وساطة قطر و"الابتزاز" الإسرائيلي
الخميس, 25 أبريل, 2024 - 05:54 مساءً

لا يمكن النظر إلى الحملة السياسية والإعلامية ضد دولة قطر على خلفية دورها كوسيط فاعل في ملف غزة، بمعزل عن الفكرة التي تشكلت منذ زمن بعيد لدى الكيان الإسرائيلي، عن كونه وجد ليحظى بالدعم المطلق، حتى بات يرى في أي جهد محايد لوقف إطلاق النار، بأنه يمثل انحيازا ضده، أو هكذا يريد قادة الاحتلال أن تبدو الصورة، بغية تحقيق أهداف لا يغفلها أحد.    لقد شكلت تداعيات هذه النشأة أكثر الخُلاصات وضوحا عن طبيعة الوعي السياسي لكيان الاحتلال الإسرائيلي، ومثلت دائما عائقا حاسما أمام أي جهود لتسوية الصراع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، على مدار عقود.   وكان غريبا أن تكرر بعض القوى الدولية الحديث عن رغبتها في تسوية هذا النزاع، فيما تدفع سياساتها الداعمة للاحتلال في نفس الوقت لتكريس هذه الانطباع لديه عن نفسه، وصولا إلى ما نشاهده اليوم من ممارسات لاسيما في الضفة الغربية، تؤكد تمرده حتى على تلك القوى التي رعته، وجعلت من نفسها مظلة لحمايته من طائلة القانون والعدالة.   في اللحظة الراهنة، ورغم مرور ما يزيد على مائتي يوم على هذه الحرب الهمجية الوحشية التي حول فيها جيش الاحتلال الإسرائيلي قطاع غزة إلى بركة من الدماء، وسوّاه بالأرض، مشردا أكثر من مليوني إنسان؛ إلا أن هذه الحرب فشلت في تحقيق أهدافها، والتي على صدارتها استئصال المقاومة، وإعادة الرهائن لدى الفصائل الفلسطينية المقاتلة في القطاع.   ولما برزت الحاجة لجهد إقليمي ودولي يضع حدا لهذه المأساة الفظيعة ويوقف حمام الدم، ويعيد إطلاق سراح الرهائن والأسرى والمعتقلين في غزة والسجون الإسرائيلية شحذ الاحتلال الصهيوني لسانه وأبواقه داخل الكيان وخارجه وذهب يهاجم دولة قطر التي حضرت في هذه المأساة الكبرى كطرف وسيط، يهدف لخلق مقاربات تنهي المأساة، وتوقف إطلاق النار، وتحقق مصالح كافة الأطراف.   هذه الحملة بقدر ما تبدو بائسة وبعيدة عن إمكانية خلق أي تشويش تجاه الدور القطري، فهي تكشف بجلاء طبيعة العنجهية التي توجه سلوك قادة إسرائيل، والتي يفترض أن ينظر إليها من المجتمع الدولي كفعل يهدف لإحباط أي مساع لوقف نزيف الدم، وإنهاء الحرب، ونزع فتيل صراع لا أحد يستطيع التكهن بامتداداته وتداعياته على الأمن والاستقرار في المنطقة.   لقد نجحت قطر بواسطة الدبلوماسية في التحول إلى قوة رائدة في فض وتسوية النزاعات، وحلحلة العديد من الأزمات والملفات السياسية الشائكة في المنطقة، ما منحها ثقة متزايدة على المستوى الدولي.   وكان لهذه الدبلوماسية دور كبير في الملف اليمني، فعلى مدار أكثر من عقدين حضرت قطر كوسيط لنزع فتيل العديد من الأزمات والحروب التي شهدتها بلادنا، وهي خطوة لم تتعارض مع موقفها السياسي الثابت في دعم سلطات الدولة وإجماع اليمنيين، وانخراطها في الجهود الضاغطة لتطبيق القرارات الأممية ذات الصلة بالشأن اليمني.   هذه الحملة التي يتزعمها العديد من قادة الكيان الإسرائيلي ومن يدعمهم في بعض العواصم ضد قطر يجب أن تجابه بإدانة دولية صريحة وواضحة، لأن ما تستحقه قطر كوسيط نزيه في هذه الأزمة هو الشكر، وليس كيل الاتهامات، ومحاولة ابتزازها كسلوك مشين اعتاد الاحتلال على اللجوء إليه لمواجهة أي جهود تهدف لتسوية النزاع المستمر منذ عقود طويلة في الأراضي المحتلة.   *نقلا عن صحيفة الشرق   * راجح بادي، سفير اليمن لدى قطر

التعليقات