صورة الدين في الدراما.. الدراما المصرية والتركية أنموذجا
الإثنين, 05 مايو, 2025 - 04:31 مساءً

لعقود من الزمن والدراما المصرية لا تتقابل مع التيارات الدينية، بل في حالة تقاطع، محاولة فيها تشويه صورتها وتقديمها كأداة للتخريب وإقلاق للشأن العام بإثارة البلبلة وكل ما يمكن أن يجعل فرصة الاستقرار منعدمة، دون تحديد لاتجاه ذلك التيار، وهو ما جعل بعض الانتماءات الدينية في منأى عن اللوم، حتى منتصف العقد المنصرم، حين بدأت بعض المسلسلات تجاهر بذلك العداء وتحدد ذلك الانتماء، وقد تجلى ذلك في مسلسل أستاذ ورئيس قسم، وهو في نظري من أخطر الأعمال الدرامية التي واجهت علنا جماعة الإخوان، وتلك الخطورة مكتسبة من عدة مقومات، الأول أن المخرج بحث عن بطل  للمسلسل ذا شهرة واسعة جدا، فكان "عادل إمام"، الذي تحظى أعماله بانتشار واسع، وتلاقي قبولا كبيرا عند الناس.
 
الأمر الثاني اتخاذ الثورة على نظام حسني مبارك جسر عبور إلى هدفهم الحقيقي، مما ينقل انطباعا جيدا للمشاهد، يحكم بواسطاته على العمل بالحياد، وبجانب آخر يسيطر عليه، حتى إذا تمكن العملُ منه عرضوا أفكارهم؛ حيث بدأ المسلسل بنقد الوضع السياسي والاجتماعي لذلك النظام، ثم بإعداد العدة للثورة ضده، ثم بالنزول إلى الميدان، ثم بإسقاطه، وقد احتلت هذه العملية أكثر من النصف من حلقات المسلسل.
 
الأمر الثالث تمثل بالدور الذي قام به المحسوبون على تلك الجماعة في المسلسل، وهذا تجلى في ثلاث صور: الأولى منهم أنهم بدأوا باستغلال منصبهم ونفوذهم السياسي في الدولة لصالح فكرهم الذي عرف فيما بعد باليمين المتطرف، فزجوا بالشباب في الحرب في عدة بلدان منها سوريا، والثانية أنهم اتخذوا من المراكز وغيرها مخازن سلاح، والثالثة أن إدارتهم كانت سيئة جدا، واختيارهم للموظفين يقوم على معيار الحزبية، حتى إن هناك من كان يرغب بتولي منصب وزير ففشل في الحكومة الانتقالية لِما عرف عنه من انتمائه السياسي لنظام حسني مبارك ومعارضته لثورة 25 يناير، ثم لمّا تولى الإخوان زمام الدولة تولى منصب محافظ بأمر من الرئيس مرسي؛ لأنه تزلف له في القنوات وأبدأ أنه من الحزب ومن الثوار الأوائل.
كل ذلك شكل حراكا شعبيا قويا تمكن من إسقاط ذلك النظام فيما بعد.
 
وفي مسلسل مأمون وشركاه تحديدا الحلقة الثالثة عشرة وجّه إلى جماعة الإخوان التهمة بأنها جماعة إرهابية، وذلك عندما عاد يوسف ابن مأمون مباشر أبو العطا《عادل إمام》من إيطاليا إلى مصر، ثم جاءت مكافحة الإرهاب المصرية واعتلقته بتهمة أنه إرهابي؛ لأنهم وجدوا له صورة في مظاهرة لأناس يرفعون شعار رابعة العدوية.
 
