حققت أطراف الحرب مكاسب ضخمة..
"اقتصاد الحرب" في اليمن كعامل رئيسي باستمرار الصراع (ترجمة خاصة)
- ترجمة خاصة الخميس, 21 سبتمبر, 2023 - 07:56 مساءً

[ تقرير يسلط الضوء على اقتصاديات الحرب في اليمن وتربح أطراف الصراع ]

أرجع مركز أمريكي استمرار الصراع في اليمن منذ تسع سنوات إلى اقتصاد الحرب وتربح تلك الأطراف وتحقيقها مكاسب ضخمة.

 

 

وقال "المركز العربي بواشنطن" في مقال للباحثة اليمنية أفراح ناصر وترجمه "الموقع بوست"، "مع مغادرة المفاوضين الحوثيين السعودية عقب خمسة أيام من المحادثات مع المسؤولين السعوديين بشأن ملامح الحل الوسط للصراع المستمر في اليمن، تظل البلاد ترزح في قبضة نتائج حرب معينة، اقتصاد الحرب تحديدا".

 

وأضافت على الرغم من كون الصراع القائم بدأ بالتدخل العسكري السعودي والإماراتي عام 2015 ضد جماعة الحوثي المسلحة، إلا أنه يمثل إلى حد كبير منعطف محوري للعديد من الصراعات الأخرى: الحرب الأهلية اليمنية عام 1994، التمرد الحوثي عام 2004، الأحداث المضطربة لانتفاضة اليمن عام 2011، واستيلاء جماعة الحوثي على العاصمة اليمنية صنعاء في عام 2014. ومثلت المظالم الاقتصادية العميقة السبب الرئيسي وراء هذه الصراعات، تماما كما تؤدي الأزمات الاقتصادية الناجمة عن الحرب الحالية إلى تزايد الفقر والمعاناة واليأس.

 

وتابعت: على سبيل المثال، كان التخصيص التمييزي للموارد، البطالة، وانتهاكات حقوق ملكية الأراضي، من بين المظالم التي غذت دور الجنوب في الحرب الأهلية عام 1994.

 

فيما يتعلق بالتمرد الحوثي، قالت ناصر إن "المظالم التاريخية كذلك لعبت دورا مهما. ويدعي أعضاء الجماعة أنهم ينتمون إلى طبقة السادة التي كانت تتمتع بسلطة الحكم في شمال اليمن خلال المملكة المتوكلية اليمنية (1918-1962، مع بعض آثار السيطرة حتى عام 1970). وعقب الهزيمة الأولية للمملكة في عام 1962 على يد الجمهوريين الثوريين في بداية الحرب الأهلية في شمال اليمن، كانت الجماعة مستاءة من خسارتها للسلطة، وكانت تسعى إلى استعادة ما فقدته. وعقب عقود، أدى السخط الإضافي الناجم عن تهميش وإفقار محافظة صعدة، موطن الجماعة، في الشمال، بشكل مباشر إلى تمرد الحوثيين في عام 2004. كما كانت انتفاضة اليمن عام 2011 مدفوعة في المقام الأول بالمظالم الاقتصادية، مثل الفساد وارتفاع معدل الفقر. ثم، في عام 2014، احتجت جماعة الحوثي على إصلاحات الحكومة في مجال الوقود، وبعد ذلك نفذت انقلابا على الحكومة اليمنية، مما دفع التحالف الذي تقوده السعودية إلى الانخراط في الصراع في عام 2015.

 

وذكرت أن عقودا من المظالم والصراعات الاقتصادية التي لم تعالج، وفرت أرضا خصبة لظهور اقتصاد حرب ديناميكي في اليمن، يتميز بشبكات معقدة من الجهات الفاعلة التي تتنافس جميعها على القوة الاقتصادية والسيطرة. ويدور اقتصاد الحرب في البلاد بشكل أساسي حول تخصيص الموارد والتنظيم والتعبئة بهدف رئيسي هو استمرار القتال. ومن ثم، فإن التربح من الحرب واستغلال الأبعاد المختلفة لها قد أدى إلى إطالة أمد الصراع وإعاقة تحقيق السلام والاستقرار الدائمين. بالإضافة إلى ذلك، أدى التأثير بعيد المدى لاقتصاد الحرب إلى تغيير مشهد البلاد وبنيتها الاجتماعية والاقتصادية بطرق معقدة.

 

مظاهر اقتصاد الحرب

 

وأوضحت أن الصراع القائم أدى إلى تغيير جوانب عديدة من النظام والأنشطة الاقتصادية للبلاد، كما أدى إلى إنشاء اقتصادين متوازيين بشكل أساسي، أحدهما في الشمال والآخر في الجنوب. وتشمل بعض أهم مظاهر اقتصاد الحرب في اليمن التعريفات والرسوم الجمركية المزدوجة، سعرين مختلفين لصرف العملات، عائدات النفط المتنازع عليها، تباين المساعدات، والاقتصاد الاستخراجي، وكلها تضع ضغوطا هائلة على الشعب اليمني.

