتب يمني وسفير في الخارجية.