بالعودة إلى العداء الذي واجهه الإسلام السياسي في الأعمال المصرية، في نظري أن جذور ذلك العداء يبدأ من بدايات النصف الثاني من القرن العشرين، حين اتخذ جمال عبد الناصر موقفا عدائيا من جماعة الإخوان المسلمين، فزج بهم في السجون، وقوبلوا بالتعذيب والتنكيل والقتل، بحجة أنهم حاولوا اغتياله، بينما علاقة الإخوان قبل هذه الحادثة مع النظام الحاكم كانت جيدة، بدليل أنها شاركت في صوغ الدستور بعد ثورة 1950 على الملك فاروق، بطلب من ناصر نفسه.
 
ولأن ناصر مثل للشعب المصري القائد المخلِّص؛ فهو من اللجنة العليا في تنظيم الضباط الأحرار التي حولت فيما بعد مصر من ملكية إلى جمهورية، والقائد الذي أعاد لمصر هيبتها واستعاد حقها من فرنسا وبريطانيا حين أمم قناة السويس، كان لابد أن يعادي أعداءه، ومن هنا بدأ جزء من الشعب يعادي الإسلام السياسي لمّا أشيع محاولته اغتيال ناصر.
على عكس المسلسلات التركية التي عاشت حياة طويلة من الصراع والتخبط، ثم أدركت مؤخرا جدية توظيف الدين فيها للحفاظ على أمنها واستقرارها وتخليد أمجادها فلا تكاد تجد مسلسلا تاريخيا إلا وعنصر الدين جزء رئيسي فيه، فهناك قيامة أرطغرل والمؤسس عثمان، ونهضة السلاجقة، وغيرهم أنموذجا واضحا وجليا.
 
وهي مهمة مستمدة من ماضي الأتراك الذي نشأ من إسلام أجدادهم بعد معركة تالاس التي اجتمع فيها العرب والأتراك ضد المغول القادم من الصين، وبواسطته استطاع الأتراك أن يبنوا امبراطوريات متعاقبة من وسط آسيا شرقا وجنوبا إلى أوروبا شمالا، وقد ساهمت في كتابة التاريخ الإسلامي فيما بعد.
 
فالأتراك بعد الإسلام ليس كما قبله، لذلك هم يدركون جيدا قيمة الدين الإسلامي في تحقيق مصالحهم، وتوحيد كلمتهم التي يدرأون بها تمزقهم الذي لن يفضي إلا إلى ضياع أرضهم المتبقية التي أخذوها بالسيف من الصلبيين، بل إن جزءا منها وهو اسنطبول الذي يمثل الجزء الأوروبي من تركيا كان محط أطماع روسيا منذ الحرب العالمية الأولى حتى عهد؛ فقد كانت القسطنطينيةَ قبل فتحها، عاصمةَ إحدى أكبر الامبراطوريات الصليبية آنذاك، وفيها معقل المذهب الأورذوكسي المسيحي الذي تتبناه روسيا حاليا.
 
لذلك كان يرى الطامعون بها ضرورة تغييب الدين عن وعي مواطنيها، وعليه سقطت الإمبراطورية العثمانية، فتقلصت مساحتها الجغرافية وانكفأت في رقعتها الحالية، وتم علْمَنة أبنائها، الذي استمر أكثر من قرن.
أضف أن الأتراك القوميين يرون حقهم في دول مجاورة، منها دول البلقان، التي ما كانوا ليسيطروا عليها إلا من مُدخل الفتح الإسلامي، وما كانوا ليحققوا ذلك الحضور القوي في العالم كله آنذاك بدون ذلك الدين، فهم إذن لايقلون شأنا عن روسيا وبريطانيا والولايات المتحدة وإيران.
 
وعلى ذلك كان لابد أن يلجأوا إلى تحديث الدراما حتى يعيدوا تنشيط الوعي الوطني، وإعادته إلى الذاكرة، وكل ذلك يبدأ من أدلجة المواطن.
 
