إجراءات البنك المركزي في عدن.. هل تنقذ الريال اليمني من الانهيار أم تزيد الطين بله؟ (تقرير)
- خاص الجمعة, 22 مارس, 2024 - 03:36 صباحاً
إجراءات البنك المركزي في عدن.. هل تنقذ الريال اليمني من الانهيار أم تزيد الطين بله؟ (تقرير)

[ البنك المركزي بعدن ]

يسود جدل واسعا بين أوساط الخبراء الاقتصاديين، بشأن إعلان البنك المركزي اليمني في عدن، ايقاف التعامل مع البنوك وشركات الصرافة المخالفة لتعليماته والتي تخضع لقرارات وتوجيهات البنك المركزي في صنعاء.

 

والأربعاء، أعلن البنك المركزي اليمني في عدن، ايقاف التعامل مع البنوك وشركات الصرافة المخالفة لتعليماته، وبينها خمسة من أكبر البنوك والمؤسسات المصرفية والمالية في البلاد.

 

والبنوك المخالفة هي التضامن، أحد أكبر البنوك التجارية في اليمن، و(اليمن والكويت) والأمل للتمويل الأصغر ومصرف اليمن والبحرين الشامل وبنك الكريمي للتمويل الأصغر الإسلامي.

 

كما وجه البنك المركزي بإيقاف التعامل مع 13 شركة صرافة في محافظة مأرب في شمال شرق البلاد على خلفية مخالفة للتعليمات.

 

ويأتي هذا القرار على خلفية استجابة تلك البنوك لقرارات البنك المركزي بصنعاء "الواقع تحت سيطرة جماعة الحوثي" بعدم التعامل مع أعضاء في شركة التحويلات المالية التي أنشأها البنك المركزي اليمن في عدن مؤخرا بحجة أنها غير مرخصة من قبله.

 

وأكد مسؤول رفيع في البنك المركزي بعدن لرويترز أن أسباب إيقاف التعامل مع البنوك الخمسة وشركات الصرافة في مأرب هي عدم التزامها بتعليمات البنك المتعلقة بحصر تحويل الأموال على الشبكة الموحدة لتحويل الأموال التي يشرف عليها البنك في عدن واستمرار تلك المنشآت بالتعامل مع شبكات تحويل الأموال إلى مناطق الحوثيين.

 

وقال المسؤول إن البنك أوقف مطلع الأسبوع عمليات تحويل الأموال عبر مختلف شبكات الصرافة من المناطق المحررة في جنوب اليمن إلى مناطق سيطرة الحوثيين بالشمال. مشيرا إلى أن وقف عمليات تحويل الأموال إلى مناطق الحوثيين جاء بسبب منع الجماعة لشبكات شركات الصرافة في صنعاء من الربط مع الشبكة الموحدة الخاصة بالتحويلات المالية التابعة للبنك المركزي في عدن.

 

وعلى إثر إعلان مركزي عدن، عقد مجلس إدارة البنك المركزي بصنعاء، الخاضع لسيطرة الحوثيين، الخميس، اجتماعاً برئاسة هاشم إسماعيل، رئيس مجلس الإدارة - محافظ البنك، وبحضور أعضاء المجلس.

 

ووقف الاجتماع على الجهود التي بذلها البنك المركزي اليمني، خلال الفترة الماضية، في العمل على حل مشكلة تقادم وتلف العملة الوطنية الورقية التي نتج عنها مشاكل اجتماعية واقتصادية، حيث ركزت جهود البنك على وضع حد لتلك المشاكل وما ترتب عليها، حسب وكالة سبأ التابعة للجماعة.

 

وعبر مجلس إدارة البنك، عن شكره الكبير لكافة أبناء الشعب اليمني على صبرهم المستمر تجاه مشكلة تلف العملة الوطنية، معتبراً تمسكهم بها صورةً من صور الصمود الشعبي في مواجهة من سماه "العدوان الأمريكي السعودي"، الذي شن حرباً شرسة لاستهداف العملة الوطنية بعدة أشكال في إطار حربه الاقتصادية التي فشلت في إخضاع الشعب اليمني، حد زعمه.

