د. محمد موسى العامري

د. محمد موسى العامري

مستشار رئيس الجمهورية، رئيس الهيئة العليا لحزب الرشاد اليمني، نائب رئيس هيئة علماء اليمن.

كل الكتابات
الاعتزاز بالهوية
السبت, 22 يناير, 2022 - 09:28 مساءً

الإعتزاز والعزة، معانٍ سامية، تجذب الإنسان إلى التعالي،  عن المنحدرات، والتسفلات الأخلاقية ، وتضيف إلى القيمة الإنسانية قيماً إضافية ترتقي به وتسمو به في عالم المثل ، والقيم والسمو ، ويختلف الناس - بعد اتفاقهم على طلب العزة - في السبل الموصلة إلى ذلك.
 
أ- فيرى أناس في فخرهم بآبائهم وأحسابهم مصدراً للإعتزاز والفخر والخيلاء فيقومون بنسج الحكايات والأساطير المتعددة لتقرير ذلك في ثقافاتهم ويزداد الأمر التباساً عندما يكون ذلك مرتبطاً بآثارمن نبوة أو مكارم أو بقية من علم وصلاح كما حصل لبني إسرائيل وتشبثهم بموروثاتهم التي حجزتهم عن الهداية الجديدة التي لم تكن في مقرراتهم الجمعية المحرفة ومن ثم حالت بينهم بين الايمان بخاتم الرسل عليه الصلاة والسلام ورسالته.
 
ب- وعلى ذات الخطا التي سلكها بنو إسرائيل سلكت فئام من منتسبي هذه الأمة  في تصوراتهم لمصادر الإعتزاز  والفخر فاختاروا  طريقة مشابهة لطريقة بني إسرائيل وحاكوهم واعتبروا طريق الهداية منوطاً بطريق السلاسل النسبية فقدسوا رموزاً وشخوصاً لتقرير قداستهم ، ونسجوا حيال ذلك ، الحكايات المنافية،  للمحكمات الراسخة التي ربطت مفهوم الاعتزاز بالاعمال ، وما يقدمه الانسان لا الأنساب والرموز وإنما تعظم الرموز تبعاً للأعمال ، وليس العكس ، وبناء على هذه الطريقة الغضبية برزت في تاريخنا الاسلامي نعرات وجاهليات ومفاخر لاتمت الى ميراث النبوة بصلة بقدر ما هي مفاهيم  مغلوطة ، أورثت أصحابها تخلفاً وجهالة وعصبيات وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاء.
 
ج- وعلى طريق البحث عن ما يسمونه الذات والهويات المفقودة أو المندثرة أصبح كثير من الناس يتلمسون طرقاً وسراديب ينقبون فيها عن مصادر جديدة للاعتزاز تقابل تلك المصادر المنحرفة وتوهنها فلم يجدوا في حقبة انقباض العلم سوى التنقيب عن جذور غابره علها تعينهم على تعويض ما يظنونه نقصاً أو تضيف لهم سلاحاً يشهرونه مقابل سلاح الجاهلية المتدثرة بالتدين المنحرف على حد قول الأول :- ألا لا يجهلن أحد علينا … فنجهل فوق جهل الجاهلينا.
 
وهكذا أصبح البحث عن رسوم وشارات ورموز حكيت في الأساطير طريقاً للبحث عن الذات من الكواكب إلى الهياكل والنقوش الى قرون الأوعال وغير ذلك من المعاني  المندثرة التي يجوز أن تكون رموزاً  لأوثان ومعبودات ويجوز أن تكون رموزاً وشارات لمملكات أو ملوك وزعامات أو أعراق شأنها شأن الأمارات والشارات التي تتخذها الممالك   للدلالة على أحقابهم  لا أقل ولا أكثر.
 
وفي كلا الحالين إن قيل إنه رمز وثني أو قيل إنه رمز سلطاني  أو عرقي فإن النتيجة لا تختلف أن استدعاء ذلك لا يقدم لنا مجداً ولا عزاً  بقدر ما يلقي بنا في سراديب الضياع والمتاهات التي تجعل خصومنا يرقصون طرباً على الحالة التي وصلنا إليها والتخبط الذي لن يقف عند هذه الرموز أو غيرها، وخلاصة الحال أن مفاخر اليمن التي تستحق الإشادة والذكر تعود إلى ثلاثة مرتكزات هي سبب عزتهم ومناقبهم.
 
الأول :- ما قبل الاسلام  وقد كانوا أهل حضارات وسدود وعمران وانتاج وصناعات وحرف وكانوا أهل كتاب كما في حديث معاذ حينما بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم اذ قال له انك تأتي قوماً أهل كتاب … الحديث وهذه منقبة لهم أنهم كانوا قبل الاسلام من أتباع الرسل يهوداً أو نصارى وهذا هو الواجب في حقهم قبل ظهور الإسلام.
 
وقبل ذلك لم يكون بعيدين عن مصادر النبوة الاولى فترة ما قبل اهل الكتاب كهود وغيره وما طرأ على ذلك في مابعد من عبادة الشمس كان محل استهجان من هدهد سليمان وكان في ما يظهر خارجاً عن المسار التاريخي المرتبط بالتوحيد وتعاليم النبوة.
 
ونظراً لأن أهل اليمن كانوا أهل علم وكتاب قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام فقد كانت استجابتهم لدعوة الاسلام ومسارعتهم الى ذلك ميسرة لأن العلم سهل لهم فهم مقصود الرسالة وذلل لهم فقه مسار النبوات باعتبار خط الرسالات لم يكن غريباً عليهم كما هو حال المجتمعات الوثنية وبذلك يكون أهل اليمن في مسارعتهم الى الاسلام قد أدركوا طريق الاعتزاز الذي به يكون شأنهم فسلكوه.
 
