أنت تؤذي الضحية عندما تحضر بمآربك المريبة
الإثنين, 22 سبتمبر, 2025 - 07:03 مساءً

التضامن فعل إنساني نبيل، أنت تفرغه من معناه عندما تحوله إلى نشاط بطولي لك، أمام جمهورك والآخرين المحتشدين في الفعل نفسه. 
 
أتفهم مواقف الغضب من الناس، حالات الاستياء والسخط، الأصوات السياسية التي تصطاد من جراح الضحايا، مالا أفهمه هو الانفعالات والتحريض الذي انزلق إليه مجموعة من الصحفيين والحقوقيين والباحثين.. التلاعب الخطير بالنقل والتعليق يفتح باباً للأسئلة حول الالتزام المهني بتغطية الأحداث للوسائل والمؤسسات التي نعمل معها!.
 
في الصحافة تحديداً، تقف الإنسانية على رأس معايير النشر والتغطية، استغلال الدم في حسابات غير إنسانية؛ جريمة قذرة، انتهاك خطير مغطى بفضيلة الإنصاف الزائف، مساهمة في مصادرة حق الضحية، تضليل الجمهور وتجييش مشاعره في اتجاهات قد تكون غير مأمونة.
 
في عهد مواقع التواصل الاجتماعي، حول بعض المؤثرين تضامنهم إلى نشاط لتوسعة القاعدة الجماهيرية.  أقول البعض، أحياناً يأتي التضامن في سياق ملتبس، نتيجة الأنشطة السابقة للمؤثر نفسه، ذلك يثير الأسئلة والاستفسارات حول أهداف المتضامن.
 
لا رغبة لي في الحديث عن الصحافة؛ ولكن سأحدثكم عن تضامن فنانَين مؤثرين في تعز.
 
فوجئت بالموقف الشجاع للنجم "الباسق"، محمد الأموي، وأعجبني انخراطه المتضامن في قضية الشهيدة افتهان المشهري، غير أن هناك أشياء تثير الأسئلة حول تضامنه النبيل: حديّته الناقدة.. الإفصاح عن تبرمه من وضع مؤسسات الدولة في تعز.. تهكمه اللامز من الحكومة الشرعية في بعض المحتوى الذي ينتجه، نقد شجاع وجيد ومطلوب، لكن الشجاعة هذه لا تظهر في نقد عدو اليمنيين اللدود. في هذه الحالة فإن التضامن بقضايا إنسانية نبيلة تلامس أكبر عدد من الجمهور وتحديدا في المناطق المحررة، يتجاوز حالة النقد أو توسعة الجماهيرية في مواقع التواصل، إذا ما علمنا أن الفنان لم يقدم أي عمل ينقد مليشيا الحوثي الإرهابية أو يدين الجرائم في المناطق غير المحررة (أو على الأقل في الآونة الأخيرة).
 
الأمر نفسه ينطبق على الأستاذ محمد هلال، وهو ممثل ومقدم، نزل إلى الشارع، وشارك بتنصيب الخيمة الأولى ودعا الناس للاعتصام. من المعيب تعييب الحالة التضامنية لإنصاف الشهيدة، لكن موقف هلال نفسه يستدعي التساؤل عن موقفه من المليشيا. راجعت صفحته، ولم أجد منشوراً يساند ضحية من ضحايا المليشيا الإرهابية أو عملا ناقداً لسلوكياتها المتطرفة (على الأقل خلال الثلاثة الأشهر الأخيرة). إضافة على موقف شاهدته ذات يوم. عندما نظم مؤتمر الشباب ندوة دارت حول الجمهورية والشباب ودور الإعلام في المعركة الوطنية، التقط هلال المايكرفون وألقى مداخلة وجهها نحونا، وماذا فعلت الشرعية للشباب الجائعين، والوضع الاقتصادي.. إلخ.
 
هنا لا بد من الإشارة، أيضاً، إلى مسلسل رائع، هو مسلسل يوميات مواطن، الذي يظهر فيه النجمان، الأموي وهلال، وكوكبة أخرى من الفنانين اليمنيين على رأسهم الأستاذ فهد القرني. المسلسل ينتقد الوضع المعيشي في مناطق الشرعية بطريقة هادفة وبناءة، لكنه يغفل وضع اليمنيين في المناطق التي ترتفع فيها صرخة المليشيا الإرهابية. وإذا ما ظهر القرني في القضايا الإنسانية في الواقع، بذات ظهور الأموي وهلال، لاستدعى موقفه، التساؤلات نفسها. 
 
في العالم الفنان: مثقف، المثقف هو المؤثر الذي يتبنى قضايا أكثر عمومية. عند المفكر محمد عابد الجابري، يكون المثقف تقليدياً عندما يرتبط بالمجموعات القديمة والطبقات الآيلة إلى الزوال، ويكون «مثقفاً جديداً» عندما يساهم في تعبئة المجموعة الاجتماعية الصاعدة وبلورة مطامحها وأهدافها.
 
أما باسكال بونيفاس، فيرشدنا لمعرفة المثقف المغالط، بالإجابة عن هذا السؤال: هل يدافع عن قضية لكي يخدمها أم لكي يستخدمها لتحسين شهرته وشعبيته وحيزه الشخصي؟.
 
من علامات المغالطين، الملابجة من أجل الحصول على مكان دائم في الشاشات/ في مواقع التواصل «يسعي ليكون محور حديث مرتادي العالم الافتراضي، أو الكتابة ضمن موجة الجمهور المرتفعة لأجل الظهور لا لأجل الفكرة».
 
من هذه الزاوية، ندردش بكرة حول أحد المقالب الكبيرة في تعز..
 

التعليقات