رحيل أحد معالم حي الأبهر بصنعاء
الجمعة, 22 أكتوبر, 2021 - 11:26 صباحاً

واحد من معالم حي الأبهر بصنعاء القديمة مات قبل يومين ، ففقدت المدينة أحد وجوهها الاستثنائية .. الرجل المرح يحيى النبوص صاحب المقهى الشعبي الأشهر الكائن بالقرب من حمامها المعروف.
 
في أواخر يوليو الماضي كتبت عنه وعن سنِينه التي تزحف نحو التسعين، ولكْنته الحاشديّة المعتّقة، ورُوحه الشابة التي تجتذب العشرات من الوجوه يومياً من سكان المدينة القديمة وخارجها إلى مقهاه المتواضع في الرُّكن الجنوبي لحارة 'الأبهر' - بالقرب من حمامها الشهير ومسجدها التاريخي –  زوّاره الكُثر والمميّزون لا يستطعمون فقط قهوته وقِشْره وشاهيه، الذي يصنعه بنفسه  بالطريقة ذاته منذ أكثر من نصف قرن، وبدون معاونة أحد، وإنما يستطعمون فُكَهَه ومرحَه و"حَشُوشَه" المُحبّب.
 
نقلت على لسانه ما قاله متحسراً عن:
 
"أيام صنعاء حينما كانت تمتلئ بالسُيّاح، وحينما كان العديد من الأجانب يتملكون مساكن فيها، ويحولونها إلى تحف فنية، ومنهم الإيطالية "بلانكا"، التي اكترت بيتاً في 'بستان شارب'، وكانت تتردد على المقهى لشرب 'القِشْر'، وتخلق حالة مُدهشة من المرَح والضحك حينما تمازحَني، وأيضاً الفرنسية "شيري"، التي كانت تهتم بي، وتحضر لي الأدوية، وفرنسي كان يدق على "القنبوس"، ويغنّي صنعاني [يقصد جان لامبير، صاحب كتاب "طب النفوس"، الذي تخصص بالغناء الصنعاني، وأدواته الموسيقية، مثل: العود القديم الذي يسمونه "القنبوس"، وغيرهما].
 
كان السائحون يمرون على المقهى، ويتناولون القِشْر والبُن والشاهي، ويلتقطون لي الكثير من الصُّور. قال لي بعض المسافرين إنهم وجدوا صُوري في ألبومات سياحية عن اليمن في سفارة اليمن في ألمانيا.
 
حدثني عن برنامجه اليومي، يقول إنه لم يزلْ ينهض فجراً، ويُصلِّي في الجامع الكبير، ثم يفتح محله لاستقبال الزبائن حتى العاشرة، يعود بعدها إلى البيت، ويرجع لفتح المحل من بعد العصر حتى  العشاء. وإصراره على مواصلة عمله، وهو بهذا السن المتقدم، لأنه يمدّه بالحياة كما قال، عوضاً عن أن يمد يدَه للناس."
 
وها هو الموت يختطفه بيد طويلة وباردة ، ليطفئ بذلك واحداً من قناديل المرح في المدينة  التي ستبدو بعده متجهمة أكثر وهي تفقد تباعاً ملامحها المحببة.
 

التعليقات