عوامل اخفاق تسببت في إطالة أمد حرب التحالف في اليمن وانحراف مسارها
السبت, 26 مارس, 2022 - 08:59 مساءً

إن مقارنة بسيطة بين الوضع الذي كان عليه اليمن عند انطلاق العمليات العسكرية للسعودية والحال اليوم يتضح حجم الفارق، ومدى الإخفاق، ما يثير العديد من الأسئلة عن العوامل التي أدت لهذا الوضع، ففي حين كان التحالف يصرح بأن عملياته في اليمن ستنتهي خلال فترة قصيرة، استمر الأمر لمدة ثماني سنوات، وفي الوقت الذي كان الحوثيون يتلقون الضربات الجوية، أصبحوا اليوم هم يقصف المدن والأهداف السعودية والإماراتية، فما الذي تغير؟
 
 ويمكن هنا سرد العديد من العوامل:
 
- طريقة إدارة السعودية لعملياتها العسكرية، فقد أدارتها في بادئ الأمر من منطلق الشراكة مع الحكومة الشرعية، ثم تحولت لاحقا لتصبح وسيطا بين الشرعية وأطراف أخرى محلية كالانتقالي، ثم عمدت لتقديم نفسها أيضا كوسيط بين الحكومة والحوثيين، عن طريق مبادرات أطلقتها من حين لآخر، محاولة في ذلك التملص عن كونها تقود الحرب في اليمن.
 
- تخاذل السعودية عن دعم الجيش اليمني لمواصلة معاركة العسكرية الميدانية ضد الحوثيين، وتدخل القيادات السعودية في الشأن العسكري، ومنعه من التسلح، وفرض قيادات فيه، وإخضاعه لإشرافها المباشر، واستهدافه في حال تقدمه الميداني، والتفريط في قياداته، وتجلى ذلك بوضوح بالنزيف المستمر لقيادات عسكرية رفيعة أزهقت أرواحها في الميدان كالأبارة، والشدادي، واليافعي والذيباني والوائلي، وغيرهم من القيادات، بالإضافة لاستهداف تجمعات الجيش من وقت لآخر عند تقدمه، سواء عبر ما يوصف بالغارات الخاطئة، أو القصف المستهدف عمدا كما حصل مع الجيش في نقطة العلم بعدن في 2019م.
 
 - وثمة بعد آخر تمثل في حالة اليأس والقنوط جراء السلوك السعودي في تعامله مع الانتفاضات الشعبية في عدة محافظات، وخذلان السعودية والإمارات لتلك الانتفاضات مثلما حدث في البيضاء وحجور وعتمة ويافع وشبوة، والذي أعطى الحوثيون زخما جديدا، ورسخ انطباعا لدى اليمنيين بكونهم قوة لا تقهر، ثم جاء الانسحاب من مناطق شاسعة في الساحل الغربي فيما عرف بإعادة التموضع ليكشف أيضا عن خلل كبير في إدارة المعركة العسكرية.
 
- مساهمة السعودية والإمارات في دعم وتشكيل المليشيا خارج المؤسستين العسكرية والأمنية، واستخدام التيار السلفي في أكثر من محافظة، ورعاية وتمويل التيارات المناهضة للحكومة الشرعية مثل المجلس الانتقالي، وما نجم عن ذلك من تداعيات ومضاعفات لاتزال تلقي بظلالها على المشهد العام خاصة في المحافظات الجنوبية، وصرف أنظار اليمنيين عن المعركة مع الحوثي، وخلق تصدعا كبيرا في القوى المؤيدة للدولتين، ودفع بتيارات مماثلة للظهور والإفصاح عن نفسها.
 
- فشلت السعودية والإمارات في خلق نموذج إيجابي بالمناطق المستعادة من الحوثيين، بل وتحولت المدن التي تتواجد فيها الدولتين إلى مناطق ملغومة يشتعل فيها الصراع، وتفتقد للخدمات، وتتوسع فيها الانتهاكات، الأمر الذي خدم جماعة الحوثي بشكل كبير، ودفع المواطنين في مناطق سيطرتها للسكون، وهم يراقبون الوضع في المدن الخاضعة للتحالف.
 
 - أخفقت السعودية والإمارات ومعهم الحكومة اليمنية في إدارة الملف الاقتصادي بالمناطق المحررة، ما أوجد حالة من السخط الشعبي المتواصل، وفقدان الثقة بالحكومة والتحالف، وظهور الأصوات المطالبة برحيل التحالف من اليمن، وتقلص الحضور الحكومي، وإهدار موارد البلد، والأمر ذاته ينطبق على الملف الأمني، الذي كان هو الأخر ميدان إخفاق متعدد الأوجه للتحالف والحكومة، ويتضح من عمليات الاغتيالات المتواصلة في المناطق المحررة، والهجمات المتواصلة التي وصلت حد استهداف الحكومة في مطار عدن.
 
 - تغذية الصراع البيني بين القوى المؤيدة للسعودية، واعتماد السعودية معايير مختلة في إدارة الأطراف المنضوية في إطارها، وأظهرت تخبطا كبيرا في إدارة هذا الملف، وخذلت السعودية العديد من القيادات العسكرية والحكومية، وتخلت عنها، لصالح بروز الدور الإماراتي، كما حدث مع محافظ سقطرى رمزي محروس، ومحافظ شبوة محمد بن عديو، وغيرهم من المسؤولين الذين وجدوا أنفسهم في قائمة الاستبعاد لمجرد انتقادهم أو التعبير عن رأيهم تجاه كثير من القضايا.
 
