حين تصبح كلفة التأخير أعلى من كلفة الحسم
الجمعة, 26 ديسمبر, 2025 - 10:19 مساءً

لا يزال احتواء اعتداء ميليشيا المجلس الانتقالي على حضرموت والمهرة أمرًا ممكنًا بل ومقدورًا عليه سياسيًا وأمنيًا ، لكن نافذة هذا “الممكن” تضيق سريعًا فكل تأخير في حسم الموقف لا يعني تجنب الكلفة ، بل مضاعفتها وتحويلها من كلفة إدارة أزمة محدودة إلى فاتورة استراتيجية ثقيلة ستكون المملكة العربية السعودية هي الطرف الأكثر تحمّلًا لأعبائها بحكم موقعها ودورها ومسؤولياتها الإقليمية .
 
التجارب الإقليمية القريبة تُظهر بوضوح أن المليشيات لا تتوقف بإرادتها بل تتوسع كلما طال أمد التردد في مواجهتها . ما جرى في السودان مثال صارخ: حين أُجِّل الحسم مع قوات الدعم السريع في البداية بحجة تفادي الصدام ، تحولت المليشيا إلى دولة موازية ، ثم إلى قوة مدمّرة أحرقت العاصمة وكسرت بنية الدولة ، وفرضت على الجوار ومعادلة الأمن العربي الجماعي كلفة أمنية وإنسانية هائلة . التأخير هناك لم يشترِ الاستقرار بل راكم شروط الانفجار .
 
السيناريو الذي يلوح في حضرموت والمهرة وفق “منهجية القراءة الاستراتيجية”  ، لا يقل خطورة إذا تُرك دون ضبط مبكر فهذه المناطق ليست هامشًا جغرافيًا هي عقدة توازن إقليمي ، وأي انزلاق فيها سيحوّل الجنوب من ملف قابل للإدارة إلى جبهة استنزاف مفتوحة ، ويمنح القوى المعادية فرصة التسلل عبر الفراغ سواء عبر الفوضى أو عبر تغذية الانقسام الداخلي .
 
الأخطر أن استمرار الاعتداءات دون ردع حاسم سيُنتج سابقة خطيرة: ترسيخ منطق أن السلاح يفرض الوقائع وأن من يبتز الاستقرار يكافأ بالصبر عليه . هذا المنطق إن استقر لا يهدد حضرموت والمهرة فقط بل يعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمليشيا في كامل الجغرافيا اليمنية ، ويقوّض أي مسار سياسي لاحق مهما بلغت جودة تصميمه .
 
بالنسبة: “للمملكة العربية السعودية” ، فإن كلفة التأخير ليست أمنية فحسب بل استراتيجية . فكل يوم يمر دون حسم يزيد من احتمالات انتقال الأزمة من مستوى “الاحتواء المحلي” إلى مستوى “التدويل القسري”، ويضع الرياض لاحقًا أمام خيارات أصعب ، وتدخلات أكثر كلفة ، ومعالجة نتائج بدل منع أسباب . الفارق بين الحسم المبكر والتدخل المتأخر هو الفارق بين إدارة المخاطر ومنعها .
 
الوقت هنا ليس عنصرًا محايدًا، بل عاملًا منحازًا للفوضى . وكل قراءة هادئة للسوابق الإقليمية تقول إن المليشيا حين تُترك لتختبر حدود الصبر، لا تتراجع ، بل تتقدم خطوة إضافية وتبني عليها سرديتها وقوتها ونفوذها . لذلك “فإن التردد” مهما بدا عقلانيًا في لحظته يتحول سريعًا إلى خطأ استراتيجي حين تتغير المعادلات على الأرض.
 
من هنا، فإن البدار ليس دعوة للتصعيد لكنه دعوة لمنع الانفجار . الحسم المطلوب ليس عسكرة إضافية بل تثبيت واضح لحدود الفعل المسموح وإعادة الاعتبار للدولة اليمنية التي اتينا لحمايتها بموجب القانون الدولي المتمثل في القرار 2216 ، وحماية حضرموت والمهرة بوصفهما ركيزتين للاستقرار لا ساحتي اختبار . فإما أن يُغلق هذا المسار الآن وهو لا يزال قابلاً للإغلاق أو يُترك ليتحول إلى أزمة أكبر يدفع الجميع ثمنها وفي مقدمتهم من سعى أصلًا لحماية الاستقرار .
 
نقلا عن صفحة الكاتب في منصة إكس
 

التعليقات