الشجاعة بين القشيبي وصالح
الخميس, 31 يوليو, 2025 - 06:19 مساءً

عن الشجاعة بين اللواء حميد القشيبي وعلي عبدالله صالح ومن ترك الآخر صالح أم أتباعه؟!
بالأمس، كنت في نقاش مع صديق عزيز حول نهاية علي عبدالله صالح. قال بثقة: “نستطيع أن نختلف على كل شيء في صالح، لكن لا يمكن أن نختلف على شجاعته.”
 
سألته مباشرة: “ما الشجاعة؟
هل هي أن تخون وطنك طويلًا، وتبيعه قطعةً قطعة لميليشيا، ثم حين يتهددك الموت، تنتفض فجأة وتدّعي البطولة في اللحظة الأخيرة؟
 
أم أن الشجاعة هي أن تقف حيث يجب أن تقف، في الوقت الذي يكون فيه الوقوف مكلفًا؟
أن تختار الوطن لا مصلحتك،
هل الشجاعة فعل لحظي، أم أنها موقف أخلاقي للزمن كله؟
وهل الخيانة تُغتفر؟
أم أن من خان مرةً لا يملك الحق في اختيار ساعة بطولته؟
كان يمكن لعلي عبدالله صالح الصمت يوم سقطت الدولة فقد يُقرأ على أنه شجاعة… شجاعة رجل آثر تجنيب وطنه الدم، أو تَرفّع، أو انتظر اللحظة المناسبة ليفعل شيئا لوطنه.
لكنّه لم يصمت، بل اختار دور التحالف مع المليشيات
 عندها تذكرت اللواء حميد القشيبي، قائد اللواء 310 في عمران، الذي واجه الحوثيين حتى اللحظة الأخيرة.
 
صالح وصفه في مكالمة مسربة بأنه “الكلب الأعرج”، ووصفه بأنه كلب العرب في موقف يعكس كرهًا واضحًا للرجل، رغم أنه كان من أنجح وأشجع ضباط الجيش.
 
القشيبي لم يكن فقط عقبة أمام الحوثيين، بل كان يمثل أحد آخر خطوط الدفاع عن الدولة. ومع ذلك، تآمر عليه صالح وساعد الحوثيين على إسقاط اللواء وقتل القشيبي.
 
استخدم علاقاته بالقبائل الموالية له لإضعاف موقع القشيبي، وهاجمه بكلمات بذيئة، تعكس مستوى العداء الشخصي له.
 
من هو الشجاع في هذه الحالة؟
 هل هو من يقاتل على جبهة مكشوفة حتى يُقتل؟ أم من يتآمر خلف الكواليس مع الميليشيات لإسقاط جيش بلاده؟
 
المكالمة المسربة وغيرها كانت دليلاً واضحًا على دور صالح في التآمر على الدولة، وتحديدًا على القشيبي. وكان سقوط عمران مقدمة لسقوط صنعاء والدولة كلها.
 
الشجاعة لا تعني مواجهة الموت عندما تضطر للدفاع عن نفسك، بل تعني اتخاذ قرارات صحيحة في وقتها، والانسحاب من المشهد عندما يصبح وجودك خطرًا على البلد.
صالح لم يفعل ذلك بعد توقيعه على المبادرة الخليجية، بقي يتحكم بمفاصل الدولة عبر شبكة مصالحه، ثم فتح خطًا مباشرًا مع الحوثيين، وقدم لهم كل ما يحتاجونه لإسقاط الدولة، فقط ليعود إلى الحكم.
 
ربما كان صالح الجبان الوحيد، وكل من حوله كانوا شجعانًا.
 
فلماذا تصفون من حوله بأنهم خونة، فقد رأوا بأعينهم كيف كان يبيع وطنهم قطعة قطعة، ويتخلى عن رجاله فردًا فردًا.
 
ألم يكن القشيبي أحد رجاله يوما؟!
فلماذا يمكن أن يثقوا به؟ ولماذا يتجمعون حوله؟
هو من اختار أن يخون، وهو من دفعهم إلى تركه، عندما رأوه يفعل بوطنه ورجاله ما لا يفعله عدو.
 
كان يعتقد أنه قادر على استخدام الحوثيين لتحقيق هدفه السياسي. لم يرَ فيهم جماعة مسلحة مدعومة من إيران، ولا خطرًا على البلاد، بل رأى فيهم وسيلة للعودة إلى السلطة والانتقام من خصومه.
 
في تحالفه معهم، لم يكن شريكًا عابرًا، بل كان الداعم الأساسي سياسيًا وعسكريًا. ساندهم في إسقاط عمران، ثم صنعاء، وكان يستخدم حزب المؤتمر كغطاء سياسي لتحركاتهم. تحالفه معهم لم يكن قصير المدى، بل استمر حتى بدأت الجماعة في تقليص نفوذه، والضغط عليه، ومحاصرة رجاله.
 
في خطاب 24 أغسطس 2017، ظهر صالح مترددًا، لم يتحدث بوضوح عن الخلاف مع الحوثيين، ولم يسمِّ الأمور بأسمائها، بل دعا إلى مهرجان حزبي باسم “المؤتمر”، وتحدث عن سوء تفاهم، لا عن انقلاب. بدا خائفًا، وحريصًا على تجنب أي مواجهة مباشرة، رغم أن الحوثيين كانوا قد سيطروا فعليًا على كل شيء.
 
لاحقًا، عندما قرر فضّ الشراكة معهم، لم يكن ذلك نتيجة قناعة، بل نتيجة ضغط الواقع.
الحوثيون أضعفوه، أهانوه، وأخرجوه من دائرة القرار. حينها بدأ يبحث عن وساطات من الإمارات والسعودية، وحتى إيران ليس لإنقاذ اليمن، بل لإنقاذ نفسه. ظل يفاوض حتى اللحظة الأخيرة، بينما كانت قوات الحوثي تقترب من منزله في الثنية بصنعاء.
 
وفي النهاية، قُتل. ليس لأنه واجه مشروع الحوثي، بل لأنه خرج عن الاتفاق الذي جمعه بهم. لم يقتله موقف وطني، بل خلاف داخلي على السلطة. لم يكن يقاتل من أجل اليمن، بل من أجل الخروج من الورطة التي وضع نفسه فيها.
 
من يصف صالح بالشجاع والمقاوم يتجاهل كل هذه الوقائع. يتجاهل دوره في تسليم الدولة للحوثيين. يتجاهل كيف تآمر على ضباط الجيش، وكيف استثمر في الفوضى ليستعيد مكانه.
ثم يتجاهل أنهم قتلوه وهو يبحث عن مخرج لينجو بنفسه بعدأن سلم البلاد لهم !
 
الشجاع الحقيقي كان القشيبي، الذي قاتل دفاعا عن الوطن لا عن نفسه، لا صالح الذي وصفه بألفاظ مهينة، وساعد في تصفيته. الشجاع هو من وقف ضد الحوثيين من البداية، لا من دعمهم، ثم اختلف معهم على الغنيمة.
 
صالح لم تقتله شجاعته، بل تاريخ من التحالفات الخاطئة، والرهانات الشخصية، والعداء للدولة التي حكمها لعقود. لقد اختار أن يتحالف مع ميليشيا على حساب وطن، وتحمل النتيجة وحده في النهاية.
فهل هذه هي الشجاعة؟
 

التعليقات