لماذا اختار رئيسا اليمن دمشق كمنفى؟
الخميس, 23 مايو, 2024 - 08:28 صباحاً

لقي رؤساء الجمهورية اليمنية قبل وما بعد وحدة الشطرين، مصائر مختلفة تناوبت بين القتل فالسجن والنفي والأخيرة حالة يدَرَأَ بها الخلف السلف، كان الاستثناء منهم القليل، أبرزهم الرئيس الثاني للجمهورية العربية اليمنية القاضي عبدالرحمن الإرياني، والرئيس الثالث لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية علي ناصر محمد.
 
دمشق العاصمة السورية هي الوجهة التي اختارها الرئيسان الإرياني وعلي ناصر بعد انتهاء أدوارهم السياسية أو تحجيمها كحال الأخير، ذلك أن دمشق كسرت ما كان حكرا لعواصم عربية مثل القاهرة وبيروت في استضافة اللاجئين والمعارضين السياسيين العرب.
 
كانت سورية لاعب إقليمي وعلاقاتها مع دولتي اليمن في أحسن حالاتها رغم وجود فروع قُطرية لحزب البعث في الشطرين وتَذبْذب علاقاتهما مع السلطات السياسية، وهي لا تفرض على من تستضيف القيود والشروط، وسارعت غير مرة إلى جانبي الكويت والعراق في الوساطة العربية لإيقاف الاصطدامات العسكرية الحدودية بين الشطرين في سنواتها المتفرقة.
 
يفسر الإرياني في فقرة من مذكراته الجزء الثالث أفضلية سورية للراحة وتحديداً اللاذقية مدينة صلنفة:
 
كنت أفضل سورية على أي بلد آخر لانجذاب نفسي، فأصالة عروبتها، وأخلاق ساستها ورجالها مما يحببها إلى النفوس.
 
أيضاً اختياره سورية هو إقرار الامتنان والشكر لمؤازَرة الجيش السوري للقوات المسلحة اليمنية ومقاومتها الشعبية حين فُرض عليها سياج/ حصار السبعين يوما على العاصمة صنعاء من قبل فلول الإمامة (28 نوفمبر 1967 - 7 فبراير 1968).
 
قدم إلى صنعاء 15 فردا من القوات الجوية السورية طيارين ومهندسين أرضيين، وفي أصعب أيام الحصار والمعارك القتالية باشروا طلعات جوية يومية من 4 إلى 5 وتتجاوز السقف اذا لزم الموقف العسكري، فالطيران كان نقطة التفوق والنصر للمعسكر الجمهوري، ومنها نَشَطَ العنصر اليمني في سلاح الجو الذي سبق ان تخرج أعداد منهم في السنوات السابقة للحصار وثورة سبتمبر، ويرجع ذلك الدور الفاعل للقيادة السورية في اليمن من خلال علاقات العسكريين والمدنيين البعثيين في اليمن مع القيادة القُطرية بدمشق منهم اللواءان عبدالله الراعي ويحيى العذري ونائب وزارة التربية والتعليم يحيى الشامي.
 
1968/1/28 كتب القاضي الإرياني من مدينة الحديدة المنفذ البحري الوحيد حينها لليمن الشمالي، برقية إلى الفريق حسن العمري القائد العام للجيش داخل صنعاء المحاصرة:
 
وصلت طائرة سورية وعليها الدفعة السابعة من المساعدات حيا الله سورية، فهي الدولة العربية الوحيدة التي تمدنا بقدر طاقتها.
 
وُدع الإرياني من اليمن رسمياً من قبل خلفه الحمدي وكبار الدولة واستقبل من الرئيس حافظ الأسد ضيفاً رسمياً في قصر الروضة، وبداية الثمانينات عاد من منفاه بدعوة من الرئيس علي عبدالله صالح وظهر في احتفالات ثورة سبتمبر وفعاليات التنظيم السياسي للدولة قبل التعددية المؤتمر الشعبي العام، غير أنه لم يحضر صباحية إعلان الوحدة اليمنية 22 مايو 1990 على الرغم من كونه الرئيس الشمالي الأول الذي بدأ في الاتفاقيات التدريجية لتحقيقها مع رئيس اليمن الجنوبي سالم رُبيع علي.
 
في مقابلة صحفية بعد أيام من وصوله سورية قال: "سلمت السلطة إلى أيد شابة قوية وعناصر وطنية غيورة في المسؤولية، بدون طلقة رصاص" وعدَّها ظاهرة حضارية لليمن وشعبها حديث العهد بالممارسة السياسية، وأمضي الوقت في جولة ريف طرطوس وأخلد إلى قراءة كتب التاريخ والدين وبدأت في كتابة مذكرات.
 
أما الرئيس علي ناصر محمد فكانت أولى زياراته إلى العاصمة دمشق ضمن مهمة إلى عدة عواصم عربية لشرح التطورات التي تمر بها الدولة الماركسية الناشئة في قلب جنوب الجزيرة العربية وحاجتها لجوانب الدعم والتنظيم العسكري وهكذا قدمت لهم سورية.
 
كان مبدأ الزيارة دمشق آذار/ مارس 1970 آنئذٍ كان في موقع وزير الدفاع يبلغ من السن الثلاثين عاماً بخبرة متواضعة اكتسبها من الدورات العسكرية في خضم ميدان حرب التحرير الشعبية والكفاح المسلح للجبهة القومية ضد الاستعمار البريطاني شطر اليمن الجنوبي، وأسفل سلم الطائرة استقبله نظيره الفريق الجوي حافظ الأسد وزير الدفاع.

حددت تلك الزيارة الأولى القدر المرسوم لمستقبله السياسي الذي سيتوقف في دمشق وفيها أسس مركز دراسات استراتيجية، على أن أغلب الرحلات والزيارات الخارجية التي كان يقوم بها وهو في السلطة محطتها الرئيسية دمشق.
 
بعد واقعة أحداث 13 يناير 1986 بين رفاق الحزب الاشتراكي اليمني ومقتل أبرز قادة الدولة والحزب داخل قاعة اللجنة المركزية في عدن، انتهت تفاعلات الصراع إلى سيطرة وحسم خصوم علي ناصر، ونزح مع الآلاف من مناصريه إلى الشمال لكن عندما اتحد النظامان في الشمال والجنوب اشترط رفاقه الخروج من اليمن واستقر المقام في دمشق.
 
ما يزال لعلي ناصر دور رجل سياسي وطني إلى اليوم من مقر إقامته بالعاصمة المصرية القاهرة، داعية للسلام ولإيقاف الحرب والحفاظ على وحدة واستقرار اليمن، كانت عودته الأولى اليمن العام 1996 إلى عدن بدعوة من الرئيس علي عبدالله صالح للمشاركة بالذكرى الـ 29 لاستقلال الجنوب اليمني باعتباره أحد صناعه وبناة دولته.
 
وللمنفى في دمشق مكانته التاريخية لديه "لأنها حاضنة الأمويين وعاصمة دولتهم التي توسعت أطرافها بالفتوحات وحمل رايتها بالأكتاف اليمنيون، وعلّمت معاوية بن أبي سفيان الدهاء والسياسة والمكر في الحكم".
 

التعليقات