بيومها العالمي.. المرأة اليمنية بين قسوة الحرب والعيش في الجحيم (تقرير)
- أكرم ياسين الثلاثاء, 08 مارس, 2022 - 07:30 مساءً
بيومها العالمي.. المرأة اليمنية بين قسوة الحرب والعيش في الجحيم (تقرير)

[ صورة لزينبيات الحوثيين في العاصمة صنعاء ]

لم يعد العنف الأسري وزواج القاصرات والتحرش الجنسي والحرمان من التعليم وحقوق الميراث والتمييز الإجتماعي وظلم الأعراف والتقاليد، قضايا تتصدر تقارير المنظمات الدولية في اليوم العالمي للمرأة والذي يصادف 8 مارس/أذار من كل عام كما جرت العادة، والتي كانت أبرز المعضلات التي تعاني منها المرأة اليمنية وتتحدث عنها المنظمات الدولية المهتمة بشئون المرأة بمشاعر أسى وتضامن.

 

باتت تلك القضايا رغم أهميتها أموراً ثانوية في تقارير تلك المنظمات بعد سبع سنوات من الحرب في اليمن، ولم تعد قضايا ذات خطورة كبيرة على نساء اليمن اللاتي بتن يعشن في جحيم حقيقي وتمتهن أدميتهن بوحشية، دفعت بعض المهتمين والمراقبين لأوضاع المرأة اليمنية وتقارير المنظمات الراصدة للانتهاكات التي تتعرض لها المرأة اليمنية في سنوات الحرب إلى تشبيه اليمن بسيبيريا أيام حكم استالين.

 

إذ أضحت صور عبودية المرأة اليمنية واسترقاقها بشتى الصور وعمليات التعذيب الوحشي في سجون جماعة الحوثي والاغتصاب تحت ذريعة جهاد المتعة الذي تفرضه قوانين الجماعة ذات المرجعية الشيعية الأثنى عشرية وتجبر النساء لممارسته بقوة السلاح، بالإضافة لمئات النساء اللاتي قتلن بقذائف الجماعة وقناصيها في مختلف مناطق اليمن منذ إندلاع الحرب في 25مارس/ آذار 2015.  

 

عشرات الآلاف من نساء اليمن حولتهن الحرب المدمرة إلى أرامل بدون عائل ولا حماية، إما بمقتل أزواجهن في المعارك أو بإختفائهم في سجون الحوثي المسيطر على أغلب مناطق شمال اليمن، أو مليشيات ما يعرف بالمجلس الإنتقالي الجنوبي المدعوم من دولة الإمارات والمسيطر على العاصمة المؤقتة عدن وأغلب المحافظات الجنوبية.

 

وزادت الأوضاع الاقتصادية الكارثية وفقدان آلاف النساء لعائلهن على اجبار الكثيرات لممارسة أعمال شاقة لا تناسبهن او لامتهانهن التسول للبقاء على قيد الحياة.

 

في هذا التقرير يعرض "الموقع بوست" بمناسبة اليوم العالمي للمرأة من الفظائع التي تتعرضن له الكثير من نساء اليمن، بعضها يصعب تصديقها من بشاعتها، لكنها حدثت ولم تعد تلك الجرائم خافية على أحد وخصوصاً المنظمات المعنية بحقوق الإنسان التي كشف صمتها المخزي حيال مرتكبي تلك الجرائم زيف تشدقها بحقوق الإنسان وخصوصاً المرأة وحولت تلك الجرائم حياة النساء في اليمن إلى جحيم لا يطاق.

 

حين تفكر المرأة بالإنتحار

 

"لم أعد قادرة على الخروج من المنزل لقد أجهضت حملي وأنا مطلقة وينظر الناس لي بنظرة دونية كعاهرة".. هذه الكلمات المحزنة ليست لامرأة كينية تحكي ما تعرضت له على أيدي عصابة بوكو حرام الإرهابية، أو لامرأة عراقية تصف ما فعلته جماعة داعش بها، ولكنها امرأة يمنية من محافظة الحديدة غرب اليمن تحكي ما تعرضت له هي وأخريات على أيدي جماعة الحوثي الانقلابية.

