لماذا حضر اللواء القحطاني وغاب السفير آل جابر؟
الخميس, 04 ديسمبر, 2025 - 08:39 مساءً

أول ظهور علني لرئيس اللجنة الخاصة في اليمن.. دلالات التحول الخفي في السياسة السعودية

منذ عقود والسعودية تتعامل مع الملف اليمني عبر الواجهة الدبلوماسية، سفير هنا، استقبال رسمي هناك، بيانات وتصريحات محسوبة. أما "اللجنة الخاصة" فبقيت في الخلفية، تدير خيوط النفوذ من وراء الستار، لكن بعد سقوط حضرموت بيد الانتقالي ما يعني استكمال إنهاء ملف الوحدة اليمنية، وهنا يظهر رئيسها اللواء القحطاني في قلب المشهد اليمني، فيما يغيب السفير السعودي!

لمن يدقق ويراقب ويتابع، فهذا ليس تفصيلاً عابراً ولا حركة بروتوكولية، بل إعلان  بأن الرياض انتقلت إلى نمط جديد من إدارة الملف اليمني.. كيف؟ 

السؤال ببساطة: لماذا جاء القحطاني بنفسه؟ ولماذا لم يأتِ السفير آل جابر كما هي العادة مع كل حادثة مفصلية في ملف اليمن خلال سنوات الحرب.

الإجابة تقودنا إلى جملة من الأسباب التي تكشف طبيعة ما يجري خلف الستار، وسنحاول نقرب الصورة ونبحث في تفاصيلها مستندين إلى التاريخ وسياسة السعودية خلال سنوات الحرب الأخيرة. 

أولاً: لأن اللحظة الحالية لم تعد "دبلوماسية"، فالزيارات التي يؤديها السفراء عادة تكون للتواصل الرسمي، وما يجري الآن لا يحتمل القالب البروتوكولي، كون السعودية تشعر أن الأمور انتقلت من مستوى الكلام إلى مستوى القرار.

وهنا لا يأتي السفير… بل يأتي صاحب التفويض الحقيقي، فظهور القحطاني في حضرموت وبهذه السرعة يعني أن السعودية قررت الانتقال من حضور "الدولة" إلى حضور "الغرفة الخاصة".

ثانياً: هي رسالة مباشرة للفاعلين اليمنيين، فحضور رئيس اللجنة الخاصة بحد ذاته رسالة، لمن يريد أن يعرف القرار السعودي الجديد فليجلس من مع هذا الرجل، لا مع موظفي الخارجية"، وهي بهذه الإشارة تعيد ترتيب من يتحدث باسمها، ومن يحصل على مفاتيح التمويل، ومن سيصبح "شريك المرحلة القادمة".

ثالثاً: لأن الملف اليمني أصبح أكثر حساسية من أن يُدار عبر السفارة، فالسفير مقيد بروتوكولياً، يستقبل، ويصرّح، ويرفع تقارير، أما مع القحطاني فالأمر أصبح مختلفا، فهو رجل التفاهمات الخفية، والاتفاقات التي لا تُكتب، وإدارة مراكز النفوذ داخل اليمن، وبالتالي هناك ترتيبات لا تُدار أمام الكاميرات، للسير نحو إعادة هندسة المشهد، من تفاهمات أمنية، وتوزيع أدوار… وكلها لا يُشرف عليها سفير.

رابعاً: استعادة الطريقة القديمة التي تتقنها السعودية جيدا وسبق أن أمطنا اللثام عنها في مقالات سبعة سابقة يمكن الرجوع إليها، فاللجنة الخاصة تاريخياً هي "الذراع الحقيقية" للسعودية في اليمن، وهي التي صنعت المشايخ، ومولت القوى، وصممت التوازنات، وأدارت العلاقات الحساسة، وبالتالي عودة القحطاني من جديد تعني أن الرياض قررت الرجوع إلى القناة الأكثر تأثيراً، والأقل انكشافاً، أما السفير فمهما كان وزنه لن يملك الإرث الذي تملكه اللجنة.

خامساً: لأن المشهد تضخم في يد السفارة، فالعامين الأخيرين حملا فوضى سياسية واسعة، خلافات داخل المجلس الرئاسي، وصراع نفوذ سعودي–إماراتي قد ينفلت، وتوتر في حضرموت، وتصاعد قوة الحوثيين، وانهيار مؤسسات الشرعية، وقوات متعددة الولاءات، هذه شبكة لا يتعامل معها رجل دبلوماسي، بل رجل عمليات، والقحطاني جاء ليضبط المشهد الذي لم يعد يحتمل المجاملات الدبلوماسية.

سادساً: موازنة الدور الإماراتي، أبوظبي تتعامل مع اليمن عبر الضباط والقادة الميدانيين وكان هذا مشاهد خلال سنوات الحرب، لا عبر السفراء، وإذا بقيت السعودية في الإطار الرسمي فقد تخسر على المدى البعيد فيما لو خرج الاتفاق عن إطاره المرسوم ضمن الملفات المتفق عليها (الجيش، والإخوان، والثروات)، وبالتالي ظهور رئيس اللجنة الخاصة يعيد الرياض إلى مستوى التأثير نفسه، تواصل مباشر، أوامر مباشرة، ملفات تُدار من تحت الطاولة.

سابعاً: غياب السفير كخطوة محسوبة، ربما حضوره كان سيخفف من وقع الرسالة، أو سيفتح باب التأويلات، أو يعيد الموضوع إلى خانة "الزيارات المعتادة"، السعودية أرادت هذه المرة صدمة ناعمة، أن يظهر صاحب القرار لا واجهته.

ثامناً: اختبار ردّ الفعل اليمني، فالسعودية تراقب، من سيسارع للقاء القحطاني؟
من سيرحب؟
من سيعترض؟

من سيطلب الدعم؟، هذه التفاصيل تحدد شكل المرحلة المقبلة، والاختبار لا يصنعه سفير، بل رجل يعرف "الشبكة" جيداً.
تاسعاً: لأن الملف دخل مرحلة الحسم، حين ينتقل الملف من "
المتابعة" إلى "الحسم"، تتغير الوجوه، يختفي السفراء ويظهر ضباط الملفات الثقيلة، وهذا تماماً ما فعله القحطاني.
أخيرا، لم يأتِ القحطاني لأنه رئيس لجنة فقط، بل لأنه حامل الصندوق الأسود للسياسة السعودية في اليمن على مدى ستين عاما، وهنا لم يغب السفير لضعف، بل لأن لحظة الزيارة كانت أكبر من قدرته وأكبر حتى من صلاحياته.

تبقى إشارة إلى أن الرياض بدأت مرحلة جديدة وخاصة مع ملف الوحدة المزمن، فهي من اليوم أكثر صراحة، وأقل دبلوماسية، وأكثر قرباً من طريقة إدارتها القديمة للبلاد التي كانت تحكمها عبر "اللجنة" لا عبر السفارة.

التعليقات