الحرب بلس: تسمية يمنية لمآسي الأدوية المزورة والمهربة
- القدس العربي - أحمد الأغبري الأحد, 06 نوفمبر, 2022 - 08:25 صباحاً
الحرب بلس: تسمية يمنية لمآسي الأدوية المزورة والمهربة

«الحرب بلس، كلمتان هما الأجدر باختزال واقع المعاناة الناجمة عن انتشار الأدوية المغشوشة والمهربة منتهية الفاعلية في اليمن» يقول ناشط يمني في منشور له على موقع «فيسبوك» في سياق حملة يمنية متواصلة ضد الأدوية المغشوشة والمهربة منتهية الفاعلية ومنتهية الصلاحية التي تملأ سوق الدواء في البلد المنكوب بحربٍ منذ ثماني سنوات تعددت معها أسباب الموت، وآخرها أدوية يفترض بها أن تكون منقذا؛ فإذا بها تصبح قاتلا، وهنا يكون تأثير الحرب ضعفًا بل أضعافا.

 

وقضى 10 أطفال على الأقل، كما أُعلن منتصف تشرين الأول/اكتوبر، في مركز معالجة اللوكيميا (سرطان الدم) بمستشفى الكويت الحكومي بصنعاء نتيجة حقنهم بدوء «ملوث» و«مهرب».

 

أحد آباء هؤلاء الأطفال لم يحتمل خبر وفاة ابنه فقضى بعد وفاته بيومين، وتم دفنهما في قبرين متجاورين في أحد المقابر بصنعاء في صورة تعبيرية لما صارت إليه التداعيات الكارثية، التي تفرزها الحرب في سوق الدواء هناك.

 

وفتحتْ هذه الحادثة الباب واسعًا لتسليط الضوء عن واقع سوق الدواء في اليمن؛ ليتضح أن ثمة سوقا يمنيا كبيرا لتجارة الأدوية المهربة منتهية الفاعلية والمغشوشة ومنتهية الصلاحية، والتي يتم توفيرها في الصيدليات من قبل مهربين ومزورين وتجار يستغلون انسحاب عدد كبير من شركات الأدوية العالمية من السوق اليمنية، وتردي القدرة الشرائية لليمنيين جراء الحرب، لتوفير أدوية مهربة وأخرى بأشكال وعبوات مطابقة للأصل، وبعضها تخضع لتغيير تاريخ الانتهاء وبأسعار ليست رخيصة، لكنها مقبولة نسبيًا للبعض في ظل عدم قدرة الكثير على شراء الأدوية الأصلية، التي للأسف لم يعد معظمها متوفرًا في الأسواق عقب انسحاب عدد من شركات الأدوية من البلد في ظل تعقيد اشتراطات التحالف في المنافذ البحرية، وتعدد الرسوم المفروضة في الداخل، مع منافسة (غير محترمة) تفرضها مافيا الدواء هناك.

 

وقال مصدر صحافي محلي على صفحته في «فيسبوك» إن السلطات بصنعاء الخاضعة لجماعة «أنصار الله» (الحوثيين) ضبطت أواخر تشرين الأول/أكتوبر، عددا من المطابع لقيامها بطباعة مغلفات وملصقات أدوية بعد تجديد تاريخ الصلاحية، ومنها ما هو لدواء مزور.

ونشرت مواقع محلية خبرا، نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عن ضبط معمل بصنعاء لتعبئة وتغليف أدوية ومستحضرات تجميل مزورة.

 

في سياق ذلك أطلق صيادلة يمنيون، في منصات التواصل الاجتماعي، عددًا من الصفحات التوعوية بشأن هذه الأدوية، أبرزها صفحة (صيدلاني يمني-Yemeni Pharmcist) على «فيسبوك».

 

ووصل تزوير المنتجات الصيدلانية إلى تزوير معاجين أسنان لشركات لم تعد تصدّر منتجاتها لليمن منذ بدء الحرب، لكن ثمة منتجات تحمل علامتها وتُعبئ في اليمن، وتباع في الصيدليات كمعجون سنسوداين مثلا.

 

مشرف صفحة «صيدلاني يمني» على فيسبوك، التي لديها 35 ألف متابع، قال في حديث إلى «القدس العربي» عبر البريد الالكتروني، أن نحو 95 في المئة من صيدليات اليمن فيها أدوية مهربة.

 

وأضاف (أصر أن تبقى هويته محجوبة كصفحته): «أكثر الأدوية التي يتم تهريبها لليمن هي أدوية الشركات العالمية، والتي سبق وأن غادرت البلد بسبب الحرب».

 

وقال «إن الجهات الصحية في اليمن لم تعمل على توفير بدائل لأصناف الشركات التي غادرت وغضت الطرف عن الأدوية المهربة وسمحت ببيعها».