 

تقول (ن --ع) البالغة من العمر 30عاماً "أعيش في منزل متواضع مع والدتي في مديرية الحوك بمحافظة الحديدة بعد طلاقي من زوجي الذي ترك لي طفلتين أقوم بتربيتهما بمفردي، تطلقت من زوجي قبل اندلاع الحرب بسنتين كان عمر إبنتي الكبيرة أربع سنوات والصغرى سنة ونصف، عدت لأعيش في منزل والدي المتوفي مع والدتي الطاعنة في السن، ولأنه لا يوجد لي من يعولني أنا وطفلتاي وأمي عملت كوافيرة في محل إحدى صديقاتي، كانت أمورنا مستورة والحمدلله".

 

وتواصل (ن --ع) سرد مأساتها في رسالة صوتية مسربة عبر ناشطة من محافظة الحديدة رفضت الافصاح عن إسمها لدواعي أمنية حصل "الموقع بوست" عليها تسجيل منها "بعد اندلاع الحرب في مارس/أذار2015 واقتراب المعارك من الحديدة كنت قد فقدت عملي لأن مالكة محل الكوافير نزحت الى محافظة أخرى، كنا نعيش على ما تجود به المنظمات وبعض أهل الخير، حاولت أبحث عن عمل، وعرضت عليا أحدى ما تسمى بـ "الزينبيات" -وهو فصيل نسائي مسلح يتبع الحوثيين- العمل ضمن الزينبيات في صفوفهن مقابل راتب ومساعدات غذائية، وافقت على الفور دون أن أعرف نوع العمل ولا ماذا تعني كلمة زينبيات؟

 

وأضافت الضحية (ن--ع) استدعينا لحضور دورة ثقافية في مدرسة التعاون بحارة اليمن، كنا حوالي 16 امرأة بعضهن متزوجات وبعضهن مطلقات مثلي وبعضهن شابات، تلقينا محاضرات ثقافية لمدة ثلاث أيام، كانت كلها تتحدث عن الجهاد وتمجد حسين بدر الدين الحوثي وعبدالملك بدر الدين زعيم الجماعة.

 

وتابعت "استقدمت المرأتان اللتان تقومان بتلك المحاضرات من صنعاء، عرفت ذلك من خلال لهجتهن، في المحاضرة الأخيرة كان الكلام الذي أخذ صيغة الأمر محيراً ومخيفاً لقد تحدثت المرأتين عن تضحيات  المجاهدين وشجاعتهم وضرورة الترويح عليهم (تمكينهن من أنفسهن للمتعة).

 

وأردفت "لم أكد أصدق ما أسمع، فقد قالت المرأتان أنهن تشعران بالفخر، لأنهن يقدمن أجسادهن للمجاهدين للإستمتاع، كان سلاح الكلاشينكوف يتدلى من كتف كل واحدة منهن، وفي ختام المحاضرة، قالت أن إمتاع المجاهدين والترويح عنهم هو الجهاد الواجب على المرأة اليمنية المحبة لزعيم الجماعة، قمن بعد ذلك بسحب هواتفنا وطلبن منا البقاء في منازلنا وعدم الخروج أو الاختلاط بأي حد وأن نبقى في حالة استعداد لتلبية أي طلب، بعدها صرفت لكل واحدة منا سلة غذائية وتم توصلينا إلى منازلنا".

 

تواصل (ن--ع) سرد مأساتها بكلمات مرعبة متقطعة بحرقة الوجع الدامي قائلة: لم أستطع النوم في تلك الليلة كنت أنظر إلى بنتاي وأنا غارقة في دوامة الحيرة والاضطراب، بعد حوالي يومين وعند الساعة الثالثة عصراً طرقت بابي واحدة من النساء اللاتي عملن لنا الدورة الثقافية في مدرسة التعاون وتدعى أم الفداء وبصحبتها شخص مسلح، عرفت من لهجته أيضاً أنه من مناطق شمال اليمن، سألتني تلك المرأة هل صليت الظهر أم لا؟

 

واستدركت "بعد أن سمعت جوابي طلبت مني تجهيز نفسي بأسرع وقت ومرافقتهما".

 

"يصعب علي وصف مشاعري في تلك اللحظة، كنت أرتجف من الخوف وعجزت عن الكلام ولم أدري ماذا أصنع؟ وماذا أقول لبنتاي ووالدتي المسنة؟ كنت أعرف أن الرفض مستحيل ولم أريد إرعاب طلفتاي"، تقول تلك الأرملة.

 

تمضي الضحية (ن--ع) سرد محنتها التي من هولها تكاد لا تصدق بالقول "أخذتني المرأة ومرافقها المسلح فوق سيارة إلى عمارة في حي "الربصة" بالقرب من كلية مرعي وخلال الطريق كانا يمتدحان مهنتي الجهادية والشرف الذي منحني إياه زعيم جماعتهم".

