لاتكن عبد المعتاد 
السبت, 05 يونيو, 2021 - 08:10 مساءً

الإرادة والعادة ضدان " قبس من إرث النور " ، الإرادة نفي لسلطان العادة، اختيار حر ، تعبير خالص عن الشخصية وفرادة الحضور. كينونة، امتلاء، وجود حقيقي وفاعل .
 
إن المبدأ الأساس لكل ما في الوجود هو الإرادة بزوال الإرادة يزول الوجود ، أن تكون أنت، فيما تريد وترغب .
 
العادة أسار يكبل الروح ويشل العزم، استنامة لخدر الإلف، طريق إلى العدم.
 
أن ترهن نفسك  للمعتاد ، أن تعيش بشروط الواقع الخارجي، بحسب  اختيار الآخرين  . لا تقرر، لا تختار وإنما تسير وفق السائد والمألوف، كما أريد واختير لك، ان تحيا بنفسية عبد، مقهور، تابع، لا رأي له ولا قرار.
 
أن تكون مجرد رجع صدى لغيرك، ظلا باهتا للآخر، ببغاوي الصوت حرباوي اللون ، لا وجه ولا وجهة، ترى بأعين غيرك، تتكلم بسوى لسانك، تعيش خارج ذاتك وقناعاتك، منقسما بين هذا وذاك، مشتتاً ممزقاً بين إرادات كثر، مُبدداً عمرك في إرضاءات مستحيلة.
 
الوقوع في شرك العادة إمَّعية، افتقاد للوزن والقدر، شلل للعقل والروح، افتقاد شرف المبادرة في الفعل، قتل للطموح، استسلام للجمود والرتابة، إنطفاء لأشواق الحياة، يأس، إنتحار، وهرب من تحمل عبء الحرية، وتخلٍ سهلٍ عن المسؤولية في العمل والتغيير.
 
الاستسلام للعادة توقف للحياة، تعطيل لأسباب القوة، تجميد للزمن عند عتبات الماضي والحاضر، الجاري مجرى الأمس االمكرور، عوم في ذات الماء الآسن، اجترار وتعفن في الموت.
 
حياة تفتقر للنضارة للإبداع وابتكار الجديد، الأجد، الأجمل والأفضل.
 
الإرادة اجتهاد وكدح مستمر وفق سنن الله ، ولو كان في الطريق بعض الخطأ، « فالخطأ الخصب قد يكون في بعض الأحايين خير من الدقة العقيمة » ، حسب تعبير كارل بوبر .
 
فثمة خطأ يحرك المياه الراكدة، ينعش، ينشط العقول، يحفز على البحث والحفر في تراب كنوز خبيئة لم تكن على البال.
 
لقد خلقك الله فرداً حراً متميزاً، وأرادك أن تكون أنت، وزودك بكل ما يجعل منك إنساناً ذا شخصيةٍ مستقلةٍ مكرمةٍ، حرةٍ مسؤولةٍ، مكلفة،  قادرةٍ على الاختيار وتحمل مسؤولية ما تختار.
 
وأنكر الآبائية والتبعية العمياء لمعتقدات ، ومواضعات البشر، آباءاً أو حكاماً أو قادةً كبراء أو ما دون ذلك، ممن لهم صلة قد تؤثر على قرارك واختيارك، كالوالدين والأقربين وفي ذلك آيات بينات تفصل في هذا الأمر وتحرر الإنسان من كل علاقة تحول بينه وبين حريته وإرادته.
 
إن الحياة بحكم العادة موت، إنطفاء ، ملل، سأم دائم ، وأسوأ ما فينا ربما هو ممارستنا لحياتنا كلها وفق العادة: التعلم، التعليم، التفكير، السياسة، الإقتصاد، إدارة الدولة، الأعمال، حتى العبادة تفقد روحها ومعناها وتصبح أداءات جوفاء زائفةً خاويةً بلا روح ولا معنى عندما نؤديها بحكم العادة.
 
العيش وفق العادة ركون إلى الكسل والدعة حين تنهزم إرادة أي مجتمع فإنما يصب ذلك في تقوية سلطان العادة، والمجتمعات التي تطغى فيها العادات السالبة هي بيئات صالحة للطغيان والقهر ونشوء الديكتاتوريات، والتاريخ لا يصنعه العاديون أسارى العادات، عبدة التقليد والجمود، وإنما يصنعه الاستثنائيون، أصحاب الإرادات الحرة والعقول المبدعة، والهمم العالية ممن تميزوا بالإقدام والمغامرة والجسارة والطموح المجنح، والقدرة على إنجاز الجديد المتفرد. وحقيقة الإنسان وجوهر قواه وطاقاته لا تبدو ولا تظهر إلا في خضم الحياة ومواجهته لتحديات كبار.
 
الإنسان معجزة إلهية تستدعي التأمل وإعمال البصر في الأعماق .« وفي أنفسكم أفلا تبصرون ».
 
ومن لا يكتشف كنوز ذاته سيكون أعجز من أن يكتشفها في محيطه الخارجي، " كنزك فيك " ومن لم يتعرف على ذاته لم يعرف الله، بحسب تعبير متقدم في فوائد ابن القيم.
 
والنفس الإنسانية عالم هائل من الأسرار والقوى والطاقات والاستعدادات كون مهيأ لما خلق له، والحياة كذلك معجزة تستدعي « الاعجاب والدهشة وهما أعظم شكل من أشكال معرفتنا للحياة » بتعبير بيجوفيتش، والعاديون قلما يعجبون ويدهشون فهم باردو الاحساس ميِّتو الشعور، بل هم الأقل إيماناً ويقيناً، والأقل حمداً وشكراً لله على نعمة الحياة.
 
والحياة والكون مخازن أسرار وأسرار حجبها المولى عن الخلق تكريماً لما وهبهم إياه من نعمة العقل وحب الاكتشاف وإرادة العلم والمعرفة، ولما زودهم به من قدرة على الحلم والخيال وامتلاك وسائل التسخير، لم يعطهم المعرفة الجاهزة عن كل شيء، بل ترك لهم المجال لاختبار عقولهم واستعمال قدراتهم وطاقاتهم في الوصول إلى أبعد مدى يستطيعونه، في النفاذ.
 
فلا تكن عبد المعتاد، قدرك أن تكون ، أن تقول كلمتك وتفعل ما أنت أهله كخليفة لله على ارضه، أن تريد، ترغب، تحكم، تقرر وتعمل حيثما كنت مبدعاً تبتغي الهدف الأسمى والأصعب، غايتك مالا ينال.
 
مقـدامٌ أنت وسـبّاقُ      وأبيٌّ أنت وعمــلاقُ
أشواقُك لا ترجو إلا     ما قَصُرتْ عنه الأشواقُ
 

التعليقات