اليمن ولعنة ماريا تريزا
الجمعة, 14 فبراير, 2020 - 09:02 مساءً

"الناس على دين ملوكهم".. أحد الأمثلة السياسية التي لا ينطبق مدلولها على واقع وتاريخ الزعماء والقيادات اليمنية.. فمثلا منذ عام 62م تعاقب على حكم اليمن سبعة زعماء، غادر منهم ستة وفي رصيد كل واحد منهم بنكٌ من الشتائم والسب واللعن والتشهير والذم والويل والثبور وفضائع الأمور، كلّ على قدر فترة حكمه، مساوٍ له في المقدار مضادٌ له في الاتجاه! لكنّ ألعن تلك الشتائم هي مقارنتهم بفترة حكم (الآل) المغضوب عليهم كبيت حميد الدين!!.
 
عن الجوقة الشمطاء: "رعى الله أيام الإمام"، أتحدث هنا!!..
 
شخصيا لم استوعب حتى الآن كيف تسربت قناعات لدى جيلنا على الأقل، بأن عهد الريال الفضي "ماريا تريزا" الذي تخلفت به بلادنا في عهد "أحمد يا جناه" وابيه عن ركب العالم في طباعة النقود الورقية، وصدقنا بأنه أفضل من عهود الجمهورية!! يا لفضاعة ما سوّقته لنا جداتنا من ثقافة سياسية!.
 
يمعنُ اليمنيون في إحراق رموزهم الرسميين والشعبيين متأثرين بآلة الكيد السياسي للإمامة المطرزة بالقباب والألقاب كالقاسم والمطهر والهادي والمهدي والناصر والمنصور والمرتضى والمضلل بالغمام.
 
وفيما ساهمت أنظمة الحكم الجمهوري المتعاقبة في وصم قبائل اليمن وشيوخها ومؤخرا رموزها السياسية واحزابها ومكوناتها الفاعلة، بكل ما سبق من تُهم؛ ما يزال أتباع "أحمد يا جناه" يدبجون المدائح ويرصعون الألقاب لملالي الكهوف ويملؤون الشوارع بصورهم، كقادة ومجاهدين، وهم الذين لم يحبوا اليمن يوما ما ولم يحبهم، وهم الذين يسفكون دماء اليمنيين يوميا حتى هذه اللحظة.
 
وبالعودة إلى المثل الذي بدأت به هذا السرد غير المرتب، فإن قراءة عابرة لتاريخ بلادنا تكشف بجلاء تأثير الإمامة على المزاج الساخط الذي بموجبه حكم شعبنا اليمني عبر العصور على زعمائه، وفيما لا تسعفني ذاكرتي، وضآلة ثقافتي، باسم زعيم أو والي رسمي المنصب طيلة القرون الماضية لأستشهد به هنا، إلا انني يمكن أن أسوق على سبيل المثال زعماء وقادة شعبيين مرموقين كالحسن الهمداني ونشوان الحميري مرورا بالمطرف والفقيه سعيد (سعيد اليهودي!!)، وليس انتهاء باللقيه والعلفي والموشكي والقردعي والثلايا الذي لعن شعبه استباقا لما سيطاله من لعن بعد أن يفارق رأسه جسده بسيف الآل.
 
ولاحقا بعدما عرفت ما تعرض له الزبيري والنعمان وعلي عبدالمغني وغيرهم، وما لحق حتى سيف بن ذي يزن نفسه من تشويه ودجل وترهات.. فهمت جيدا لماذا طغت كتب الأنساب والطبقات وتراجم الرجال على المكتبة اليمنية. كالإكليل للحسن الهمداني، وشمس العلوم لنشوان الحميري، والبدر الطالع للشوكاني، وليس انتهاء بيمانيون في موكب الرسول، والشعر وشعراء الجاهلية في اليمن لمحمد حسين الفرح، وما اجترحته تحقيقات الأكوع الحوالي محمد وأخيه إسماعيل من أعمال تاريخية جليلة في هذا الميدان، رحم الله الجميع.
 
حتى الآن ماتزال موضة لعن القيادات اليمنية مستمرة حتى بعد أن انقشع زيف "أيام الإمام" مع سيطرة الآلي السلالي الجديد عبدالملك الحوثي.
 
وفي تقديري يتصدر الرئيس هادي ونائبه علي محسن ومستشاره بن دغر وقائد جيشه المقدشي، قائمة الأعلى شتما واتهاما في الوقت الحالي، ولو أن أحد هؤلاء الأربعة وغيرهم من القيادات اليمنية الوفية، صدّق ما يقال عنه أو تأثر بماكينة اللعن وملايين الشتائم اليومية، لغادر منصبه أو باع القضية، على أن فترة حكمهم القصيرة جاءت في مرحلة حرجة من عمر اليمن، ومن شأن نتائجها أنها ستكون مفصلية وحاسمة، بالرغم من كلفتها الباهظة، مقارنة بما قدمه اليمنيون من دماء زكية في سبتمبر وأكتوبر ضد الغريم السلالي نفسه.
 
أنا من جيل فبراير المجيد الذي تمرد على السياق التاريخي المتأثر بثقافة الآل الموضحة أعلاه، لقد سبقناهم هذه المرة إلى ساحات وميادين صناعة التغيير السلمي، فكنا نحن الذين نقود المزاج وشعبنا كله من خلفنا، حينها لم يجد السلاليون بدا من الاختباء داخل مشروعنا: لا سيد ولا قنديل. وحين لاحظوا أن نيران تفرقنا قد خمدت، أشعلوها من جديد، فعادوا وعدنا، ولكن هذه المرة عدنا ومعنا أيضا الذين ثرنا عليهم.
 
أقول هذا تمهيدا لما سأقرره الآن وأنا ممن سطروا شهادات حية ووثقوا فصولا من ذاكرة فبراير ضد نظام الرئيس الراحل صالح، في كتابي "الورد يخترق الرصاص" وأفلامي التوثيقية "الورد لون الثورة، وألبوم الكرامة، وعدن الثورة والمقاومة"، وغيرها من الأعمال ومئات المقالات والتقارير، وما يزال برنامجي المعروف "قناديل الفجر" حديث الألسن حتى الآن... أقول إن يوما واحدا من أيام نظام صالح الذي ثُرنا ضده أفضل ألف مرة من كل عهود الظلام السلالي.
 
وأؤكد بأنني وإلى أن ينتهى كابوس الشقيق الأصغر للصريع الذي حالت بندقية الجنرال جواس دون تتويجه في حياته، فأرسلوا له إلى قبره أغرب لقب في تاريخ الازمنة السلالية "قرين القرآن الناطق"!!؛ أؤكد: سيبقى الرئيس هادي وجيشه الميمون في الجبهات والميادين تيجانا على رؤوسنا بالرغم من كل الفداحات التي مرت بنا.
 

التعليقات