حتى لا ينزلق اليمن أكثر
الإثنين, 16 نوفمبر, 2020 - 10:10 مساءً

المشهد في اليمن يسير نحو تعقيدات أصعب من أي وقت مضى ويحتاج إلى وقفة وطنية أكثر جدية من جميع أطراف العمل الوطني، وأول ذلك وقف التشظي وانهاء الإنقلاب. فالتدخلات الإقليمية الدولية تتزايد ويدفع بها لأن تكون جزء من أي حل قادم وهي لن تكون إلا جزءا جديدا في مشكلة قديمة وما يلفت النظر تزايد حضور إيران وستعقبها بطبيعة الحال تركيا ودول أخرى، لأن توازنات التدخلات الإقليمية الكبيرة في المنطقة محكومة بتقاطع المصالح  والسيطرة على أماكن النفوذ.
 
وسنجد إذا ما أستمر الأمر على حاله من التدهور تطورات مؤلمة تدفع بتشارك الإشراف على الملف اليمني من قبل أطراف عدة جديدة وكل ذلك لا يزيد الأمر إلا تعقيدا.
 
وتعزيزا لهذا المشهد أذكر هنا كيف خرجت إيران هذا الاسبوع ( الاسبوع الماضي عند كتابة هذا الموضوع ) بأكبر خطوات تحديها للمجتمع الدولي وقراراته بخصوص اليمن حيث أرسلت أحد أبرز قاداتها في الحرس الثوري الايراني إلى صنعاء وقالت أنه سفيرها لدى الميليشيات المتمردة. وقدم الرجل المعروف كخبير في أسلحة مضادات الطيران أوراقه وسمي سفيرا في ميليشيا تتقمص دور حكومة وتختطف مؤسسات الدولة وعاصمتها  وذهب أبعد من ذلك وقام بالإشراف على احتفالات المولد النبوي في قلب صنعاء متصدرا الحشود ومتابعا للتجهيزات لتظهر إيران بمشهد أقرب للقطات السينما بأنها الراعي الرسمي لهذا المهرجان المسيء للنبي الكريم وكرامة اليمنيين  وتعلن ما سبق وما كررته بأنها تسيطر على العاصمة اليمنية من خلال ما يسمى مجلس الحوثي المنقلب على السلطة الشرعية في اليمن، والآن عبر مندوب عالي المستوى للحرس الثوري الإيراني. وبطبيعة الحال ذلك يدخل جماعة الحوثي قائمة الإرهاب الدولي حتما ولكنه يظهر اختطاف جديد للملف اليمني يراد به الذهاب بعيدا عن أي حل في محيطه العربي وما لم يتم حسم إنهاء الإنقلاب ووضع خطة السلام بناء على قرارات الشرعية الدولية وفي مقدمتها قرار مجلس الأمن رقم 2216 ومخرجات الحوار الوطني الشامل فإننا نخشى انزلاق أكبر لليمن تصعب العودة منه ورويدا رويدا ( نعم اكثر الما مما نحن عليه ) سنجد أنفسنا في مشهد أكثر تعقيدا من المشهد السوري ! وتعدد لاعبيه.
 
ومن يتابع مقترحات الأمم المتحدة الأخيرة أو تحليلات ما يطلق عليهم خبراء دوليين يدرك مدى المقاربة البعيدة التي يضعونها ويروجون لها وأنها أشبه بتوهيمات حالمة وليس قراءة معمقة لواقع معقد تهرب من مناقشة جذر المشكلة وتريد الكل أن يرضخ لقوة الانقلاب بحجة أن المجتمع الدولي ملَّ من متابعة هذه الحرب التي لا يفهمها كثيرا. 
 
 ومع ذلك يجد ( هؤلاء الخبراء )  آذاننا تصغي لهم في مراكز القرار الدولية من واشنطن إلى لندن وبرلين بل للاسف وفي دول عربية أيضا. 
 
تلك التحليلات التي تعتمد على معلومات لا تزيد عن معلومات سائح شغوف باليمن أو طالب جيد في أحسن تقدير صار  يراها البعض رؤى عميقة واستراتيجية ستعمل على حل القضية اليمنية. 
 
