[ الوضع الإنساني ومعركة تحرير ميناء الحديدة ]
حذر المبعوث الأممي الخاص الى اليمن، مارتن غريفيث، من التحركات العسكرية التي يقوم بها التحالف العربي، بقيادة السعودية، حول ميناء الحديدة، غربي اليمن، مشيرا إلى وجود تقارير غير مؤكدة، تفيد بـ "زيادة تحركات قوات باليمن"، مع احتمال أن إجراء عمليات عسكرية مكثفة حول ميناء الحديدة "ربما يكون وشيكا".
وعبّر المبعوث الأممي، في أول إحاطة له، منذ تعيينه في هذا المنصب، منتصف شهر أذار/ مارس المنصرم، والتي قدمها مساء أمس الثلاثاء، إلى جلسة مجلس الأمن الدولي المخصصة حول اليمن، عن قلقه بشأن التطورات الجارية في الحديدة، وقال: "نحن نشعر بالقلق من هذه التطورات، مؤكدا "أنها تشكل تهديدا خطيرا للسلام"، حسب وصفه.
وجاءت هذه التحذيرات من قبل المبعوث الأممي إلى اليمن، بخصوص ميناء الحديدة، وذلك بالتزامن مع الحشد العسكري الذي تقوم به دولة الإمارات، عبر تسليحها لقوات تابعة لما كان يُعرف بالحرس الجمهوري، استعدادا لمعركة الحديدة، وتسليم قيادتها لنجل شقيق صالح، "طارق"، والذي لا يزال متمردا على الشرعية، بقيادة الرئيس هادي، حتى اليوم، وذلك في إطار المساعي الإماراتية لمحاولة إحياء عائلة صالح من جديد.
ووفقا لوسائل إعلام تابعة للتحالف العربي فقد وصل "طارق"، الأسبوع المنصرم، إلى مدينة المخا، برفقة عدد من الجنود والآليات العسكرية التي قدمتها له دولة الإمارات، والذي حلّ بديلا عن القيادات الجنوبية التي كانت متواجدة في مدينة المخا، وعلى رأسهم وزير الدفاع الأسبق، اللواء هيثم قاسم طاهر.
الشريان الرئيسي
ليست المرة الأولى، التي يعلن فيها التحالف عن استعداده لبدء معركة تحرير الحديدة، وإن كانت هذه المرة بصورة مختلفة، خصوصا بعد مقتل صالح على أيدي حليفه في الانقلاب جماعة الحوثي، في الــ 4 من ديسمبر/كانون الأول 2017، ودعمهم للقوات التي كان يقودها نجله، لتسليمها الإشراف على ميناء الحديدة عقب تحريره.
فمنذ أواخر يناير/ كانون الثاني 2017، والتحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، بقيادة السعودية، يعلن اتخاذه استعدادات حثيثة لشن عملية عسكرية كبيرة لاستعادة ميناء الحديدة، الذي يُعتبر ثاني أكبر ميناء يمني، ويشكل أهمية حيوية بالنسبة للحوثيين سياسيا واقتصاديا وعسكريا وجغرافيا، غير أن هذه العمليات سرعان ما تنتهي؛ بما يؤكد أن ثمة تحديات كبيرة، أهمها الضغوط الدولية تجاه هذا القرار.
وسيُمثل تحرير ميناء الحديدة، ضربة قوية للحوثيين، نظرا للأهمية العسكرية والتجارية التي تمثلها لهم هذه المحافظة، لاسيما بعد خسارتهم أربعة منافذ بحرية، هي: ميناء عدن (يوليو/تموز 2015)، وميناء بئر علي بشبوة (أغسطس/آب 2015)، وميناء ميدي بحَجّة (2016)، وميناء المخا في تعز (فبراير/شباط 2017).
وبحسب مراقبين، فإن وصول الحرب الى ميناء الحديدة، لن يتضرر منه الحوثيون فحسب، بل سيصل الضرر إلى غالبية المواطنين في المحافظات الخاضعة لسيطرتهم، خصوصا مع فشل التحالف، الإمارات تحديدا، في إدارة الموانئ الخاضعة لسيطرتهم، وعلى رأسها ميناء عدن، وإيقافهم لتصدير عدد من البضائع إلى اليمن من خلالها.
مخاوف دولية
لم يكن هذا القلق الأممي إزاء التطورات الأخيرة بشأن معركة الحديدة، هو الأول، بل سبق ذلك، بيانا روسيا، أطلقته في أذار/مارس من العام 2017، وذلك عقب إصدار التحالف بيانا يعلن فيه بدء معركة تحرير الحديدة.
حيث أصدرت وزارة الخارجية الروسية بيانا في حينه، استهلته باستعراض حجم الكارثة الإنسانية في اليمن جراء استمرار الحرب، لتعرب عن قلقها من وجود "مخططات لاقتحام مدينة الحديدة التي تمثل أكبر ميناء في اليمن"، حسب البيان.
واعتبر البيان أن "المعارك في هذه المنطقة لا مفر من أن تؤدي إلى نزوح جماعي للسكان المحليين، بل وإلى القطع العملي لعاصمة البلاد (صنعاء) عن إمدادات توريد المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية، مما سيُسفر عن تداعيات كارثية"، حيث اعتبرت تلك التصريحات الروسية، الأولى التي تصدر فيها روسيا بيانا بهذا المستوى بخصوص الحالة في اليمن.
