عن "حراس الجمهورية"
الاربعاء, 21 مايو, 2025 - 05:36 مساءً

من حيث الخلفية، يمثل "حراس الجمهورية" نموذجا فريدا في المشهد اليمني، يتداخل فيه الإرث العائلي، والبراغماتية السياسية والعسكرية، وخطاب الدولة والجمهورية الشعاراتي المفرغ من أي مضمون، مع تحالفات ظرفية يعاد تشكيلها باستمرار.
 
ومن حيث السياق التأسيسي ظهر "حراس الجمهورية" في أوائل 2018 بدعم إماراتي مباشر، بعد فشل علي صالح في الانقلاب على حلفائه الحوثيين في ديسمبر 2017، وهو الانقلاب الذي لقي فيه صالح مصرعه بعد ثلاثة وثلاثين عاما من "الرقص على رؤوس الثعابين" على حساب بناء الدولة الوطنية، وعلى حساب التنمية، وعلى حساب الوحدة اليمنية التي وئدت في مهدها بحرب هي-من حيث أهدافها الحقيقية ونتائجها-الأكثر قذارة في تاريخ الحروب اليمنية.
 
وقد تشكل "حراس الجمهورية" من بقايا الحرس الجمهوري الموالي سابقا لعلي صالح، ومن ضباط وجنود كانوا بلا قيادة بعد انهيار الجيش. أما محل تموضع هذه القوات فهو الساحل الغربي الذي يشمل-فيما يشمل-المخا والخوخة. وقائد "حراس الجمهورية" طارق عفاش يعلن نفسه جزءا من جبهة مواجهة الحوثيين، ولكن ضمن خط مستقل عن الشرعية التي يدعي انتسابه إليها ويتبوأ أحد مقاعد مجلسها الرئاسي المصنَّع خارج اليمن في إطار مخطط يعتقد كثيرون في اليمن أنه يستهدف تمزيق ومصادرة هذا البلد.
        
ومن حيث الركائز الفكرية والسياسية، يتبنى طارق عفاش خطاب "الجمهورية" التي تقدم بمعناها العائلي، وليس كنظام ديمقراطي ودولة مؤسسات. والملاحظ على هذا الخطاب أنه يحمِّل الحوثيين مسئولية تفكيك الدولة، دون أن يقترب قيد أنملة من نقد إرث نظام العائلة المسئول عن واقع اليمن الراهن، والذي كان طارق نفسه أحد أعمدته العسكرية.
         
ومن المفارقات الملفتة أن طارق عفاش يتحدث عن "استعادة الدولة"، بينما هو من الناحية الفعلية يقود قوة عسكرية منفصلة عن الحكومة الشرعية. ثم أن القوات التي يقودها لا تخضع لأي إطار مؤسسي وطني. إنها محض مليشيا. والدولة التي يريد طارق أن يستعيدها لا وجه لها ولا قفا، فهي بلا برنامج وطني معلن. باختصار شديد، الدولة عند طارق عفاش ليست مؤسسة، وإنما مجرد جملة خطابية فارغة، إلا من حلم العائلة.
        
والملاحظ على طارق عفاش أنه يعادي الحوثيين، وفي الوقت نفسه يحتفظ بعداء مواز لحزب الإصلاح والإخوان المسلمين، وبسبب هذا العداء المزدوج لا يستطيع أن يندمج في إطار الشرعية إلا شعاراتيا، وكل ما يقدر عليه هو أن يكون أمير حرب مدعوم إماراتيا.
        
ومن حيث التركيبة الاجتماعية والتنظيمية، "حراس الجمهورية" هم قوة عسكرية مركزها العائلة، وبنية القيادة فيها ذات طابع عائلي وولائي. والانضباط والانتماء في هذه القوات نابعان من الولاء الشخصي لطارق، لا من رؤية وطنية أو عقد سياسي.
        
وبرغم محاولات طارق عفاش تشكيل أذرع اجتماعية (المقاومة الوطنية؛ المكتب السياسي)، إلا أن امتداده الشعبي محدود، خاصة في الجنوب والمناطق القبلية الواقعة خارج نفوذ العائلة سابقا. أما محاولات كسب الحاضنة التهامية فستذهب أدراج الرياح ما لم تقم على بنية حزبية وبرنامج وطني، وهذا غير مفكر به داخل العائلة.
        
ومن حيث التحالفات والدعم الخارجي، الإمارات هي الداعم الأول والأساسي لطارق عفاش تمويلا وتسليحا وتوجيها. وموقفه من السعودية رمادي للغاية، فهو لا يصطدم بها، لكنه لا يؤمن إلا بالشق الإماراتي من التحالف الذي تقوده الرياض. ومؤخرا نراه يعمل على تقليص المسافة مع بعض القوى الدولية عبر خطاب محاربة الإرهاب ورفض التطرف، لكنه لم يبلور مشروعا سياسيا مقنعا بعد، ولا هو في وارد أي شيء خارج المشروع العائلي.
        
ومن حيث الخطاب السياسي والإعلامي، يتجنب طارق عفاش الاقتراب من المجلس الانتقالي، لأنه والزُّبيدي يرضعان من ثدي واحد. ومثلما يكشف الزبيدي عن إرادة مناوئة لإرادة الشرعية، يقدم طارق عفاش "حراس الجمهورية" كقوة لا تنتمي للشرعية وإنما كحامل لمشروع وطني جديد، لكن لا أحد يعرف شيئا عن هذا المشروع سوى مفردات غير واضحة من قبيل "الجمهورية" و"الدولة المدنية" و"الثوابت الوطنية".
        
في مارس 2021 أسس طارق عفاش "المكتب السياسي للمقاومة الوطنية" الذي لا يتمتع بأي فاعلية حزبية، والآلة الإعلامية التي يحوز عليها هذا المجلس تركز على العداء للحوثيين وإبراز دور حراس الجمهورية، ومؤخرا ظهر طارق عفاش في هذا الإعلام مقاتلا ميدانيا يمقت بشدة أولئك الذين يعتقدون أن النضال ممكن من غرف الفنادق.
        
خلاصة القول: طارق عفاش لا يقدم، ولا يستطيع أن يقدم رؤية واضحة تبرر الشعارات التي يرفعها، وقوته مرهونة باستمرار الدعم الإماراتي، وهو لا يمتلك مؤسسات سيادية فعلية، بل هو مجرد مليشيا منظمة ذات بنية عائلية تمولها دولة إقليمية لها أطماع كبرى في اليمن.
 
خلاصة الخلاصة:
 
طارق عفاش لا يمثل أي قيمة يعتد بها وطنيا، لا من الناحية السياسة، ولا من الناحية الثقافية، ولا من الناحية الفكرية، وكل مؤهلاته أنه ابن شقيق المخلوع الهالك علي عبد الله صالح وقائد حراسته. وبهذه المؤهلات لا يستطيع طارق عفاش أن يكون أكثر من أمير حرب يتكسب من أوجاع بلده.
*من صفحة الكاتب على فيسبوك

التعليقات