الثاني :- وهي النصوص النبوية التي تتحدث عن أهل اليمن وما تعلق بهم من المعاني السامية من رقة القلوب التي تنافي القسوة والصدود إلى الإيمان  والحكمة والفقه والمددوكلها معانٍ  رفيعة  تركت آثارها في التراث اليمني وفي العقلية الجمعية اليمنية التي خص بها أهل اليمن وأضحت شهادات نبوية لأهل اليمن يعتزون و يفاخرون بها غيرهم لكونها مرتبطة بأعمالهم وحكمتهم وفقههم.
 
الثالث :- وهو ما يتعلق بتاريخ أهل اليمن ما بعد الاسلام والذي كان المعلم الابرز فيه ما يتعلق بالعلوم والفتوحات  والمدد ونشر الاسلام بشقيه الجهادي والدفاع عن الاسلام وشوكته كما في قسم الفتوحات الاسلامية أو حروب الردة .
أو كان ذلك ما يتعلق بنشر الاسلام في جانبه الدعوي السلمي الحضاري والاخلاقي كما هو حال الشعوب الآسيوية التي وصلها الاسلام عبر الوفود والهجرات والتجارات ونحو ذلك.
 
وبالعودة الى الحالة المعاصرة يتجلى لنا وجود حالة سرطانية مرضية مزمنة برزت مجدداً على حين غفلة من اليمنيين لتعيد الى الوجود صورة نمطية بئيسة كالحة من تسلط فئة على رقاب اليمنيين تتمدد حين فرقتهم واختلافهم وتنكمش حين توحدهم واجتماعهم وتستلهم وجودها وذاتها من تشتتهم  وتناحرهم فتتسيد عليهم وتستبد بأمرهم وتتعالى عليهم بغير وجه حق سوى التعصب والجهالة والتضليل…!!
 
وأمام هذه العماية وظلمات الجهالة يبحث اليمنيون عن آفاق وأنوار لتبديد هذا الظلام الحالك والأمر لايبدو معقداً أو مغيباً إلى الحالة التي تجعلنا نقيم في التيه طويلاً أو نتلمس الجهل لدفع الجهل أو العصبية لدرء أختها ولايزال النجس بمثله  !!
 
كل ما في الأمر يتطلب القذف بالحق على الباطل والعدل على الظلم والعلم والنور على الجهالة والظلمات وإذا تقرر أن ما غشينا في اليمن خليط من التدين  المزيف البدعي الضلالي ممزوجاً بالعصبيات الكسروية فإن دواءنا في مصدر اعتزازنا وهو الدين الحق ونور الرسالة التي وصلتنا قبل وصول جهالة يحيى الرسي وسلالته المتعصبة  التي جلبت لنا هذه النكبات والقتامات ولا علاج للجهل والبدع إلا بإحياء العلم والسنن، ولكي نزيد الامر تجلياً هناك اليوم ثلاثة معان جامعة هي محور القوة والاعتزاز بهويتنا وكياننا الجامع كيمنيين.
 
أولاً :- تمسكنا بقيمنا وثوابتنا وقيمنا  الحقيقية المستمدة من  كتاب الله وماصح  من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم بعيداً عن التدين البدعي الضلالي القائم على مفاهيم أئمة الجهل وكهنة وملالي إيران الرافضية فبالحق يزهق الباطل وبنور النبوة تنقشع جهالات الدجاجلة.
 
ثانياً:- تمسكنا بعروبتنا باعتبار جنس العرب هم في الأصل حاملوا رسالة الاسلام الأولى وهذا لا يعني ازدراء الأجناس الأخرى ولكنها طاقة اضافية نواجه به حملات الفرس التي ولجت من خلال أذرعتها في اليمن ونفذت بذلك إلى عمقنا العربي وبهذا نكون قد أضفنا الى قوتنا كيمنيين  محيطنا العربي وجوارنا الإقليمي الذي نشكل معه الدائرة المستهدفة من الغزو الصفوي الفارسي.
 
ثالثا:- وعلى الصعيد اليمني فإن النظام الجمهوري هو الصيغة المشتركة بين اليمنيين بمختلف مسمياتهم وقبائلهم الحميرية والسبئية  والمذحجية وغيرها والناظم لرابطتهم السياسية باعتبار ان من له حكمهم مرده الى اختيارهم ومحض ارادتهم دون فرض وصاية عليهم من فئة أو طبقة أو جهة  أو سلالة وبهذا نكون قد دعونا الى كلمة سواء والى طريقة مثلى ليس فيها جهة تتسيد وأخرى تعيش دونية أوثانوية.
 
فالمحاور الثلاثة هي قدرنا الجامع لدرء الفتنة التي ألمت بنا وخلاصتها هويتنا الايمانية وتاريخنا النبيل القائم على توحيد الخالق المبني على الايمان الصادق البعيد كل البعد عن مسالك الدجل والخرافات والطبقيات والعنصريات وعروبتنا وأصالتنا والنظام الجمهوري الحر الناظم للجميع وفقاً لثوابتنا التي تتطلب مواجهة المشاريع الكهنوتية الفاشية وقضايا  التشرذم والاضطراب .
 
*نقلا عن صفحة الكاتب في فيسبوك.
 

التعليقات