قرار أمريكي
في العام الماضي، ومع إعلان التحالف، بدء التحضيرات لانطلاق معركة الحديدة، كشفت صحيفة "واشنطن بوست"، في مارس 2017م، "أن توقيت بدء معركة تحرير الحديدة مرتبط بدرجة رئيسية برد الإدارة الأميركية على الطلب الذي تقدمت به دولة الإمارات في وقت سابق من شهر مارس/آذار الماضي، وتضمن خطة لتحرير الميناء وطلبا للمساعدة فيه".
ونقلت الصحيفة الأميركية عن مسؤولين كبار في الإدارة الأميركية أن وزير الدفاع جيمس ماتيس قال - في مذكرة الشهر فبراير 2017- لمستشار الأمن القومي الأميركي، إن دعما محدودا للعمليات العسكرية السعودية والإماراتية في اليمن سيساعد في صد تهديد مشترك ضد أميركا وحلفائها، مشيرا إلى الخطة الإماراتية لاستعادة ميناء الحديدة اليمني.
كما أكدت الصحيفة أن الوزير ماتيس طلب من البيت الأبيض رفع القيود التي فرضتها الإدارة السابقة على عاصفة الحزم ضد الحوثيين الذين تدعمهم إيران في اليمن.
تأكيدات أممية
منذ انطلاق العمليات العسكرية في اليمن، ومجلس الأمن الدولي، يشدد في مختلف جلساته على ضرورة بقاء الموانئ مفتوحة، وعلى رأسها ميناء الحديدة، والذي يعد الشريان الوحيد لوصول المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى المدنيين، وتحديدا إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
وكان أخر التأكيدات الأممية بهذا الخصوص، تلك التي أصدرها مجلس الأمن الدولي، في جلسته يوم الخميس 15 أذار/ مارس 2018، حيث اعتمد المجلس مشروع بيان رئاسي، يتضمن عدة نقاط بشأن الأزمة اليمنية، من بينها: الوضع الإنساني، وتنفيذ حظر الأسلحة، وفتح كامل ومتواصل لجميع موانئ اليمن، بما في ذلك موانئ الحديدة والصليف ومطار صنعاء.
تهديد الملاحة
في مطلع كانون الثاني/ يناير 2018، أعلن التحالف العربي، أن ميناء الحديدة الحيوي، لم يعد يستخدم لتهريب الأسلحة للميليشيات الحوثية الإيرانية فحسب، بل أصبح نقطة انطلاق لاستهداف الملاحة البحرية وتهديد الأمن والسلم الإقليمي والدولي، معتبراً أن الميناء أصبح نقطة انطلاق لتهديد الملاحة البحرية.
ودعا التحالف الأمم المتحدة لتسلم إدارة ميناء الحديدة. وقال: "نتفهم طلب الحكومة اليمنية الشرعية بالحصول على إيرادات ميناء الحديدة لصرف مرتبات الموظفين، لكن الآن أصبح من الضروري على الأمم المتحدة تسلم إدارة ميناء الحديدة وأخذ المبادرة لمساعدة الشعب اليمني وحفاظا على الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي".
ورفضت الأمم المتحدة، طلب التحالف العربي، الإشراف على ميناء الحديدة، معتبرة أن هذه الإدارة التي وصفها بـ"الواجبات" لا يمكن نقلها لأخرين ليقوموا بذلك بديلا عن اليمنيين.
وفي هذا السياق، قال المتحدث باسم الأمم المتحدة فرحان حق: إن على الطرفين المتحاربين في اليمن – الشرعية والانقلاب - مسؤولية حماية المدنيين والمنشآت التحتية في هذا البلد، مؤكدا أن "هذه الواجبات لا يمكن نقلها إلى آخرين".
وأضاف أن "المجتمع الإنساني يرسل مساعدات إلى اليمن على أساس احتياجاته حصرا وليس لاعتبارات سياسية، وسيواصل القيام بذلك".
رسائل متنوعة
ويرى محللون أن هذه التحذيرات التي أطلقها المبعوث الأممي إلى اليمن، بمثابة رسائل إلى مختلف الأطراف في اليمن، سواء للشرعية أو للانقلاب، ومحاولة الضغط عليها، بضرورة العودة إلى طاولة المفاوضات السياسية.
وفي هذا الصدد، يعتقد، الناشط في الثورة الشبابية، عادل عمر، أن هذه الرسالة التي وجهها المبعوث الأممي في إحاطته التي قدمها إلى مجلس الأمن، هي بمثابة "رسالة لأكثر من طرف، فهي موجهة لمجلس الأمن بأن هناك تحركات وإعدادات تجري في الحديدة، وهو بذلك يبلغ مجلس الأمن بما يحدث".
وأضاف عادل عمر في حديثه لــ "الموقع بوست"، أن هذا التحذير الأممي أيضا بمثابة رسالة للحوثيين، بأن القبول بالحل السياسي سيجنبهم الخسارة التي قد تنتج عن المعركة العسكرية، وبالتالي فالحل السياسي أكثر ضمان لبقائهم في المشهد السياسي القادم".
وأشار إلى أن ما ورد في إحاطة المبعوث الأممي، هي "أيضا رسالة تحذير للتحالف والشرعية؛ بعدم اجتياح ميناء الحديدة، بمعنى أن المناطق الأخرى لا مشكلة في اجتياحها، وفرض واقع جديد على الأرض" حسب قوله.