[ تستغل المليشيا الوضع الإنساني في اليمن لتعزيز موقفها ]
لم يعد يخفى على أحد أن الطرف الانقلابي الممثل بمليشيات الحوثي والمخلوع صالح هو الطرف الأكثر استفادة من طول أمد الحرب، مما يجعله يماطل ويراوغ في التزاماته تجاه المجتمع الدولي، راميا بالالتزامات والاتفاقيات السابقة عرض الحائط بعد أن رأى في طول أمد الحرب ورقة ضغط سياسي بإمكانه الاستفادة منها في تحسين شروط التفاوض التي يمكن أن يمهد لعقد تسوية سياسية قادمة.
ويستفيد الانقلابيون من أخطاء الحكومة الشرعية ودول التحالف العربي التي تتزايد مع طول أمد الحرب، مما يجعل الطرف الانقلابي أكثر حرصا على إطالة الحرب وعرقلة أي جهود هادفة لإيقافها، خاصة وأن مرور ما يقرب من عامين ونصف على عدم حسم المعركة العسكرية قد جعلت الانقلابيين أكثر إيمانا بقدرتهم على الاستمرار فيها مدة أطول على الرغم من الخسائر المتتالية التي يتلقونها في أكثر من جبهة.
وفي هذا التقرير سوف نتطرق إلى بعض أخطاء الحكومة الشرعية والتحالف العربي والتي يستغلها الانقلابيون، ويقومون بتحويلها إلى نقاط قوة بالمفهوم السياسي من شأنها تعزيز أوراقهم التفاوضية مستقبلا.
عدم تفعيل المؤسسات
نجحت الشرعية في اليمن وبدعم من دول التحالف العربي في تحرير عدد من المحافظات بعد أن قامت بطرد ميليشيات الحوثي وصالح الانقلابية منها، لكن هذه الانتصارات العسكرية ظلت مفرغة من الانتصارات الموازية في الجانب السياسي، حيث عجزت الحكومة الشرعية عن بسط سيطرتها على مؤسسات الدولة واستعادتها وإعادة تفعيلها لتقوم بدورها.
هذا الأمر يعده بعض المراقبين انتكاسة بحق الحكومة الشرعية لأن تحرير أي مناطق دون استعادة مؤسسات الدولة يعني تسليم هذه المناطق للفوضى، وهذا ما يبدو جليا في كثير من المحافظات المحررة وخاصة العاصمة المؤقتة عدن والتي لا تزال الحكومة الشرعية عاجزة عن الاستقرار فيها لإدارة الدولة نتيجة الوضع الأمني المنفلت وغير المستقر.
في تصريحه لـ"الموقع بوست" يرى المحلل السياسي خالد طربوش أن "ضعف الشرعية في المناطق المحررة يعود لأسباب عدة أبرزها ركة وعدم نجاح الشرعية باختيار مسؤوليها ممن هم رجال دولة كعقول وحركة، بل بالعكس اختارت شخصيات غير ذي كفاءة، وفي الأغلب ممن عليهم استحقاق لعفاش ودولته الفاسدة، وبتصويب هده القرارات ما زال ممكنا معالجة كل الأمور، أيضا الأحزاب لا زالت تصدر وجوه وقيادات غير منتجة، وغير قادرة على إبداع الحلول وإنضاج الحراك السياسي الذي يدفع بالأمور إلى الأمام، وربما المبادرة التى دفع بها التنظيم الناصري لعمل مخرج للأزمة الموجودة داخل الشرعية تكون العامل الحافز لإحداث حوار حولها لإنتاج حل يعيد للشرعية كل حاضنتها".
ويضيف طربوش أن "ضعف الشرعية أمر مسلم به، لكن علينا أن نعلم أن ضعفها حصريا أمام حاضنتها بالمناطق المحررة، أما في موقفها ومواجهتها للانقلابيين فهي تمتلك قدرة وقوة وخيارات متعددة وقوية بمواجهة الانقلابيين، وهذا واضح بسير ونتائج المعارك، ولن يكون آخرها سقوط معسكر خالد، أيضا لم يعد الانقلابيون أصحاب مبادرة لتحقيق أي تغير على الأرض لصالحهم، بالإضافة إلى عدم قدرتهم استغلال ثغرات الشرعية وهذا ما يستدعي من الشرعية أن تجيد اللعب بأوراق قوتها".
نقل البنك
كان الانقلابيون باعتبارهم سلطة الأمر الواقع مسؤولون مسؤولية كاملة أمام الشعب وأمام المجتمع الدولي عن دفع رواتب موظفي الدولة التي قطعوها، وكان الشعب قد بدأ بالضغط على حكومة الانقلابيين الذين تناقصت شعبيتهم بشكل كبير بسبب التنصل عن أعظم مسؤولياتهم المتمثلة برواتب الموظفين، والتي تعد مصدر قوت المواطن، ومع تزايد حالة السخط الشعبي ضد الانقلابيين خاصة في أوساط المناطق الواقعة تحت سيطرتهم والتي تعد الأكثر بعدد الموظفين الحكوميين إلا أن حكومة الشرعية قد أقدمت على اتخاذ خطوة غير محسوبة العواقب كان من شأنها التخفيف على الانقلابيين في مواجهة حالة سخط الشارع.
