‏ترامب.. والاحتفال المخزي في زمن المجازر
الجمعة, 16 مايو, 2025 - 05:34 مساءً

لم يكن نبيًّا مرسلًا، ولا مستكشفًا كشف ظلامًا عن وجه الأرض. لم يكن مصلحًا، ولا حكيماً، ولا رجل دولة يُحتذى به. بل لم يكن سوى صورة مبتذلة لرجل استعراضي، تافه في منطقه، متهور في أفعاله، يقف على أقصى يمين العنصرية الغربية، متبنّيًا لكل ما هو متغطرس ومتعالٍ على الشعوب الأخرى. ورغم ذلك، نشهد في عالمنا العربي من يفرش له البُسط الحمراء، ويهتف باسمه، ويعامله كأنه “المنقذ المنتظر”.

أي مهزلة هذه.. وأي سقوط أخلاقي وسياسي يجعل بعض الأعراب يحتفون بشخص كهذا، فيما تسحق غزة، وتُباد عائلات بأكملها بأسلحة أمريكية صنعت في مصانع الموت التي كان ترامب من أكبر داعميها والمفاخرين بصفقاتها.

كيف يمكن لعاقل أن ينسى أن ترامب هو من شرعن في عهده أقسى أشكال الدعم غير المشروط لإسرائيل.. هو من نقل سفارة بلاده إلى القدس متحديًا مشاعر ملايين المسلمين، ومضى في خطط تصفية القضية الفلسطينية تحت مسمى “صفقة القرن”، التي لم تكن سوى مشروع تصفية وتطبيع، يلغي الحق ويكافئ المحتل.

ترامب لم يخفِ احتقاره للعرب يومًا. وصفهم بعبارات مهينة، تعامل معهم كزبائن لا كحلفاء، رأى فيهم “أبقارًا حلوبًا”، كما يعبّر هو بعنجهية سوقية. ورغم كل ذلك، نجد من بيننا من يستقبل الرجل، ويهلّل له، ويرى فيه “حليفًا قويًا” و”زعيماً لا يُساوَم”.

هل فقدنا البوصلة إلى هذا الحد.. هل تحوّلت الكرامة إلى بضاعة معروضة في سوق الصفقات.. بأي منطق نحتفل برجل تلطخت يداه بدماء أطفال غزة، وارتفعت في عهده وتيرة العنف والاستيطان والاغتيالات.. هل المطلوب منّا أن نصفق لمن يبارك سحقنا، فقط لأنه قدّم وعودًا لبعض الأنظمة بالحماية مقابل مليارات الدولارات؟!

إن ما يجري اليوم لا يعبّر عن سياسات، بل عن انهيار أخلاقي مريع. لا يمكن الحديث عن عدالة، ولا عن تضامن، ولا عن سيادة، في ظل هذا الانبطاح المُخجل أمام شخص يمثل أكثر التيارات العنصرية والعدائية تجاه العرب والمسلمين.

الاحتفاء بترامب، في لحظة تئنّ فيها غزة تحت القصف، ليس فقط جريمة سياسية، بل خيانة لقضية عادلة، وطعنة في ظهر كل أم فلسطينية، وكل طفل يُنتشل من تحت الركام. ومن يفعل ذلك، لا يختلف كثيرًا عن قاتلٍ يتظاهر بالحزن على ضحيته.

التعليقات