المتسولون في اليمن.. منسيون على أرصفة الطرقات (تقرير)
- فاطمة البحيري الثلاثاء, 14 يونيو, 2022 - 06:44 مساءً
المتسولون في اليمن.. منسيون على أرصفة الطرقات (تقرير)

[ التسول في اليمن ظاهرة مخيفة تزايدت بفعل الحرب ]

تحت حر الشمس، تقف الطفلة نيرمين أحمد وسط الزحام في مدينة تعز، بعدما أجبرتها الظروف المعيشية على التسول. تخرج نيرمين باكراً وبشكلِ يومي لعلها تعود لوالدتها وأشقائها الصغار ما يسدوا به جوعهم.

 

تروي نيرمين قصتها لـ "الموقع بوست" قائلة: "كنت أعيش طفولتي كأي طفل تحتضنه أسرة يعولها الوالدين إلى أن مرض والدي الذي بات لا يستطيع الخروج من المنزل ولدي سبعة اشقاء أنا أكبرهم".

 

زاد العبء على الطفلة نيرمين منذ أن تقاعدت والدتها على فراش المرض بعد أن تضاعفت حالتها الصحية نتيجة عملية قيصرية رافقها القصور والاهمال الطبي، مما أوصلها لمجاورة زوجها في فراش المرض كما تقول نيرمين.

 

بات واقع نيرمين هو الواقع الملموس للألاف من الأطفال اليمنيين والتي أظهرت دراسات عديدة بأن حوالي 64,4% من المتسولين هم ممن تقل أعمارهم عن 20 عاماً تليهم النساء والمرضى" الذين يقفون على الطرقات لمد أيديهم لعل رحمة أهل الأرض تشملهم وتستمر حياتهم.

 

الحرب وازدياد نسبة المتسولون

 

ومع تدني المستوى المعيشي وتدهور قيمة العملة المحلية وارتفاع الأسعار، انتشرت ظاهرة التسول بشكل كبير في مدينة تعز وغيرها من المدن اليمنية. حيث ازدادت نسبة المتسولين في شوارع وأزقة المدينة، وهو ما يؤكده ناشطون في المجالات الاجتماعية والإنسانية.

 

يتحدث الناشط سام البحيري لـ "الموقع بوست" عن ظاهرة التسول واختراقها للقانون اليمني، قائلاً: لعل الحرب وتبعاتها الاقتصادية وما وصل إليه المجتمع من تشرد ونزوح يعد هو السبب الرئيس في ضلوع بعض المواطنين إلى التسول، رغم أن التسول من الأمور التي يعاقب عليها في القانون اليمني في المادة(203): يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر من اعتاد ممارسة التسول في أي مكان إذا كان لديه أو في امكانه الحصول على وسائل مشروعة للعيش، وتكون العقوبة الحبس الذي لا يزيد على سنة إذا رافق الفعل التهديد أو ادعاء عاهة أو اصطحاب طفل صغير من غير فروعه.

 

 

ويتابع في حديثه للموقع بوست: لكن الناظر للواقع اليمني وللأسر ولتغيب دور الدولة في تقديم العون والمساعدات وكذلك الملاجئ ودور العجزة يجعل تطبيق القوانين شبه معطلة، والوضع المعيشي المنهك يدفع الناس للتسول.

 

آثار نفسية

 

 تولد ظاهرة التسول العديد من الآثار النفسية والاجتماعية لممارسي هذه الظاهرة، خاصةً أولئك الذين خذلتهم الظروف ورمت بهم الأوضاع لمد أيديهم إلى الغير وطلب المعونة، حيث فقد جزء كبير منهم الثقة بأنفسهم وبالمساواة الاجتماعية مع أقرانهم من عامة الناس.

