التيه الاجتماعي
الخميس, 04 سبتمبر, 2025 - 06:54 مساءً

تصل المجتمعات الى حالة من الضياع والحيرة القاتلة وانعدام الاستقرار الذاتي والمجتمعي نتيجة المعصية الجماعية، والمعصية الجماعية هي التي ترتكب تحت رعاية الدولة (المعصية المرسمة او المقننة) أو المعصية التي ترتكب من مجموعة من الافراد ولا يوجد من يردعهم، وحالة التيه يصاب بها الافراد والمجتمعات فتيه الافراد نتيجة تقصير فردي وتيه المجتمع نتيجة تقصير جماعي كما بينا سابقا.
 
فالتيه الفردي هو أن يفقد الفرد البوصلة في حياته وأن امتلك مالا أو جاها، فهو يمضي به من غير رشد ولا توفيق يسير بلا هدى، وحالة التيه الفردي تنتهي في حالتين إحداهما: قبول التوبة الصادقة من الله وتنزل رحماته على الفرد ويهديه إلى طريق الرشد.
 
 الأخرى: ينتهي بموت الفرد ويمضي إلى ربه بما ارتكب من المعاصي ويكون في كنف الله إن شاء عذيه وإن شاء غفر له، وأما التيه الجماعي وهو الاخطر اذ انه يجرف في طريقه كل شيء فتصبح الاوطان نهبا للأطماع من كل صنف وكل جنس، وفيه هذه المقالة نبين حالة التيه وعلاماتها التي تصيب المجتمعات ومدى تحققها في المجتمع اليمني والسبيل إلى الخروج منه.
 
ملامح التيه:
 
لا يصعب إدراك ملامح التيه في المجتمعات، ويمكن لأي شخص امتلك قليلا من المعرفة إدراك ذلك ومن أهم تلك الملامح أو العلامات ما يلي:
1-         تمزق المجتمع وتحوله إلى مجموعات (كانتونات) كل مجموعة تعتقد الصواب وتظن أنها تمتلك الحقيقة، وفي الوقت نفسه لا تستطيع أن تقدم شيئا للمجتمع إما بفعل داخلي (تقاعس وانعدام بصيرة) أو بقيد خارجي، فتمتلك السلطة ولا تمتلك القدرة أو تستثمر السلطة في طريق غير صائب أو تستثمر السلطة في طريق الباطل.
 
2-         الاختلاط المجتمعي -ولا نعني الاختلاط بين الذكور والاناث- وإنما نعني الاختلاط الذهني فلا يتمكن الفرد العادي من التمييز بين أهل الصواب وأهل الخطأ أو لا يستطيع أن يميز بين الحق والباطل، فالكل عنده سواء.
 
3-         انقسام النخبة.
فتكون من حيث المكنة المادية: نخبة تمتلك المادة وتمتلك السلطة ولكنها لا تمتلك القرار ولا تمتلك الاخلاص ، فتتحول إلى نخبة أنانية لا رشد له وهي في هذه الحالة لا تستطيع أن تتخذ قرارا وإن اتخذت قرار لا تستطيع تنفيذه؛ لأن تنفيذه يهدد مصالحها ،ولهذا تكتفي بالكلام وتكتفي بالحركة الروتينية التي لا قيمة لها على أرض الواقع، وتتباهى بالمكانة وتبالغ في تقدير الذات وصناعة المكانة المجتمعية، وتنفق المال على الرفاه بشكل غير طبيعي يظهر عليه  انعدام الرشد، وتتبنى القضايا الهامشية، وينعدم لديها التفكير الاستراتيجي، وتكون شخوص هذا القسم من النخبة أشبه بالأشكال الكرتونية، وهذه الفئة  تقنع نفسها بأنها تؤدي دورها المجتمعي على أكمل وجه ،وتحسب أنها قد صنعت شيئا ذا قيمة (يحسبون أنهم يحسنون صنعا) القسم الثاني من النخبة لا يملك المادة ولا يملك السلطة وفي الغالب يكون هذا القسم من أصحاب الفكر أو ما يطلق عليهم ارباب القلم، وأصحاب الخبرة، وهذا القسم يستبعد من دائرة صنع القرار ويحترق بعيدا عن الأضواء ويتراجع تأثيره دوره إلى دائرة الصفر.
 
4-         تغول الفقر وتضييق مصادر الدخل، وتصبح أغلب مصادر الدخل بيد حفنة من أصحاب الذمم الخربة وأصحاب الضمائر المنعدمة، فتتسع فجوة الفقر وتتسع دائرة الفقراء، وتتسع معها دوائر المفاسد المجتمعية مثل: السرقة وانتشار الفواحش وتنتشر ظاهر التجارة بالقيم (يبيع دينه بعرض من الدنيا زائل).
 
5-         إلهاء المجتمع بالهامشيات.
    في ظل التيه المجتمعي تظهر طفليات إما بطريقة منظمة أو بطريقة غير منظمة تهدف إلى اختراع مجموعة من القضايا الهامشية تشغل المجتمع بها وتقود الناس إلى مربعات غير ذات جدوى، وتشكك في أي مبادرة وتعترض -لمجرد الاعتراض -على كل شيء في أي مصلحة تعترض عليها وتقدم نقدا لمن يقوم بها فلو بادرت مجموعة لتنظيف الشوارع -مثلا- وهذا الفعل لا يختلف على بساطته ومعرفة صوابه اثنان فمجموعة الطفيليات ستقدم نقدا لتلك المجموعة وتصرف الناس عن تقديم الخدمة المجتمعية.
 
 وإذا طٌرح موضع للنقاش تتدخل تلك المجموعات وتخرج النقاش عن موضوعه، وفي حالة النقاش لا يخرج المناقشون بنتيجة ولا يصل المناقشون إلى حل أو نتيجة.
 
6-         العجز عن تقديم الخدمات.
في ظل التيه الاجتماعي تضعف الدولة وتختفي أو تعجز عن تقديم الخدمات بقصد أو بغير قصد، فيتصدر المشهد الخدمات شخصيات غير قادرة وليس لديها احساس بالمسؤولية، ويتسنم مناصب الخدمات شخصيات غير كفؤة مؤلها التطبيل وشعارها اللامبالاة.
 
وأخيرا
هذه الملامح موجودة في المجتمع اليمني ولا سبيل للخروج منها إلا بانتهاء الجيل الموجود ووجد جيل لا يعرف الحسابات السياسية لا الاقليمية ولا المحلية.
 

التعليقات