حينما كنت طالباً في كلية الإعلام جامعة صنعاء قبل أكثر من 15 عاماً، كنت أبحث عن كتابات ومقالات تساعدني في تعلم المهارات الصحفية، مع الحرص على ممارسة العمل ولو نسبيا أثناء الدراسة.
من بين الكتاب الذين كنت أتابعهم باستمرار، الكاتب السعودي فهد عامر الأحمدي، الذي كتب آلاف المقالات جذبت اهتمام جمهور واسع في صحيفتي الرياض والمدينة.
معظم مقالاته لم تكن مرتبطة بالشأن السياسي، بل كانت معلوماتية وتثقيفية حول شؤون متعددة، وفيها نوع من التحفيز وصياغة لغوية مميزة وهي عبارة عن عمود يومي تحت عنوان "حول العالم" .
لفت انتباهي قصة هذا الكاتب الذي أصبح من أكثر الكتاب أجرا في السعودية، حيث كان يتقاضى 2000 ريال سعودي عن كل مقال قد يكون 600 كلمة أو أكثر، وبعض المصادر تفيد بأن أجره الشهري وصل إلى 56 ألف ريال سعودي.
بدأ مساره الصحفي بعد عامين من مراسلة الصحف، إذ ظهر أول مقال له في صحيفة المدينة السعودية عام 1991 بعنوان "انفجار سيبيريا"، وكان عمره حينها 24 عاماً فقط. لم يتقاض أي راتب طوال الستة أشهر التالية، رغم أنه كان عاطلاً عن العمل، لكنه كان سعيداً بظهور اسمه في صحيفة يعتبرها كبيرة.
وفي منتصف عام 1999، أظهر استطلاع رأي أجرته الصحيفة أن زاويته تُعد ثاني أبرز عنصر جاذب للقراء بعد الصفحات الرياضية، فقرر رئيس التحرير نقلها إلى الصفحة الأخيرة ومنحه راتباً قدره ألفي ريال سعودي شهرياً.
وكان العام 2000 نقطة تحول في مسيرة الأحمدي، إذ تلقى عرضاً من المرحوم تركي السديري، رئيس تحرير صحيفة الرياض، للعمل في الصحيفة. وافق الأحمدي فوراً بشرطين: أن يكون حراً ولا يداوم في مقر الصحيفة، وأن تظهر زاويته في الصفحة الأخيرة كما كانت في صحيفة المدينة.
لم يسأل عن راتبه، لكن رئيس التحرير منح الأحمدي علاوات متقطعة كلما حضر مجلساً أشاد الناس بزاويته، حتى أصبحت قيمة مقاله اليومي في صحيفة الرياض تساوي جميع مقالاته خلال شهر في صحيفة المدينة أي أنه يحصل على المقال الواحد 2000 ريال.
وفي مقال نشره عام 2019، بعد قراره التقاعد وترك كتابة المقالات للتركيز على تأليف الكتب، أشار الأحمدي إلى أن المرحوم تركي كان يؤمن بمبدأ تفريغ المواهب، باعتبار أن الصحفيين والكتاب هم عماد أي صحيفة ناجحة، فهو لم يكتف بمنحهم وظائف ورواتب، بل منحهم أيضاً أسهماً في مؤسسة اليمامة لضمان بقائهم!
في ختام مسيرته الممتدة على مدار 28 عاماً، قدم الأحمدي نصيحته قائلاً:"لم أعتقد يوماً أنني على حق.. الكاتب ليس معلماً ولا حكيماً، ولا يفترض به الحديث من برج عاجي.. هو فقط شخص يفكر بصوت مكتوب ويعبر عن رأيه علناً. تعبيره عن رأيه ليس شجاعة، بل طبيعة مهنة تجعل الكاتب يعيش على كف عفريت، ويجذب إليه عداوات واتهامات يتقبلها كضريبة عمل.. ويعتبر الأحمدي أن الصحافيين والكتاب يدركون قبل غيرهم أن الجماهير لا تتفق على رأي، وتميل إلى اتهام وتخوين من يختلف معهم."