 

ولفتت ناصر إلى أن الخلاف بين الأطراف المتحاربة، جماعة الحوثيين المسلحة في الشمال والحكومة اليمنية المعترف بها دوليا في الجنوب، حول الضرائب والرسوم الجمركية، أدى إلى نظام ضريبي منقسم في البلاد.

 

وأردفت "لقد أنتج الاقتصادان كذلك قيمتين مختلفتين إلى حد كبير للعملة في الشمال والجنوب، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى قيام الحوثيين والحكومة اليمنية بطباعة الأوراق النقدية، وإن كان ذلك بأحجام مختلفة. واعتبارا من فبراير 2023، كان السعر الجاري هو 600 ريال للدولار الأمريكي في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون و1225 ريالا للدولار في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة- أي أكثر من ضعف القيمة. كما أثر الصراع والانقسام بين الشمال والجنوب على صادرات النفط، مما أدى إلى مواجهة حول تخصيص عائدات النفط بين الحوثيين والحكومة. ويعتمد الاقتصاد اليمني بشكل كبير على إنتاج وتصدير النفط الخام الذي يدر نصيب الأسد من إيرادات الدولة. وارتفعت إيرادات صادرات النفط الخام في عام 2021 لتصل إلى 1.418 مليار دولار، مقارنة بـ 710.5 مليون دولار في العام السابق، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية".

 

"وبذريعة دفع رواتب القطاعين المدني والعسكري، يطالب الحوثيون بحصة كبيرة من عائدات النفط. وقد رفضت الحكومة تقاسم هذه الإيرادات، ومن أجل وقفها، هاجم الحوثيون في عام 2022 ثلاث محطات لتحميل النفط تقع في مناطق الحكومة، في ميناء المكلا في 25 أكتوبر، وفي ميناء محافظة شبوة في 9 نوفمبر، وفي ميناء المكلا في 25 أكتوبر، وفي ميناء محافظة شبوة في 9 نوفمبر، وفي ميناء الضبة في 21 نوفمبر. وكان الهدف من هذه الهجمات إضعاف الموارد المالية للحكومة. بالإضافة إلى ذلك، حظر الحوثيون في يونيو 2023 أسطوانات الغاز المنتجة محليا القادمة من مدينة مأرب التي تسيطر عليها الحكومة من أجل تقويض مصادر إيراداتها. إن الرسالة الواضحة في كل تحركات الحوثيين هي أنه في غياب تمتع الجماعة بحصتها من إيرادات الدولة اليمنية، فلن يتمتع بها أحد. يعد الحصول على عائدات النفط أحد الأهداف الاقتصادية المركزية للحوثيين، وقد حاولت الجماعة مرارا وتكرارا دون جدوى الاستيلاء على محافظة مأرب اليمنية الغنية بالنفط"، وفقا للمقال.

 

تضيف الباحثة ناصر "لقد باتت المساعدات الإنسانية الدولية وسيلة لتحقيق المنفعة الاقتصادية للأطراف المتحاربة. فقد كشفت تقارير المنظمات الدولية المختلفة، بما فيها الأمم المتحدة والوكالات الإنسانية ومنظمات حقوق الإنسان، عن نمط من التدخل في توزيع المساعدات الإنسانية في اليمن.

 

واستدركت إن تباين المساعدات الإنسانية والقيود والعرقلة هي بعض الاستراتيجيات الاقتصادية التي استخدمتها الأطراف المتحاربة لتعزيز نفوذها. وتدخلت القوات الحكومية والمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي في المساعدات الإنسانية في محافظة عدن اليمنية وأعاقتاها.

 

وأشارت إلى أنه في عام 2020، ورد أن الحكومة تورطت في ممارسات غسيل الأموال والفساد، مما كان له عواقب سلبية على قدرة الناس على الوصول إلى الإمدادات الغذائية الكافية. فضلا عن ذلك، وضعت الحكومة مخططا لتحويل الأموال من الودائع السعودية، مما أدى إلى تحويل غير قانوني بقيمة 423 مليون دولار من الأموال العامة إلى التجار. كما تورط الحوثيون في استغلال المساعدات الإنسانية، واعترف برنامج الأغذية العالمي بتباين مساعدات الجماعة في المناطق الخاضعة لسيطرتها. ثم تشق هذه المساعدات المحولة طريقها إلى المجهود الحربي للحوثيين".

 

ونوهت إلى أنه وفي ذات الوقت، ذهبت الموارد المالية للمواطنين العاديين أيضا نحو ملء جيوب الأطراف المتحاربة. لافتة إلى إن الرسوم الجمركية المرتفعة والارتفاع الكبير في أسعار السلع الأساسية تعد جزءا من "الاقتصاد الاستخراجي" الذي تمارسه الفصائل المتحاربة على السكان بشكل عام.

