منذ مغادرة الرئيس الدكتور رشاد العليمي العاصمة المؤقتة عدن وما رافق ذلك من إخلاء وحرق لكل ما يتعلق بمكتبه في قصر معاشيق دخل الرئيس في حالة من العزلة عن الواقع والميدان بمقر إقامته في الرياض دون أن نلمس أي تحرك جاد أو موقف مباشر يرقى إلى خطورة ما حدث مؤخرا من انقلاب جديد في محافظتي حضرموت والمهرة على يد المجلس الانتقالي الجنوبي.
كنا ننتظر كحد أدنى خطابا متلفزا يضع فيه الرئيس الشعب اليمني أمام حقيقة ما جرى ويوضح الإجراءات التي يعتزم اتخاذها بصفته رئيس مجلس القيادة الرئاسي والقائد الأعلى للقوات المسلحة. كنا نأمل أن نراه مرتديا بزته العسكرية باجتماع طارئ لمجلس الدفاع الوطني متقدما إلى الميدان لاحتواء الانهيار المتسارع للمركز القانوني للدولة والحفاظ على وحدتها وسيادتها وسلامة أراضيها.
غير أن الواقع وللأسف جاء مخيبا للآمال إذ بدا أن الرئيس يراهن بصورة أساسية على ما يصدر عن بعض السفراء والدول الراعية للعملية السياسية من تصريحات وبيانات رغم إدراكنا المسبق أن هذه المواقف لن تتجاوز حدود الكلام كما أثبتت التجربة المريرة في صنعاء. حينها اعتمد الرئيس السابق عبدربه منصور هادي على الخارج والمبعوث الأممي، وكانت النتيجة سقوط العاصمة وبقية البلاد في يد مليشيات الحوثي رغم الدعم الدولي الكبير الذي حظي به آنذاك والذي بلغ حد انعقاد مجلس الأمن الدولي في صنعاء في سابقة تاريخية لم تحدث منزلقا وعكست حجم ذلك الدعم للرئيس هادي والحكومة اليمنية .
اليوم يعيد الرئيس رشاد العليمي تكرار الأخطاء ذاتها ولكن في ظرف أكثر تعقيدا وأقل وضوحا من حيث مستوى الدعم الدولي مقارنة بما كان عليه الحال في عهد الرئيس هادي.
الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها أن التحرك الجاد والفاعل لاحتواء تداعيات ما جرى في حضرموت يقتصر حتى الآن على المملكة العربية السعودية. وترجم ذلك من خلال وصول الوفد السعودي برئاسة محمد القحطاني رئيس اللجنة الخاصة بذات اليوم الذي سيطر فيها المجلس الانتقالي على حضرموت واستمراره فيها حتى اليوم في مسعى واضح لتدارك ما يمكن تداركه، والحفاظ على حضرموت بعيدة عن دوامة الصراع السياسي والانزلاق نحو الاقتتال الداخلي وحماية أمنها واستقرارها، بعد أن فرضت قوات المجلس الانتقالي سيطرتها بقوة السلاح على محافظة ظلت محايدة عن الصراع طوال سنوات الحرب.
لا يزال الوقت متاحا أمام الرئيس رشاد العليمي لاتخاذ موقف شجاع وتحرك مسؤول، بدعم من المملكة العربية السعودية، لإعادة الأمور إلى نصابها، وتوحيد الجهود الوطنية باتجاه الهدف الحقيقي المتمثل في استعادة العاصمة صنعاء، وإنهاء الانقلاب الحوثي، ووقف الممارسات العبثية التي يصر على ارتكابها من يفترض أنهم شركاء في معركة استعادة الدولة، لا أدوات لإضعافها وتمزيقها.