بريد الله!
الجمعة, 29 أبريل, 2022 - 12:38 صباحاً

هل ينزل الله إلى مكة وحدها، ليستجيب دعوات عباده الحاجيين والمعتمرين والمتطوفين؟ ثمة اعتقادٌ ما، لدى المسلمين أن كل من يدعي الله في ذلك المكان؛ دعاءه مقبولاً. نرَ، نفهم، بطريقة أو بأخرى أن هاجس الكثيرين وغايتهم من الحج: أن يذهب إلى هناك ثم يلقي بأحلامه وهومه وأمنياته على الله مباشرةً.
 
ثم يعود وقد شعرَ بأن روحه خَفت من الأحمال، واكتسى وجهه بالبشاشة والنور.. وهو يطوي مسافات العودة، يظل يتخيل البدائل والفرص التي ذهب إلى الله من أجلها. فيتخيل أن تظهر عليه من أي مكان، يحدق بكل الإشارات والمصادقات.. يتوقع أن الله يمكن أن يكون قد أنزلها من السماء ووضعها له في منزله.
 
يسأل الذي بلغ البيت أحد أهله أو أصدقاءه المسحوقين: ماذا تريد من بلاد الحرمين الشريفين؟ "دعوة خالصة ويدك بالحجر الأسود، وماء زمزم حين تعود." وهو يكون بحاحة إلى غطرة حمراء يرتديها بالعيد. بدل تلك التي عفى عليها الزمن.
 
برغم قداسة المكان وأهميته، وروحانية وإيمانية فريضة الحج؛ هذا لا يعني أن الله يستجيب كل دعوات من ابتهل إليه من تلك الأماكن، وكل من سنحت له فرصة الزيارة؛ بالضرورة دعاؤه مقبول. لو كان كذلك لصلح حال الأمة واستقام على الحقِ منذو الأزمنة البعيد وحتى الأبد. لم يكف الناس دعاءهم لها في واحدة من الصلواتهم.
 
الحج، الركن (الخامس) من أركان الإسلام، والقيام به لمن استطاع إليه سبيلا. الله في كل أركان إسلامه. اخلصها وادعوه من أي ركن فيه. هذا الاعتقاد الخاطئ، منع المسلمون الإخلاص في أركان إسلامه الأخرى، وترسخ في أذهانهم لا دعاء مقبول إلا من جوار الكعبة أو من داخل المسجد.
 
في الحج يكون المرء حاضراً بكله، بكل الخشوع، والرهبة، والإخلاص.. يكتمل الحضور لقلبه وعقله وروحه. ينتعش الإيمان المتراكم فيه.. يحضره  القرآن بكل تفاصيله ويرى الرسول وصحابته والتاريخ.. يبلغ ذروة حضوره الإيماني. خصوصاً الزائريون لأول مرة.. لدرجة أن يشعرون أنهم في مقابلة مباشرة مع الله.! وتزيدهم الثقافة من الشعر بيتاً: أنتم ضيوف الرحمن.  بالتالي؛ يكون الرب متهيئاً لسماع عبده وقبول دعواته. وهذا ما يفسر عودتهم بالطمئنينة والبهجة والنور.
 
لكنهم ما أن يغادرون أماكن الرب تذوب حالة الإيمان العميقة وتتلاشى، ثم تفقد أبصارهم رؤية الإله الذي وجدوه قبل قليل على جدار الكعبة. وعندما يعودون لحياتهم يكونون قد ينسو كل شيء؛ وبسبب هذا تاهوا تشرذموا..
 
متى كانت صلتك بربك جيدة، وحضورك معه جيداً، من أي بقعةٍ في الأرض؛ كان أقرب إليك
من حبل الوريد، يسمعك فيجيبك..
 
أينما تولو وجوهم فثم وجه الله.
الله في كل مكان، وبريده في كل شيء..
مكة واحدة من بريداته على الأرض.
 

التعليقات