 

التأثيرات على مستقبل اليمن

 

وتطرقت ناصر إلى أن اقتصاد الحرب في اليمن يحمل تأثيرين محتملين على مستقبل البلاد هنا: التحولات الهيكلية وإدامة الصراع. فقد خلق اللاعبون والشبكات التي ظهرت واكتسبت نفوذا في ظل الصراع، خلقوا ديناميكيات اقتصادية جديدة، الأمر الذي أدى إلى تغييرات هيكلية في الآليات الأساسية للوظائف الاقتصادية للبلاد. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك تباين الأنظمة الاقتصادية بين المناطق الشمالية والجنوبية في اليمن.

 

واستطردت "التأثير الآخر المهم لاقتصاد الحرب على مستقبل اليمن هو إطالة أمد الصراع. ولا توفر المكاسب الاقتصادية التي تواصل الأطراف المتحاربة تحقيقها خلال الحرب حافزا يذكر لإنهاء الصراع، كما يتضح من حقيقة أن الهدنة التي انتهت في أكتوبر 2022 لم يتم تجديدها بعد. في هذا السيناريو المثبط، تصبح آفاق مستقبل اليمن قاتمة بسبب الصراع المستمر".

 

مصير الغد

 

تتابع "لقد شكلت عقود من المظالم الاقتصادية التي لم يتم حلها، وكذلك السخط الذي تفاقم بسبب سلسلة من الصراعات البيئة المثالية، شكلت لظهور اقتصاد حرب قوي. وتعد التعريفات والرسوم الجمركية المزدوجة، اختلاف قيم العملات، تقلص عائدات النفط، استغلال المساعدات الإنسانية الدولية وتحويلها، واستخراج ثروات السكان، من أهم الأنشطة الاقتصادية الناشئة في ظل الصراع المستمر. لقد حققت الأطراف المتحاربة مكاسب اقتصادية من خلال الانتهازية في زمن الحرب، مما جعلها غير راغبة وأقل احتمالا في البحث عن حل سلمي للصراع. وفي ذات الوقت، أدى اقتصاد الحرب إلى إحداث تحول في البنية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد. ونتيجة لذلك، يبدو مستقبل اليمن قاتما، ومن المرجح أن يتسم بالصراع المطول، تفاقم الفقر، والدمار الاقتصادي".

 

وزادت "يمثل اقتصاد الحرب في اليمن عاملا حاسما في استمرار الصراع، وبالتالي فإن معالجة اقتصاد الحرب أمر ضروري لإنهائه. ونظرا لأن استمرار اقتصاد الحرب يصب في مصلحة الأطراف المتحاربة، فلا بد من تدخل طرف خارجي. وهنا يشكل الدور الذي يلعبه المجتمع الدولي أهمية بالغة، ويجب أن تتخذ نهجا متعدد الأوجه تجاه الاقتصاد اليمني، والضغط على الأطراف المتحاربة للتوصل إلى اتفاق يعالج مشاكل اليمن الاقتصادية على مستويين: المظالم الاقتصادية التاريخية، والتحديات الاقتصادية المعاصرة. وعلى الرغم من أن الأخيرة هي امتداد للأولى، إلا أنه يجب أن يكون هناك خطاب وطني لمعالجة هذه القضايا من أجل تمهيد الطريق نحو المصالحة الاقتصادية الوطنية. ويمكن لنتائج هذه المداولات أن تضع الأساس ليمن أكثر استقرارا وازدهارا على المدى الطويل. مع أنه لا بد من القول إن أي خطاب وطني يجب أن يتجنب عيوب ومزالق مؤتمر الحوار الوطني السابق (2013-2014)".

 

فيما يتعلق بالتحديات الاقتصادية المعاصرة الملحة التي تواجهها البلاد، تقول الكاتبة "ينبغي للمجتمع الدولي الضغط على الأطراف المتحاربة لتنفيذ تدابير ملموسة لمعالجة المظاهر العديدة لاقتصاد الحرب من خلال توحيد النظام الضريبي وسعر الصرف، وحل النزاع حول عائدات النفط، وضمان مراقبة أفضل وأكثر شفافية للعمل الإنساني ومعالجة الفوارق الاقتصادية.

 

وحثت المجتمع الدولي لأن يدعم خطة استباقية للتعافي الاقتصادي في مرحلة ما بعد الصراع، بحيث تصبح الخطة جاهزة للتنفيذ السريع بمجرد انتهاء الصراع.

 

وأكدت أن التوصل إلى اتفاق سلام شامل يشكل الخطوة الأساسية الأولى قبل إطلاق خطة التعافي الاقتصادي في مرحلة ما بعد الصراع. وفي كل خطوة، يجب أن تدفع الجهود الدبلوماسية الدولية الأطراف المتحاربة إلى إعطاء الأولوية لرفاهية الشعب اليمني على مصالحها الاقتصادية الخاصة.

 

وختمت ناصر مقالها بالقول "إن معالجة الأسباب الجذرية للمظالم الاقتصادية وتفكيك أسس اقتصاد الحرب أمر ضروري لإنهاء الصراع الذي طال أمده، والقيام بذلك قد يوفر الأمل بمستقبل أكثر إشراقا لليمن وشعبه".

 

*يمكن الرجوع للمادة الأصل : هنا

 

*ترجمة خاصة بالموقع بوست


التعليقات