 

تضيف "في إحدى شقق العمارة استقبلني ما يسموه بالمشرف، كانت الشقة قذرة مليئة ببقايا القات والعلب الفارغة وأسلحة وذخائر مختلفة، أعطاني حبة وطلب مني شربها وعرفت لاحقاً أنها لمنع الحمل، من تلك اللحظة بدأت مأساتي الحقيقة وتحولت حياتي جحيما لا يطاق، اختلفت وجوه الوحوش التي تناوبت على انتهاك عفتي وشرفي وامتهان إنسانيتي بذريعة جهاد المتعة، تحولت إلى شبح امرأة ملطخة بالخزي والعار وأجد وسيلة للخلاص من ذلك الجحيم سوى الإنتحار".

 

مأساة أكثر من صورة

 

الدموع التي أحرقت المآقي هي الوسيلة المتاحة التي تسبق الكلمات المبحوحة على شفاه نساء يمنيات كثيرات حولت الحرب حياتهن إلى جحيم لا يطاق.

 

تحكي سمية هاشم (25عاماً) من محافظة تعز مأساتها قائلة: التحق زوجي للقتال في الحدود السعودية مطلع العام 2018 وبعد زواجنا بعام واحد فقط كنت حاملة بطفلي الأول، وبعد قرابة ثلاثة أشهر من التحاقه اعتقلته جماعة الحوثي وفقدنا التواصل معه، فوضعت طفلي الأول وأنا في وضع نفسي ومعيشي سيء، لم يعد لدي عائل وراتب زوجي صرف لنا مرتين فقط.

 

في حديثها لـ "الموقع بوست" تقول سمية "عدت إلى العيش في منزل والدي الفقير واضطررت للعمل في البيوت مقابل الحصول على الطعام وأبسط مستلزمات الحياة من أجل تربية طفلي الوحيد الذي يبلغ عامه الثالث ولم يشاهده والده وليس لدينا أي معلومات عنه غير أنه معتقلاً لدى الحوثيين في السجن المركزي بصنعاء.

 

سجل المآسي الأسود

 

بدورها تصف المحامية والناشطة الحقوقية "لمياء المنصوب" مأساة آلاف النساء اليمنيات في ظل سبع سنوات من الحرب بأنها أسوأ مأساة يشهدها العالم في العصر الحديث.

 

تقول المنصوب لـ "الموقع بوست" لقد صارت نساء اليمن حطباً لنران الحرب المستعرة وتركن يواجهن مصيرهن المأساوي وحيدات دفعن حياتهن ثمناً في حرب كانت المرأة وآدميتها هي أول ضحاياها، يتعرضن للقتل والاغتصاب والتعذيب والتهجير ويصارعن من أجل البقاء على قيد الحياة في ظروف معيشية صعبة وبدون حماية أو عائل.

 

وطالبت المحامية المنصوب الضمير العالمي وكل دول العالم بمناسبة يوم المرأة العالمي بوضع حد لمأساة النساء اليمنيات وإنقاذهن من مسلسل الانتهاكات البشعة والتي تتوسع رقعته وتتزايد أعداد ضحاياه وتوفير الحماية اللازمة لهن.

 

وأشارت إلى أن ما تتعرض له نساء اليمن أقل ما يقال عنه بأنه وصمة عار في جبين العالم الذي فقد على ما يبدوا ضميره وإحساسه، محملة الحكومة والتحالف العربي مسؤولية ما تتعرض له النساء من جرائم لم يعد السكوت عنها مبرراً، حسب تعبيرها.

 

وفشلت كل المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية من توثيق جميع الجرائم التي تتعرض لها نساء اليمن لضخامتها وكثرتها وبسبب الوضع المعقد الذي تعيشه اليمن في ظل سبع سنوات من الحرب.

 

بعض تلك الانتهاكات والجرائم ترفض الضحايا الإفصاح عنها خوفاً من ردة فعل الأقارب والمجتمع الذي يحمل المرأة أوزار ما تتعرض له من انتهاكات، بالإضافة لسيطرة المليشيا على أغلب مناطق اليمن، وهو الأمر الذي يجعل مأساة نساء اليمن في نطاق الرصد والمناشدة والتضامن دون وجود أي تحرك حقيقي من أي جهة لوضع حداً لمأساة إنسانية يصعب وصف بشاعتها.

 


التعليقات