علوان الشيباني.. من الكفاح إلى النجاح
الاربعاء, 08 يونيو, 2022 - 10:52 مساءً

فقدت اليمن علوان الشيباني صانع النجاح أينما حطت يده في عمل أحدث تحولاً ونجاحاً ملحوظاً، توفي في لندن اليوم عن 86 عاماً (1936-2022).  بدأ حياته عاملاً في أحد المطاعم اليمنية في الحبشة، وقضى هناك حوالي أربع سنوات من حياته، تعلم فيها بدايات الكفاح في المهجر الأقرب إلى اليمنيين، فالحبشة امتداد لليمن منذ انطلاقة الحضارة اليمنية في عصور أوسان وسبأ وحمير، كما أن اليمن امتداد طبيعي للحبشة كما يحدثنا التاريخ، نشأ علوان نشأة فيها لمسة حضارية يمنية، آمن بالحضارة والثقافة وبامتداد اليمن ديمغرافياً وثقافياً وحضارياً خارج حدود ما يعرف باليمن اليوم.
 
 في الحبشة صيغت أولى أفكاره، ذهب إليها صبياً في مقتبل عمره، وعاد منها إلى عدن يبحث عن فرصة في التعليم وحصل عليه، وإلى جانب التعليم تثقف في النادي اليمني في عدن، وتعرف على الكبار الزبيري والنعمان ورجال الحركة الوطنية ومن هناك بدأ فكره الثوري، ولذا ليس غريباً أن يقوم هو ورفاقه بتكسير صور الإمام والسيطرة على السفارة اليمنية في القاهرة في عام 1956م، بحجة الحصول على منحة. وحين درس العلوم السياسية في الولايات المتحدة بمنحة أمريكية حصل عليها بعد تخرجه من القاهرة، حضر فعالية تدين الرئيس الأمريكي الثالث والثلاثون هاري ترومان، لأنه ساعد في تأسيس الكيان الإسرائيلي، وبسبب تلك الحادثة قطعت منحته.
 
حضر العمل الثوري في بدايات حياته ورافقه في كل مراحله، لذا فقد أحدث ثورات أينما حل من القطاع الخاص إلى القطاع العام والعودة إلى القطاع العام مؤسساً لصرح سياحي عملاق. بنى الرجل الثوري حياته على الكفاح والمثابرة والتفاؤل، ولم يستسلم للسلطة التي تدخلت في عمله كنائب رئيس مجلس إدارة الخطوط الجوية اليمنية، وكان ضمن فريق العمل الذي نهض بهذه المؤسسة وحلم كما يحلم الثوريين بالوصول بها إلى مصاف شركات الطيران العالمية، لكن السياسات العمياء تقطع طريق أي نمو اقتصادي كالعادة، "فالروتين الحكومي روتين قاتل" كما يصف ذلك بنفسه.
 
لعلوان فلسفته في الحياة الاجتماعية، تقوم على فكرة "ساعد غيرك" يدين بالفضل لعلي عبد الله الهاشمي الذي أخذ بيده في صباه، ويدين لمن احتضنوه وساعدوه في بداية حياته، لذا نشأ كأحد مهندسي المجتمع يؤمن بمساعدة الأخرين، لذلك أنشأ مؤسسة الخير للتنمية الاجتماعية، وهي مؤسسة رائدة في العمل الخيري وتعمل بشكل مختلف عن المؤسسات والجمعيات الخيرية في اليمن؛ تقوم بدعم الشباب، وتؤهلهم، وتهيئتهم لسوق العمل، ومهمتها الأساسية دعم التعليم، وتفرع منها معهد الخير لتأهيل الشباب لمدة عام بعد الثانوية العامة من خلال تدريسهم دورات مكثفة في اللغتين العربية والانجليزية والرياضيات والكمبيوتر، كما أن المعهد يهتم بالجانب الحرفي بالنسبة للمرأة ومحو الأمية،  خريجو المعهد يحصلون على منح جامعية من المؤسسة، وخريجي الجامعات تؤهلهم لسوق العمل تدريبهم في مجالات مختلفة كي يشقوا طريقهم نحو النجاح.
 
لمؤسسة الخير أعمال منها ما هو متصل بالهدف الأول من أهداف الثورة اليمنية، فيما يتعلق "بإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات" لذا كان للمهمشين نصيب في مشاريع رعتها المؤسسة تشير الأرقام إلى قيام المؤسسة برعاية 1658 من المهمشين والأيتام بالإضافة إلى دعم وتمكين 2852 من الشباب و672 من النساء، وقدمت منح لـ 706 من الطلبة. كما أن إسهام المؤسسة وصل إلى خارج اليمن، منذ العام 2020 تقوم المؤسسة بكفالة مجموعة من الطلبة في المدرسة اليمنية في ماليزيا والمشروع مستمر، وهؤلاء الطلبة من أبناء المهاجرين بسبب الحرب الدائرة في اليمن. 
 
قبل سنوات أسهمت المؤسسة في إعداد موسوعة عن المهاجرين اليمنيين في العالم، فعلوان الشيباني القائم على رأس المؤسسة يدرك كأي يمني غيور على يمنيته أن هذه الهجرات يجب أن تدرس، وأن يكون هناك في المستقبل تواصل حقيقي بين أهل اليمن داخل وحارج بلادهم، لما يخدم التنمية ويعزز الفكرة اليمنية والحضور اليمني في العالم، وألا تنقطع صلة المهاجرين بالوطن الذين يحملون قيمه وحضارته وثقافته معهم أينما كانوا.
 
من منا المقيمين خارج اليمن لا يعلم بهوان الجواز اليمني، وعلوان واحد منا، فقد شاهد النظرة الدونية للجواز اليمني وحامله في أحد المطارات وبحكم عمله في الخطوط الجوية اليمنية وفي العالمية للسياحة فهو أكثر علماً من غيره بما يتعرض له المواطن اليمني من إذلال ونظرة دونية، هو ما دفعه لتمويل البحث عن اليمنيين المهاجرين في العالم لربطهم بجذورهم اليمنية.
 
مات علوان الشيباني وهو ينتظر عودة الأمن والاستقرار لبلاده حتى يعيد التعريف باليمن من خلال الترويج السياحي، مع أن السياحة أوقفتها الحرب إلا أن العالمية للسياحة كمؤسسة رائدة استعدت لما بعد الحرب من عمل، والسياحة في اليمن قطاع مهمل منذ عقود، يتمثل الإهمال في ضعف البنية التحتية، وتضررت من الإرهاب المنظم، وعدم الاهتمام بالمواقع السياحية والحفاظ على من قبل السلطات المحلية.
 
علوان الشيباني موسوعة نجاح وليس قصة نجاح فقط، يجب أن تدرس سيرته الأجيال، يجب أن يتعرفوا على قصة عامل المطعم في الحبشة كيف أنشأ إمبراطورية العالمية للسفريات والسياحة والتي ارتبطت بالكثير من الخطوط الجوية الدولية، وأسست خدمات فندقية وسياحية وأسهمت في تدريب العمالة في قطاع السياحة وجعلت موظفيها شركاء في صناعة النجاح.
 
رحم الله الأستاذ علوان الشيباني وأسكنه فسيح جناته والعزاء لأبنتيه وصهريه رجل الأعمال فؤاد هائل سعيد أنعم، ورجل الأعمال وائل محمد عبده سعيد أنعم وأحفاده وكافة أهله وذويه ومحبيه وموظفيه ومن تدربوا على يديه ومن أسهم في تغيير حياتهم نحو الأفضل.
*من صفحة الكاتب على فيسبوك

التعليقات