فقد قامت الحكومة الشرعية ممثلة بالرئيس هادي بإصدار قرار نقل البنك المركزي من العاصمة صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن، دون أن يكون هذا القرار مدروسا من جميع النواحي، مما تسبب بتحول حالة السخط الشعبي ضد الحكومة الشرعية التي ظلت عاجزة هي الأخرى عن دفع الرواتب.
من وجهة نظر الصحافي الاقتصادي فاروق الكمالي الذي تحدث لـ"الموقع بوست" فإن "قرار نقل البنك المركزي إلى عدن قرار خاطئ من الناحية التقنية والفنية لأسباب كثيرة، منها أن البنك في عدن فرع وهو غير مهيأ للتعامل مع البنوك التجارية والإسلامية والبنوك الدولية من حيث الأنظمة المالية ومراقبة التحويلات الخارجية المتدفقة إلى اليمن، وكذا الرقابة على صرفيات الحكومة أو التحويلات الخارجية التي تدفع للحكومة، وقد قلنا من السابق إن القرار كان بحاجة إلى تجهيزات تقنية وفنية كافية على مدار عام كامل وبعدها يصدر قرار النقل وليس العكس كما حدث الأمر الذي أحدث خلل بيني كبير وعجز استكمل البنك نظام التحويلات والرقابة على العمليات المالية (السويفت)".
ويضيف الكمالي "من الناحية الأمنية القرار لم يضع في الاعتبار سهولة نقل الأموال من البنك المركزي إلى الفروع في المحافظات، ومدى العوائق التي تواجه نقل الأموال في أرض مشتعلة شمالا وجنوبا وشرقا وغربا حول مقر البنك الجديد، وهذا كله سبب عجز الحكومة عن الوفاء بالتزاماتها وقدرة المركزي اليمني على أداء دوره حتى على مستوى عدن".
أخطاء التحالف
كان بإمكان التحالف العربي الداعم للشرعية في اليمن والذي بدأ بشن عاصفة الحزم نهاية مارس/آذار 2015 أن يحسم المعركة عسكريا لو أنه امتلك إستراتيجية للحرب تتوافق أو تحقق الرؤية السياسية التي يسعى لتحقيقها من خلال تدخله العسكري في اليمن.
لكن افتقاد دول التحالف للرؤية السياسية والإستراتيجية للحرب جعل المعركة تفتقد عنصر الفجائية التي كانت حاضرة في بداية "عاصفة الحزم"، كما أن طول المعركة جعل تحالف الانقلاب أكثر قدرة على إعادة تجميع صفوفه والتماسك من جديد بعد كل ضربة يتلقاها، كما أنه استفاد من طول فترة الحرب لصناعة حلفاء دوليين وكذا الاستفادة من الأزمة الإنسانية التي تسببوا بها من خلال التلاعب بها أمام المنظمات الدولية.
بالإضافة إلى ذلك فإن تزايد أخطاء غارات التحالف العربي وتسببها في مقتل عدد من المدنيين زاد من فقد التحالف العربي لبعض مناصريه، كما تسبب بحالة من السخط لدى الرأي العام المحلي والدولي.
يرى الناشط همدان القباطي في حديثه لـ"الموقع بوست" أن "الضربات الجوية الخاطئة لطائرات التحالف العربي قد تصل لمستوى جرائم حرب، وتدل أولا على عبث من ينقل احداثيات المعركة من جهة، أو تصفية حساب بين خصوم على الأرض، ولا وجود لحسابات حقيقية لمحاكمة من يتسبب بهكذا جرائم سواء كان طرفا يعمل على الأرض أو غرفة العمليات المشتركة للتحالف".
ويضيف "لا يكفي بيان الإدانة طبعا، فكل هذه الأخطاء جعل من تحالف الحوثي والمخلوع صالح أن يوظفها على مستويين: المستوى الأول المجتمع المحلي والمحايدين وتأليب مقاتلين وشحن غريزة الثأر لذويهم، والمستوى الثاني يتمثل بالمجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية لتعرية التحالف والشرعية تحت مبرر أن القصف يصل إلى المدنيين وليس لأهداف عسكرية، وأن هذه جرائم ضد الإنسانية يقابلها برود من الطرف الآخر بمعاقبة المتسببين، واستطاع تحالف الانقلاب تشكيل رأي دولي ضاغط، وهذا يجعل تحالف الانقلاب بموقف أقوى تفاوضيا على الأقل".