الشيطان لا يوجد في منى
الجمعة, 08 يوليو, 2022 - 10:18 مساءً

في كل موسم، يتوجّه آلاف الحجاج لرمي الجمرات الثلاث في منى، وهو المكان الذي تقول المرويات التاريخية إن الشيطان تجسّد لنبيّنا إبراهيم كرمز للغواية والزلل، وأصبح تقليدا سنويا للاحقين من بعده.
 
في المساحة الضيّقة، تتشمر السواعد بكل حماس لرجم الشيطان، وترديد التكبيرات، وقراءة المعوذات.
 
يعد ذلك من الفروض الأساسية للحج ضمن مناسك أخرى واجبة، وعادة ما يؤدي التدافع الهستيري إلى دهس أكوام بشرية، وسقوط ضحايا.
 
ما ليس مفروضا، ولا في وارد الاحتمال والتصديق أيضا لدى البعض، أن الشيطان الحقيقي لا يوجد في تلك البقاع المقدّسة، وإنما في مكان آخر.
 
هو ليس شخصية هلامية، بل كائن مادي، وآثاره في التدمير والغوايات ملموسة على أرض الواقع في أكثر من قطر عربي.
 
في الرياض، حيث تتواجد قصور الحكم الفخمة، ووكر الدسائس والمؤامرات، كما لا تكفي تلك الإشارات العابرة عن الجريمة الوحشية وغير المسبوقة، التي جرت في إسطنبول خلال العام 2018.
 
تلك الجريمة المتمثلة بتقطيع جثة الصحفي جمال خاشقي، التي أجمعت المصادر أنها لا يمكن أن تحدث دون إشراف وتخطيط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
 
دشن بن سلمان فترته القريبة بحملة اعتقالات ضد مئات الدُّعاة والمصلحين الحقيقيين، الذين لا زال البعض منهم رهائن في السجون، كي يرضى عنهم الأمير الجديد.
 
يحاول أن يبدو بثياب الصالحين والمصلحين، مجددا صورة المملكة العالقة في أذهان الغرب كبؤرة للإرهاب والتكفير والبداوة الموغلة في الرجعية.
 
وفي هذا السبيل، أحاط نفسه بعدد من الشخصيات المثيرة للجدل، وتوزّعت مهام تصدير الصورة الحديثة للسعودية إلى الخارج.
 
من بين هؤلاء الشيخ محمد العيسى، الذي تقدّم في هذا اليوم المشهود لإلقاء خطبة عرفة، رغم ظهوره في حفلات مع راقصات وفنانات، ويعد أحد مشرعني التطبيع مع الكيان الإسرائيلي.
 
مرت خطبته اليوم تحت إصرار الحكم النافذ للعهد الجديد بعد عاصفة جدل، عدّته ضمن "موبقات" مرحلة بن سلمان.
على أرض الواقع العربي، هناك ما هو أهم من الجدل المثار في مواقع التواصل الاجتماعي.
 
منذ سبع سنوات، تقود السعودية في اليمن تدخلات عسكرية وحملات تدمير وتفتيت للنسيج الاجتماعي.
 
البلد أضحى ساحة رخوة تتقاذفه أهواء ومطامع كثيرة، بينما أبناؤه يعيشون أوضاعا إنسانية مريعة، وضحايا مخططات الجار السيِّئ.
 
من السهل على النخب السعودية الحديث بلغة الأرقام عن حجم المساعدات المقدّمة إلى اليمن، لكن لا أحد منهم يتحدّث عن المقابل، وعن ماكينة التعطيل لكل ظروف الحياة في اليمن.
 
البلد يكتنز خيرات وثروات هائلة، لا حاجة له بمساعداتكم، يحتاج فقط أن تكفوا الأذى عنه.
 
في الحقيقة، لو تركتنا السعودية نواجه الحوثي كخصم واضح: نواجهه بضعفنا وانكسارنا وقلة حيلتنا. نواجهه بالسلاح والسياسة والتقية، كان وضع المعركة، وحال اليمنيين أفضل.
 
لن تكون الأوضاع بهذا السوء. لكنه المكر والخداع والتضليل الذي قاده الملك ونجله، إضافة إلى انتهازية النخب اليمنية، ما جر البلد إلى هذا المصير المؤسف.
 
في سوريا كما في ليبيا والعراق واليمن، ثمة آياد آثمة في أبو ظبي والرياض امتدت لكسر إرادة الشعوب، وتحويلها إلى كانتونات متصارعة، وكتل مهجّرة ومشتتة، ومساحات ملئت بالنار والخراب.
 
المملكة تدعم بسياسات واضحة التشطير والتقسيم والطائفية في هذه البلدان. هل أدركنا الآن، أين يتواجد الشيطان؟
 

التعليقات