اليمنيون والهروب من البؤس
الإثنين, 05 سبتمبر, 2022 - 06:17 مساءً

الشعب اليمني مسافر كله. وأنت تشاهد الحشود المتدفقة في مقر الجوازات، بتعز. ستقول: لمن ستبقى اليمن؟ لعفاريت سليمان؟ قيل لي أن زحمة اليوم لاشيء، مقارنة بأيام أول الأسبوع، ولا تزال تلك الصورة التي شاهدتها قبل عام، عالقةً بذهني، كانوا كأنهم حجاج بيوم عرفه.
 
وجدتُ اليوم صنعاء كلها في حوش الجوازات، صنعاء وأخواتها. لم يتوقف هذا السيل منذو بدأت جوازات تعز بالعمل.
 
الصورة من أعلى تقول: أن هذه حالة نفور شعبي عارمة وتذمر مريع من العيش في هذه البلاد، قد وصل بالناس حد الاختناق. هذا التدفق المبالغ فيه، ليس ناتج حالة طبيعية، هو بحد ذاته ليس طبيعي. بالطبع هناك دوافع متعددة ومختلفة، خليط من كل شيء، خلف هذه الصورة؛ ولكنها تعني بصورة عامة جميعها:"الرغبة في الهروب من حالة البؤس الدائمة" إلى أي مكان في العالم كله، بلادنا جزء من ذلك العالم الغريب.
 
أصبح اليمني، عندما ينتقل إلى أي محافظة، كأنه يسافر بلد خارجي. الجميع، بائس، تعيس، مخنوق، مغلوب.. لقد بلغت قلوب اليمنيين الحناجر، إنهم مخذولون أشد خذلان عرفته البشرية. كنت أراهم، يتحسسونها في أعناقهم فيشربون الماء. سئموا، سئمنا، وسئم كل شيء في البلاد، كل شيء..
 
قبل سنوات كان موظفي الجوازات ما أن يصلوا إلى مكاتبهم يتوسدون طاولاتهم وينامون حتى نهاية الدوام. كما يفعل طلبة الجامعات. كل من هرع إلى طلب الجواز، هو بالضرورة ضائقٌ بذاته.
 
صنعاء ضائقة، وكل ما تحت حكم الحوثي، بغض النظر عن ربية في الأمر (ذلك أمر على العليمي أن يتحسسه).
 
كثيرٌ، حتى من أبناء تعز، تجدهم بالطوابير، وليس لدى أكثرهم أي وعدٍ بالسفر، كما فعلت أنا اليوم، ذهبت لا لشيء سوى أن أوهم نفسي شعورياً بأني مغادر هذه البلاد.
 
الخارج ليس جميلاً بقدر هذا التهافت، ولربما، أبسط وضع مستقر هنا، أفضل حالاً من كثير من السفرات. ولكن لم يجد كثير اليمنيين حتى ذلك" البسيط، والبسط جداً.
 
أخبرتني زنات صنعاء، ووجهوها، عن مدى البؤس المتكدس فيها تحت الضغط وقلة الحيلة وخواء الحياء. شقاء طافح يسيل من حدقات العيون، ووجعٌ ينهمر من بين الأصابع. كان حزام ذلك الشابٌ الوسيم، كافي لأعطي أنطباعي عن صنعاء وأخواتها. ربما أخذه من المتحف.
 
كانت صورة ذلك الحزام تحكي قصة أغلب القادمين. الناس في الضفة الأخرى، ليس أكثرُ حالاً من صنعاء، وأن بدت علامات السعد في أشكالهم، فداخلهم تدكه الهشاشة والحرمان.
 
إن المشقة والتعاسة والعناء الذي تتلقاه صنعاء في سبيل أن تحصل على جواز سفر؛ يعمق لديها حقيقة حاكمها، وهشاشته، بأنه مجرد شيخ لقرية لا يعرفها ولا يعرفه أحد غيرهم. ثم يتسلل إلى أعماقها هذا السؤال المدوي؛ ما قيمتنا إذن؟ الحوثي كائن يحاربه كل شيء بعلم وبدون علم.
 

التعليقات