 - بروز عمليات فرز واستثناءات في تعامل السعودية مع المكونات التابعة لها، لأسباب سياسية كما حصل مع حزب الإصلاح، وتصعيد قوى جديدة، وإهمال واستبعاد القوى السابقة، وعدم الاستفادة من توحيد مختلف المكونات في جبهة واحدة، وتغذية وتسمين كيانات بديلة، تلتقي في ولائها للرياض وأبوظبي، لكنها متنافرة في التوجه، كما حدث مع كثير من القيادات التي التحقت بالسعودية عقب مقتل صالح في صنعاء.
 
-التدخل السعودي الإماراتي المباشر في عمل الحكومة أثر هو الآخر في إدارة المعركة مع الحوثيين، ويتضح ذلك من عمليات الإقالات المستمرة في الحكومة، والقرارات التي تصدر من وقت لآخر، وفقا لدرجة الولاء، واتخاذ الوظيفة الحكومية معيارا للمكافأة، ووسيلة من وسائل العقاب، ما أسهم في خلق طبقة من الموظفين ترتبط ارتباطا مباشرا بالدوائر الإماراتية السعودية، وتنفذ أجندة الدولتين على حساب القضية الرئيسية.
 
- التواجد العسكري للسعودية والإمارات في محافظات يمنية كسقطرى والمهرة ووادي حضرموت وباقي الجزر والمنشآت الحيوية اليمنية شكل هو الآخر صورة سوداء في الذهنية الشعبية اليمنية، وصلت حد وصف الدولتين بالاحتلال، وابانت عن أهداف وأجندة خفية للتحالف في اليمن، خاصة مع ارتفاع الأصوات المطالبة بالانفصال، والتي تقابل بالصمت السعودي الإماراتي، بل وبالرعاية من الدولتين.
 
- الخسائر الناجمة عن الغارات المتواصلة للسعودية والإمارات في اليمن، والتي أدت لارتكاب العديد من الانتهاكات تجاه المدنيين، والتحكم بالمطارات والمنافذ البرية الواقعة تحت سيطرتها، وتعطيل الموانئ اليمنية، وتهميش المؤسسات الحكومية القومية، ومنع بيع النفط والغاز، كل ذلك أدى لتشويه صورة السعودية، وجعلها عرضة لتقارير المنظمات الدولية التي تتهمها بارتكاب جرائم واسعة في اليمن.
 
 - التعمد في إطالة أمد الحرب، رغم المعرفة المسبقة بعدم جدية الحوثيين في السلام، وذلك من خلال الانخراط في المفاوضات الدولية، وتقديم الرياض للمبادرات من وقت لآخر، وكذلك الوعود بمراحل جديدة، كما حصل مع إطلاقها لعملية "حرية اليمن السعيد" من شبوة في الحادي عشر من يناير 2022م.
 
 - ارتهان الرئاسة اليمنية والحكومة والبرلمان والأحزاب للقرار السعودي، وتحركهما في فلك الرياض، وغياب الموقف المسؤول، وذوبانهم في الكأس السعودية، وظهورهم بمظهر الضعف، وتحولهم من مرحلة الندية كحكومة، إلى موقف التبعية الكاملة، والخضوع المطلق.
 
- التدخل المباشر للسفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، وطريقة تعامله مع الأطراف اليمنية كان له تأثير كبير في تردي الأوضاع، وتفجير الأزمات، واتساع التشرذم، من خلال الأدوار التي اضطلع بها، وعمليات الاستقطاب التي يمارسها، وبنفس الوقت ممارسته للعديد من الأنشطة التي يسعى من خلالها لتحسين وجه السعودية خاصة في العمل الإنساني والإغاثي، وبرنامج الإعمار الذي يراسه، وتحكمه المباشر في أداء الحكومة.
 
- اندلاع ما يشبه التنافس والتجاذب وتبادل الأدوار بين السعودية والإمارات في المناطق اليمنية التي وصلوا إليها، وانعكس ذلك على العديد من الملفات، وولد حالة استقطاب محمومة بين الدولتين، وانعكس ذلك على هيئة صراع بين الأطراف التابعة لكلا الدولتين، وانقسام وتشظي الصف الواحد، وفتح معارك أخرى أثرت بشكل كبير على مسار المعركة.
 
- وثمة مظهر آخر من مظاهر الإخفاق للسعودية في اليمن، ويتضح من فشلها في الاستفادة من المجتمع الدولي في تعزيز فرص النجاح العسكري في اليمن، ودخولها في أزمات مع عدة دول كان يمكن أن تمثل عونا لها، كتركيا وماليزيا، ومثلت فترة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أزهي تلك الفترات، والذي أبدى دعمه الكبير للسعودية في اليمن، لكن العقلية السعودية سخرتها في اتجاه آخر، من خلال تفجير الأزمة مع قطر، وانشغالها بتلك التفاصيل.
 
- ربطت السعودية الملف اليمني بمسارين إثنين، الأول يتعلق بها بشكل مباشر، من خلال إطالة الحرب حتى يتمكن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من ضمان صعوده ملكا قادما خلفا لوالده، والثاني ربط الملف اليمني بإيران، وجعله جزء من المحادثات الدولية مع طهران وبرنامجها النووي، باعتبارها الداعم الأول للحوثيين، وأدى المسار الأول للبطء في حسم الحرب، بينما أدى المسار الثاني لحضور إيران في اليمن بشكل أكبر، وبقاء الوضع في اليمن معلقا لحين الوصول لترتيبات نهائية مع طهران.
 

التعليقات