عبدالله الحرازي

عبدالله الحرازي

كاتب إعلامي ومنتج تلفزيوني

كل الكتابات
صالح الذي "جغرها"
الثلاثاء, 28 أكتوبر, 2025 - 05:17 مساءً

ظل الشعب اليمني يتغنى بالوحدة ويحلم بها ويناضل من أجل استعادتها بعد أن فتت الإمامة والاستعمار ومن بعدهما العمالة واحدية اليمن الكبير، حتى تهيأت الفرصة لاستعادتها في زمن الجاهل العابث الفاسد علي عبدالله صالح، فأحالها خلال أربع سنوات إلى أحقاد ووبال وصراع، وهذا ما يفعله أي جاهل وفاسد خبيث النفس حين يلمس شيئًا عظيمًا وثمينًا، يُودي به مهما زعم غير ذلك.
 
تحققت الوحدة في زمنه الغلط وتهيأت له - حتى بعد حرب 1994- كل ظروف تأسيس الجمهورية الرابعة لو كان لديه ذرة من روح القيادة العظيمة والتجرد لمصلحة اليمن. بيد أنه في ذاته كان إحدى أكبر عقبات إصلاح أي وضع، كان زعيم عصابة الفساد ورئيس النظام الذي كان عليه مواجهته!
 
 هل تتخيلون مأساة رجال الدولة الطبيعيين الذين عملوا معه؟ كان عليهم في النهار أن يقنعوه في نزع بعض ما فخخ به جسد الدولة والوحدة من شراك مع منظومة فساده في الليل. ذلك مثلا ما دعى رجل نبيل عملاق كفرج بن غانم للاستقالة ومغادرة البلاد التي شطب خلال أشهر مديونيتها التي بلغت حينها 11 مليار دولار.
 
كان يسمي تلك الممارسة الحقيرة والخبيثة: "الرقص على رؤوس الثعابين"! وفي النهاية، كما نقول بالبلدي: "جغرها".
لقد "جغر" الوحدة والجمهورية ومفهوم الدولة؛ أي فرغها من محتواها الأخلاقي والوطني وأحالها إلى مجرد أداة لإثراء عصابته. جغرها حتى على نفسه وعياله وقومه، لأنه جاهل وفوق الجهل فاسد، وهذا مزيج مؤكد لأشد أنواع الدمار الشامل فتكًا بأي بلد.
 
منذ عشرين عامًا وأنا أكرر قناعة راسخة بأن أكبر جرائم صالح لم تكن تلك التي اقترفها في زمنه وعايشناها تتخمر وتتعقد وتكبر على الحلول، بل ما فخخ به مستقبل اليمنيين. تكونت لنا بسببه منظومة فساد "منتجة"، وهذا أقبح ما فيها أنها لم تكن منقطعة، وطول أمده - لا رحمه الله - حول الأمر إلى ثقافة لدى جيلين على الأقل.
كل ما نحن فيه الآن سيستمر حتى انتهاء جيل الفشل الذي ترونه، لأنه "بضاعته" كما كان يفاخر بحقد، وحتى انقطاع الصلة بثقافة زمنه الفاسد. يا رجل، لفداحة مأساتنا فيه ومنه أنه جغر حتى اسمه، وها نحن مضطرون حين نشير لزمنه الفاسد أن نقول: "زمن صالح" فتأمل.
 
ذلك الزمن الذي لم يكن ذهبياً إلا لأعداء وخصوم البلاد الذين حقق لهم صالح كل مرادهم من اليمن، عبر إبقائه بلدًا هشًا وضعيفًا ماليًا وسياسيًا " فاشلاً وفق تقييمات كل المنظمات الدولية حينها؛ ولذا تراهم اليوم يستقتلون اليوم لإعادة تدوير مخلفاته وتعفناتها الناتجة.
 
مخرج اليمنيين الإجباري اليوم هو أن تتشكل قيادة من الذات اليمنية السوية العارفة والمتجردة؛ قيادة تتمتع بالنزاهة والكفاءة وروح التفاني وجسارة الافتداء، تبني مع الخارج علاقة شراكة ندية مشرفة وليس تبعية مهينة. قيادة ليس منها وجه واحد ممن ترونهم يحتلون مواقعها الرسمية اليوم يتبعون سفير هنا أو هناك، وليس منها وجه واحد كان بالأمس مع زعيم الفساد صالح ومخلفاته. وحينئذٍ، بظهور هذه القيادة المتجردة، سيتم كنس كل هذه المليشيات التافهة من حوثي وانفصالي وقاعدة وسواحلي، لأنها ليست إلا خراج دمل الفساد الذي أسسه زعيم الفساد والخراب لا رحمه الله.
*من حائط الكاتب على فيسبوك

التعليقات