يعني أننا أمام صورتين للدين الإسلامي في الدراما، الأولى سيئة، غرضها تحييد الإسلام السياسي لاغيره عن السلطة، وفيها عداء مقصود، وإلا فالتيار الديني ليس الوحيد في الساحة من يمثل مصدر قلق بالفعل، فهناك تيارات يسارية لا تقل تطرفا عن التيار اليميني، هذا أولا، وثانيا نجد أن العداء هنا لا يشمل كل الأديان، وإلا فهناك تيارات يهودية أشد تطرفا، ولا تقل عن تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية، بل إنه في نظري جريمة اليهود أكبر؛ لأنهم يستندون في كل ذلك العنف على موروثات في التوراة، وهناك فرسان المعبد، فرقة كاثولوكية، تسمي نفسها بجنود المسيح، تأسست عام 1119م، عرفت بدمويتها تجاه المسلمين، وتنفيذها لعمليات الاغتيال للقادة وغيرهم، بل إن المسحيين أنفسهم لم يسلموا من بطشها؛ إذ كانت فكرة نشأتها من البابا فكرة أخلاقية تقوم على التطهير والحفاظ على الالتزام الديني مما يضفي عليها شرعية دينية، ثم شاركت في الحروب الصليبية التي جاءت من أوروبا لاسترداد بيت المقدس، وقد توصلا كرستوفر نايت وروبرت لوماس في بحث لهما إلى أن جذور الماسونية اليوم تنحدر من فرقة فرسان المعبد، بل هي أصل نشأتها، وفرقة فرسان المعبد تأثرت بفرقة باطنية يهودية، هي أشبه بالباطنية الإسماعيلية الملحدة، وعندما نجد طائفة الحريديم اليوم تفتي بجواز قتل أطفال الحجارة، بل إن قتلهم ضرورة عندها، يعكس ذلك صورة عن أصولهم، وإذا ما عدنا إلى كتبهم نجد نصوصا لا تقل تطرفا، وتدعو إلى استباحة الدم والعرض والمال، منها:
 
"بل اقتل رجلاً وامرأة طفلاً ورضيعاً، بقراً وغنماً ، جملاً وحماراً "، سفر صموئيل الأول/ الإصحاح الخامس عشر، الآية رقم(3)، وفي سفر العدد31، الآية 17 ما نصه: اقتلوا كل ذكر من الأطفال وكل امرأة، وفي سفر الخروج، 15، الآية: 3، (الرب رجل الحرب)، وفي هذا النص الأخير دليل واضح ليميني أشد تطرفا من غيره، يسند إلى الله الدموية بتعارض تام مع نصوص قرآنية يصف الله فيها نفسه بعكس ما ورد في سفر الخروج، ففي سورة الحشر، الآية 23، قوله تعالى: { هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡقُدُّوسُ ٱلسَّلَٰمُ}، وفي سورة يونس، الآية25، قوله تعالى: {وَٱللَّهُ يَدۡعُوٓاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلَٰمِ }.
وهناك حركة الهوية في فرنسا وبريطانيا يمنية متطرفة، تتلمذ على يديها منفذ حادثة مسجدي نيوزلندا برينتون تارانت، والتي راح ضحيتها واحد وخمسون مسلما.
مما يعني أن تلك الدراما تركت هذا الزخم من حركات وتنظيمات يمينية متطرفة أو يسارية ليست إسلامية، وذهبت تجاه التيارات الإسلامية، ولم تهاجم ذلك النوع من التطرف البالغ، الآنف ذكره؟!.
 
وأما الصورة الثانية غرضها قومي، تُمكِّن صاحبها من الحفاظ على وحدة أراضيه، وإعادة أمجاده، وإلا هل كانت الدراما التركية ستحسن صورة الدين لولم يكن لها غرض سياسي هدفه أعادة تركيا إلى الواجهة، ولم شمل مواطينها من مدخل ديني، يقوم على ذكر أمجادها وإحيائها في النفوس، التي سبق القول بأن تلك الأمجاد لم تكن موجودة لو لم يكن الإسلام موجودا؟!.
 

التعليقات