وصدمني  أن أجد باحثات وباحثين يمنيين يستمعون إلى أطروحات أجانب يسمون أنفسهم مختصين باليمن ويسوقون لهم الوهم أنهم علماء بما لايعرفه أهل البلد الاصليين ونسينا أن أهل مكة أدرى بشعابها وأنا أدرك أن معظم اليمنيين الذين يستمعون لذلك يسخرون ( في قرارة اعماقهم ) من الطرح اللامعقول ولكن ( بطبع اليمانيين) يستمعون إلى درجة يظن الحاكي بأنه أقنعهم ولا يدري بصمت الجبال الذي يعني غير ما بدا له وعكس ما حسبه في ظنه تماما.
 
وما يحزن أكثر أن البعض من اليمنيين الحاضرين نساء ورجال يفوق كل الخبراء الدوليين علما وحضورا وقدرة على التحليل وأقتراح الحلول ولكن للسطوة الدولية والإقليمية قوانينها بإلغاء الصوت المحلي المدرك لتعقيدات المشكلة وأخذ الجميع بجريرة الحرب وأن من في صدارة المشهد السياسي اليمني أو معظمهم مجرد مقاتلين أغبياء يدمرون بلدهم ولا يدركون ما يفعلون.
 
وساهمت حملات إعلامية مدمرة من كل الأطراف في إظهار الجميع مجرد حمقى وفاسدين.
 
إن الامر في اليمن معقد ولن يحل إلا برؤية يمنية ولا يعني غلبة صوت من حمل السلاح أنه الأحق والأكثر قبولا عند اليمنيين.. لا  فالأمر مختلف تماما.
 
فصنعاء التي تخرج مهللة بالمولد النبوي لا تطيق هذا العبث الحوثي المدعي النبوة وإجبار الناس على التصفيق بعد ست سنوات من الجوع وتعاظم خيبة الأمل يصير أمر مبرر ومع ذلك ينسى هؤلاء المأخوذين بسطوة الميليشيا وقمعها أن معظم سكان اليمن هم من يحارب الانقلاب ويقف ضده متحملين كل صنوف القهر من تعنت دولي وعدم تفهم عربي للوضع، والناس تفضل أن تقاتل بأبسط ما تملك على أن ترسخ أي قوى حضور ميليشيا الحوثي وإيران على اليمن.
 
لهذا فإن أي مقاربة للحل تريد أن تقول لليمنيين اقبلوا بالانقلاب ومكنوا إيران بأن تبقى متحكمة يجد هذا الرفض الواسع من اليمنيين وطرح كهذا فقط يزيد من حنق الشعب وعدم ثقته بكل صوت دولي يدعي أنه مع السلام.
 
فالسلام يقوم على ركيزة أساسية هي  عودة مؤسسات الدولة الشرعية واحترام رأي الأغلبية الكاسحة والتي تمثلت بمخرجات حوار وطني شامل شمل كل أطياف المجتمع اليمني وقواه السياسية، وعدم الرضوخ لمنطق القوة والغلبة.
 
على ضوء ذلك نحن بحاجة إلى إعادة النداء لكل القوى السياسية والمجتمعية في اليمن بضرورة إستعادة القرار وإنهاء اختطاف الدولة وأن ذلك سيبقى قرارا يمنيا شجاعا  يتطلب منا جميعا العمل عليه .
 
وأن أي أصوات دولية لن تكون الأقدر على إكتشاف تعرجات المسالك الصعبة في جغرافية اليمن المعقدة سياسيا واجتماعيا اكثر من تعقيدات الجبال ومسالكها الوعرة.
 
 بل حد هذه الأصوات الدولية أن تكون داعمة للمسار اليمني الذي يجب أن يضعه اليمنيون أنفسهم .
 
ولدينا أسس تنطلق منها الرؤية مدماكها مخرجات الحوار الوطني والتي أجمع عليها الجميع وقرارات المجتمع الدولي وخبرة الناس وحكمة بلد الإيمان .
 
وكما قال الأجداد في الحكمة اليمانية  ( ما حك جلدك  غير ظفرك) واهل اليمن أدرى بجبالها.
 
* سفير اليمن لدى المملكة المغربية

*المقال نقلا عن جريدة الأهرام

التعليقات