 

ولاقى إعلان مركزي عدن جدلا واسعا بين أوساط الخبراء الاقتصاديين والمهتمين بالشأن الاقتصادي، منهم من اعتبر الإعلان بالخطوة الجيدة وبأنها جاءت متأخرة، وآخرون يرون أنها سلبية، ستزيد من تدهور العملة الوطنية وتفاقم معاناة المواطنين شمالا وجنوبا.

 

أداة ضغط على البنوك

 

وفي السياق يرى الخبير الاقتصادي، رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي مصطفى نصر، أن التعميم أداة للضغط على البنوك؛ لأنها استجابت لتوجيهات البنك المركزي في صنعاء بعدم التعامل مع الشبكة الموحدة للتحويلات التي أنشأها البنك المركزي في عدن وانضمت لها حوالي 48 شركة صرافة.

 

وقال نصر إن "البنك المركزي في عدن أقر نهاية فبراير الماضي تفعيل الشبكة الجديدة، واصطدم بتوجيهات للبنك المركزي في صنعاء بعدم التعامل مع الشركات التي انضمت إلى الشبكة، وهذه البنوك استجابت لتوجيهات مركزي صنعاء بالامتناع عن التعامل مع هذه الشركات".

 

وأضاف "هذا التعميم نوع من الرد على توجيهات البنك المركزي في صنعاء، وبحسب تواصلي مع محافظ البنك المركزي في عدن كان رده بأنه من غير المنطقي أن يكون البنك المركزي في صنعاء هو المستفيد من التحويلات وفي نفس الوقت يحاول فرض إجراءاته".

 

وبحسب الخبير الاقتصادي فإن الشبكة الموحدة لا تعني البنك المركزي في صنعاء لأن عملها في نطاق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا، وما يقوم به هو نوع من التعنت لا أكثر.

 

صفعة للحوثيين

 

من جهته الصحفي المهتم بالشأن الاقتصادي محمد الجماعي، اعتبر إعلان مركزي عدن قرصة، أو تنبيه بسيط، لكل الشركات والبنوك التي تماهت سابقا أو تتماهى مع الحوثي وتنفذ تعليماته في المناطق المحررة.

 

وقال الجماعي إن "قرار إيقاف التعامل مع البنوك الخمسة المذكورة في القرار، وهو أشجع قرار قام به البنك منذ نقل عملياته إلى عدن قبل 8 أعوام".

 

وأضاف "يتضح من خلال سلسلة الإجراءات تلك (تدشين الشبكة، ثم قرار منع التحويل خارجها) أن قرار اليوم يتعلق بمخالفة هذه الجهات الخمس حتى الآن على الأقل، وهي جهات مرموقة، للقرارين السابقين، وهذه المخالفة تسببت بالتأكيد في إعاقة إجراءات البنك المركزي التصحيحية والتي لطالما انتظرها الجميع وننتظر الآن الإسناد الحكومي لهذه القرارات القوية، والتي باعتقادي ستعقبها إجراءات متدرجة أكثر شدة إذا لم يتم الالتزام".

 

وتابع "كمتابع مثل غيري، للشأن الاقتصادي، كان أمامنا عديد خيارات - وكغيري - طالبنا البنك المركزي منذ مدة مرات عديدة، أن يقوم بواجبه لإصلاح الانقسام النقدي والاختلالات التي أضرت بالوطن والمواطن. كأن يقوم بإلغاء العملة القديمة مثلا، أو وقف تحويلات المغتربين عبر صنعاء وتحويلها عبر العاصمة عدن وبنوكها، أو حتى معاقبة البنوك والمصارف المخالفة بإدراجهم ضمن قائمة سوداء وتعميمها على البنوك الخارجية، أو حتى إجراءات فردية كمنع ملاكها ومجالس إداراتها من السفر ومصادرة جوازاتهم وغير ذلك، لكني قطعا لم أكن أتوقع أن ينفذ المركزي هذا الكمين الصادم".