 

كرامة الكامل وهي أخصائية نفسية مهتمة بالقضايا وشؤون الطبقات الاجتماعية في اليمن تحثت عن ظاهرة التسول وآثارها لـ"الموقع بوست" قائلة: التسول ظاهرة اجتماعية تظهر في المجتمعات التي تعاني من تفاوت طبقي وتدني في المستوى الاقتصادي العام، وتبرز عدة آثار نفسية لمن يقوم بالتسول على المستويين النفسي والاجتماعي، فعلى المستوى الشخصي  تتمثل  بالشعور بإنعدام القيمة الذاتية، وعدم الشعور بتقدير الذات، والشعور بالدونية.

 

وعلى المستوى الاجتماعي يتعاظم لدى الشخص المتسول الشعور بالنقمة، لاسيما عندما يرفض طلبه أو يُعطى دون الذي توقعه، فتنشأ فئة مضادة للمجتمع وتكون بيئة خصبة لإنتشار الجريمة داخل البلد.

 

إحصائيات رسمية

 

وصلت أعداد المتسولين في اليمن، وفقًا لدراسة أجراها مركز الدراسات الاجتماعية وبحوث العمل في صنعاء، نهاية العام الفائت، إلى مليون ونصف المليون، وأغلبهم من النساء والأطفال.

 

وتشير تقديرات المجلس الأعلى للأمومة والطفولة إلى أن أعداد المتسولون من النساء والأطفال ازدادت بصورة جلية في الآونة الأخيرة.

 

 

 وتوضّح الدراسة، أن هناك نوعين من الدوافع التي تقف وراء اتساع نطاق التسول؛ الأول يكمن في الحاجة بسبب الفقر الدائم وعدم القدرة على العمل وغياب مصادر الدخل الكافية، والثاني يكون بالإكراه الأسري أو لحساب جهة منظمة مقابل مبالغ محددة، إلى جانب الظروف المعيشية الصعبة وانتشار الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار، وغلاء المعيشة. ومع ذلك تظل الأرقام والإحصاءات عن أعداد المتسولين تقريبية غيرَ معبّرة عن الحجم المتعاظم للظاهرة.

 

 تحذيرات

 

برغم من التعاطف الكبير مع المتسولين وازدياد الأصوات المنادية لمساعدتهم وعدم تركهم فريسة للفقر والجوع؛ إلا أن هناك فئة أكاديمية تعالت أصواتها بالتحذيرات من هذه الظاهرة.

 

تماماً كما جاء في حديث أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز الدكتور محمود البكاري لـ"الموقع بوست": بأن التسول يعد ظاهره اجتماعية خطيره تهدد استقرار وتماسك وتطور المجتمع كونها تعمل على هدر طاقات المجتمع البشرية إذ أنها تحول شريحه من الناس إلى عاطلين عن العمل والإنتاج، وتكتفي بما تحصل عليه من مساعدات.

 

 امتهان للكرامة الإنسانية

 

ويتابع الدكتور البكاري في حديثه: كما أن ظاهرة التسول تتعارض مع الكرامة الإنسانية فاليد العليا هي خيرا من اليد السفلى، فالمتسول يتعرض للإهانات من مختلف الفئات الاجتماعية.

 

وهناك من أدمن على مهنة التسول كونها مربحة وليس مكلفه أو مجهده ذهنيا أو جسدياً لدرجة أن البعض لديه إمكانيات مادية مناسبة، ومع ذلك يظل يتسول من الآخرين.

 

ويجب على الدولة أن تقوم بدراسة هذه الظاهرة وأبعادها وإيجاد الحلول والمعالجات اللازمة لها.

 

وتبقى ظاهرة التسول حاضرة مالم تتم الإجراءات اللازمة للحد من انتشارها، اجراءات مرهونة بتحسن الأوضاع المعيشية الصعبة وانتهاء الحرب في البلاد، وتطبيق القوانين اللازمة للحد منها.

 

وفي اليمن الذي يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم بحسب الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها، يعيش الملايين من اليمنيين في أوضاع صعبة، ونسبة كبيرة منهم لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم من الغذاء والدواء ولو ليوم واحد، بحسب تلك التقديرات.


التعليقات