وجع المنافي
الإثنين, 06 يوليو, 2020 - 05:05 مساءً

ليس شكلا من المغايضة لأصدقائنا في المنافي لكن نحن هنا في صنعاء ويبدو الوجود لأحدنا وكأنه نشوة محضة، في بلادنا وبمقاسنا هذه المغارب وحتى قلق الليل، وبينما يستعذب أحدنا رشفة الماء وتلك الحالة من تكوين أنا الكاتب، كأنما تنهال الأفكار مثل طيور تعزف إيقاعك الداخلي، وأفكر أنكم في مقاهي القاهرة تلعبون الضمنة حد سماع خبطات أحجار الضمنة على طاولات وسط البلد والحسين إلى صنعاء، تخبطونها بمزيج من السأم وتثاؤبات من أسقط الزمن في يده وعيا مريرا بقرار خاطئ وتسأل: ماالذي أتى بي إلى هنا؟

نحن هنا يمنيون فحسب، ولا ضمانات مثلما هي ضمانات بقائك في بيتك، ذلك الحس المتصاعد بالأمان من كون أحدنا حيث ينبغي أن يكون، حتى ولو كان بيته محاط بالمخاطر، لذلك يقولون : عز القبيلي بلاده ولو تجرع وباها.

نعرف أن اغلبكم رحل مضطرا ولستم التبن الذي طار من بلاده، والمنافي اليمنية ليست حتى نموذجا مقاربا لرومانسية منفى الفلسطيني ونغمات المبعد الأنيق على إيقاع محمود درويش، وهو كان متخففا من اضطراراتكم ومن هذا الحس الموجع بكون الخليج لوث لكم حتى المنفى ويسعى لدمغ أرواحكم بلعنة المقايض روحه وتاريخه بمقابل، وقام بتنميط الصورة وجعل الجميع نسخة واحدة، حتى الذي لا يجد ثمن تذكرة المترو، صورة ملعونة يخربشها محدث النعمة ويجرد الشاعر في كل منكم من آخر ملاذاته الإنسانية وكأنك تحدق في صفحة الماء لتلمح وجهك الحزين بأناقة معكوسا على صفحته فيهيل الخليجي مخلفات نعمته وجهله على مرايا المنافي ويضع مابينك وبين وجهك مسافة ولوثة.

يجردكم الوقت اليمني المغدور حتى من غمغمة: القمح مر في حقول الآخرين والماء مالح تمر بكم بكم إيماءاتنا من هنا مزيجا من الاشتياق وحس التضامن الإنساني تجاه العالقين في الحدود المموهة بين الجسد والظل، وبين البيت وكوامن ليل الغرباء.

وإلى أن تقفل لعبة الدومينو وتستحيل الأرقام مرايا، سنظل حيث نحن وفي حالة من اختار: على الروح أن تجد الروح في روحها أو تموت هنا.

التعليقات