 

وأشار إلى أن أكثر من 20 في المئة من الأدوية الموجودة بالسوق اليمني مهربة، «وأغلب هذه الأدوية منقذة للحياة، مثل أدوية الأورام واللقاحات، وأدوية مرضى الفشل الكلوي، والانسولينات، ويعتبر توفيرها حاليًا بواسطة المهربين خدمة للناس بعد أن تنصلت الجهات الرسمية عن توفيرها بطرق رسمية».

 

وقال إن الدول التي يتم تهريب الدواء منها إلى اليمن هي السعودية، مصر، الهند، وتركيا، مؤكدا أنه من الصعب في الوقت الحالي الحديث عن مكافحة التهريب طالما هناك أدوية مهمة ومنقذة للحياة وليس لها بدائل في اليمن.

 

استدرك قائلا «إن السماح بدخول الأدوية المهربة وبيعها دون خضوعها لإجراءات الفحص والتحليل فتح شهية المزورين وتم تزوير بعض المنتجات الدوائية وتسويقها على أنها مهربة».

 

وأضاف «لا يمكنني تقدير كم عدد الضحايا التي تسقط، لكني أجزم أن هناك ضحايا تسقط يوميًا بسبب الأدوية المزورة، وضحايا تسقط بسبب استخدامها أدوية مهربة فقدت فعاليتها بسبب ظروف النقل والتخزين غير المناسبة وضحايا تسقط بسبب انعدام الأدوية».

 

الصحافي والناشط منصور الجرادي، رئيس مؤسسة وجوه للإعلام والتنمية، يؤكد فداحة ما يعيشه اليمن من واقع فرّخت فيه الحرب العسكرية حروبًا أخرى كثيرة تستهدف المواطن.

 

وقال لـ«القدس العربي»: كثيرة هي الحروب التي يخوضها اليمنيون، ومؤخرًا برزت بشكل أكثر خطورة حرب الأدوية المغشوشة والمهربة، وتلك التي تختفي من الأسواق فجأة ليتم التلاعب بأسعارها.

 

وتابع متحدثًا من واقع تجربته: «شخصيا أعاني شهريًا من صعوبة توفير أدوية خاصة بمرض طفلي، الذي يحتاجها بشدة لعدة سنوات من أجل يتعافى من مرضه المتمثل في شحنات كهربائية زائدة، ومن سبيل ذلك أتجرع المر حتى أتمكن من الحصول عليها، وإذا وجدتها فإنها غالية جدا تُرهق كاهلي ، كما تُرهق كاهل كل مصاب بهذا المرض.

 

واستدرك: «لكن الأخطر في الأمر هو الكشف عن وجود معامل محلية لتعبئة الأدوية المزورة وطباعة أغلفة لأدوية عالمية وبيعها في السوق، حتى الآن اثنان من هذه المعامل أو المصانع تم كشفها بصنعاء فقط».

 

وانتقد الجرادي واقع الغلاء في أسعار الأدوية كنتيجة طبيعية للحصار المفروض على البلاد وما يترتب عليه من إيقاف للسفن عرض البحر لأشهر طويلة؛ وهو ما قد يتسبب أيضًا في تراجع فاعلية الدواء، وقبل ذلك زيادة كلفته، وبالتالي ارتفاع سعره.

 

وقال: «اليمني يدفع فواتير كثيرة لهذه الحرب، فأغلب اليمنيين لا يستطيعوا في واقع الأمر شراء الأدوية لمرضاهم، نتيجة الغلاء الفادح للأدوية في السوق، وهذه نتيجة طبيعية لمنع دخول الأدوية بطريقة سلسلة وإيقاف السفن عرض البحر لأشهر طويلة ترتفع معها التكلفة، وفي ذات الوقت قد تفسد الأدوية، ولكن حتى بعد أن يُفرج عنها فإن مختلف الأطراف يفرضون ضرائب وجمارك إضافية عليها، ما يجعل الفقراء يحلمون مجرد حلم في التطبب والحصول على الدواء، خاصة أولئك المصابين بأمراض مزمنة».

 

مما سبق نؤكد أن المعاناة الناجمة عن الدواء جراء الحرب والحصار، ما كان لها أن تكون لولا إغلاق المنافذ وإعاقة دخول السفن، وفرض مزيد من الرسوم على الدواء من مختلف الأطراف، وبالتالي انسحاب شركات الدواء من البلد لاسيما مع تمدد مافيا سوق الأدوية، التي باتت تتحكم بتفاصيل كثيرة، مستفيدة من الواقع الذي أنتجته الحرب لتعزز من تجارة الدواء المهرب والمغشوش ومنتهي الصلاحية والفاعلية في سبيل جني أرباح طائلة مقابل إزهاق أرواح كثيرة من الأبرياء، ما يتطلب من السلطات المختلفة تحمل المسؤولية تجاه ما يحمي حياة الناس وفي مقدمة ذلك الغذاء والدواء.

 


التعليقات