 

وأردف "من الجيد أن ينتقد الناس القرار ويقولوا فيه ما يريدون، إلا أن يتحولوا إلى محامين لفترة التغول الحوثي في السنوات الماضية التي تعد الأصعب في حياة اليمنيين، حيث استغل الحوثي تراخي المركزي الرئيسي في عدن - سابقا - في تنفيذ المهام الرقابية المناطة به، وعدم قيامه بالإجراءات الاحترازية التي استغل الحوثي غيابها فوسع شبكة عملياته في غسيل الأموال وتمويل الإرهاب والأنشطة التي أضرت بالاقتصاد الوطني، المضاربة بالعملة وتهريبها عبر صفقات استيراد وهمية وغيرها، وهي ما دفعت أمريكا لفرض عقوبات على عدد من تلك الشبكات المرتبطة بإيران، عدة مرات".

 

قرار شجاع

 

كذلك الصحافي المهتم بالشأن الاقتصادي ماجد الداعري أشاد بقرار محافظ البنك المركزي اليمني أحمد غالب المعبقي، قائلا إن التعميم يعد أشجع قرار للمحافظ المعبقي منذ تعيينه بل وأشجع قرار اتخذه محافظ بنك مركزي يمني سبقه.

 

وأضاف أن "رفض أي بنك تنفيذ تعليمات البنك المركزي بأي دولة يعني رفضه القبول بتطبيق قوانين العمل المصرفي والإجراءات التنظيمية كلها".

 

وأكد الداعري أن "رفض الامتثال للقوانين يعني التمرد ورفض الامتثال لكل القوانين الدولية الخاصة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب يعني تورطه بارتكاب أخطر الجرائم المالية وإدراجه لا محالة في قوائم العقوبات السوداء الدولية وأولها الخزانة الأميركية".

 

وأضاف "عقوبات البنك المركزي اليمني عدن، لم ولن تقتصر على الخمسة البنوك وال13 شركة صرافة مشمولة بالدفعة الأولى بتقديري من تلك العقوبات الشجاعة المحتاجة لدعم وتكاتف الجميع رئاسة وحكومة وشعبا من أجل انجاحها والانتقال إلى مراحل أخرى مهمة منها أيضا، كون تلك العقوبات والإجراءات التنظيمية التي لا بد منها ولا تراجع عنها، ستمتد لاحقا، حسب اعتقادي، إلى بنوك جديدة وعشرات الشركات الأخرى التي لم تستكمل اجراءات عملها من جهة، ولم تمتثل لتعليمات البنك المركزي أيضا سواء بخصوص اقتصار تحويلاتها على شركة التحويلات المالية الموحدة، أو لعدم إيقاف التعامل بالتحويلات مع وعبر هذه البنوك المعاقبة، من جهة أخرى".

 

ولفت إلى أن البنوك وشركات الصرافة خدمة توجهات جماعة الحوثي لاستمرار مصلحتها بالتحكم بالتحويلات المالية وفوارق الصرف وقيمة التحويلات، مقابل ضربها لقيمة العملة المحلية جنوبا وبقاء جرائم مضارباتها وغسل وتهريب وتبيض العملة لصالحها وتعزيز اختطافها لإدارة القطاع المصرفي اليمني".

 

غير منطقي وتكريس للانفصال المالي

 

من جانب آخر وصف الصحفي المهتم بالشأن الاقتصادي، رشيد الحداد، قرار البنك المركزي في عدن بغير المنطقي وقال إنه "يأتي في إطار محاولات تتويه الرأي العام اليمني عن فشل بنك عدن في ضبط سعر صرف العملة في تلك المحافظات ويؤكد فشلة في اتخاذ سياسيات نقدية منطقية تواكب الواقع".

 

 وقال إن القرار يؤكد أن بنك عدن الذي استخدم الاعتراف الدولي لطباعة أكثر من 5 تريليونات ريال بدون غطاء خلال السنوات الماضية ، وفشل في إدارة الدين العام الداخلي وفشل في إعادة الدورة النقدية، وفشل في الحفاظ على علاقته بالقطاع المصرفي ، وافتقد للثقة وأصبح يعاني من أزمة الثقة نظراً لانعدام أي قدرات لبنك كونه يستند على حكومة فاقدة السيطرة ولا يستطيع القيام باي دور رقابي على أرض الواقع.

 

وتابع الحداد "يضاف إلى ما سبق، فضيحة تحول بنك عدن إلى أداة يستخدمها عدد محدود من الصرافين لاحتكار السوق المصرفي والاستحواذ على حركة التحويلات المالية الداخلية والخارجية، وإن كان كما يروج البنك بأن شبكة مالية تابعة لهوامير الصرافة والبعض منهم مشبوه بممارسات غسيل أموال، فإن ذلك يؤكد أن فرع البنك في عدن عجز عجزاً مطلقاً في ممارسة أي نشاط رقابي واقعي، وحول بعض صلاحياته لعدد من الصرافين مقابل تمكينهم من الاحتكار على الحصة السوقية الكاملة للتحويلات المالية، على حساب البنوك والعشرات من شبكات الصرافة والتحويلات التي تعمل بشكل قانوني منذ سنوات".

 

وأكد أن فرع البنك في عدن يعترف بهذا الخصوص بأنه خلال السنوات الماضية كان فاقد السيطرة بشكل كلي على السوق المصرفي في المحافظات الجنوبية، ولايزال يعيش في حالة ارتباك ويحاول استعادة دوره الرقابي وإن كان عن طريق صرافين معظمهم متهم بالتلاعب بسعر العملة المطبوعة والمضاربة بالعملات الصعبة في تلك المحافظات.

 

ويرى أن تلك الإجراءات التعسفية التي طالت بنوك وشبكات وشركات صرافة وعلى إثرها تم اغلاق عشرات الفروع لشركات عاملة بشكل قانوني تؤكد بأن لا علاقة لها باي إصلاحات اقتصادية أو مالية، بل تؤكد أن فرع البنك في عدن أصبح مجرد أداة يستخدمها بعض هوامير الصرافة، يحاولون الاستحواذ على السوق المصرفي على حساب القانون والتنافسية في تقديم الخدمات وكذلك على حساب مصالح العاملين في القطاع المصرفي. 

 

وأشار الحداد إلى أن هذه الإجراءات تعمق الانقسام النقدي في اليمن في الوقت الذي دعا المبعوث الأممي لدى اليمن إلى تشكيل لجنة اقتصادية من كل طرف للتفاوض حول الانقسام النقدي والمالي والعمل على تحييد البنك المركزي من الصراف، لافتا إلى أن هذه الخطوة تعد إحدى خطوات الانفصال المالي.

 

المواطن وحده المتضرر

 

في حين قال المصرفي علي أحمد التويتي، "الحاصل في السوق المصرفي هي حرب اقتصادية بين البنكين مركزي صنعاء ومركزي عدن، مشيرا إلى أن المتضرر المواطن سواء بالشمال او الجنوب.

 

وأضاف "كنا نأمل تجنيب البنك الصراع لكن تم اقحامه بقوة

 

وتسبب الصراع المستمر في اليمن منذ تسع سنوات في انخفاض خطير في قيمة العملة اليمنية ونقص في الاحتياطيات الأجنبية وأوجد ما تسميه الأمم المتحدة أكبر أزمة إنسانية في العالم.

 

ومنذ سنوات، يعيش اليمن أوضاعا اقتصادية صعبة جراء الحرب المستمرة وانقسام البنك المركزي في صنعاء وعدن، وانشطار العملة الوطنية، وتراجع إيرادات الحكومة اليمنية من العملة الصعبة، الأمر الذي سبب انهيارا متواصلا في اقتصاد البلاد.

 

وقد تسببت الهجمات التي شنها الحوثيون على موانئ النفط في محافظتي حضرموت وشبوة (شرقا) في خسائر فادحة للحكومة اليمنية تبلغ 1.2 مليار دولار، كما أن تحويل الواردات من ميناء عدن إلى الحديدة (غربا) أدى إلى خسائر في إيرادات الحكومة قدرها 637.36 مليار ريال يمني خلال الفترة من أبريل إلى يونيو 2023، وفق تقارير اقتصادية محلية.


التعليقات