الحصاد في ريف تعز .. عُرس الخير ومهاجل سنوية خالدة (تقرير)
- أكرم ياسين السبت, 19 نوفمبر, 2022 - 06:26 مساءً
الحصاد في ريف تعز .. عُرس الخير ومهاجل سنوية خالدة (تقرير)

[ موسم حصاد الزراعة في ريف تعز ]

إنه تشرين الحصاد في ريف محافظة تعز (جنوب غرب اليمن)، يجمع المزارعون محاصيلهم الزراعية مختتمين موسمهم الزراعي الذي امتد طيلة ستة أشهر، تبدأ في مايو/ أيار أو "مَبكر" كما يسميه المزارعين.

 

تعد أيام الحصاد بمثابة عُرس زراعي يتغير فيه النظام الأسري للمُزارع بشكل كامل، فالجميع رجالاً ونساء وأطفالاً يذهبون إلى حقولهم من ساعات الصباح الأولى مصطحبين معهم أدوات الحصاد، مرددين مهاجل الحصاد التي يحفظونها عن ظهر قلب وتوارثوها عن آبائهم كما ورثوا عشقهم للزراعة وفنونها.

 

يقول: المزارع عبدالعزيز محمد (52)عاماً إن "أيام الحصاد في بداية "السابع" وهو ميقات زراعي يصادف بداية العشر الأولى من نوفمبر/ تشرين ثاني، ولهذا التوقيت مقولة شهيرة يتداولها المزارعون تقول:(عشرين في تشرين والشريم بالوادي)"، ينطقونها عشرين متغاضين عن الخطأ النحوي لتسهل العبارة على اللسان، كما أن التاريخ الزراعي يتداخل مع التاريخ الميلادي، فشهر تشرين أول زراعياً يبدأ في 14 أكتوبر.

 

 

في حديثه لـ"الموقع بوست" يشير عبدالعزيز إلى أن المزارعين يبدؤون موسم الحصاد بشوق وفرح، تملأ وجوههم تعابير الرضا والقناعة والشكر لله تعالى، وفي صبيحة عشرين من تشرين الأول يتجه المزارعون وجميع أفراد أسرهم منذ ساعات الصباح الاولى لحصد وجمع ما جادت به حقولهم الزراعية من محاصيل والتي تتكون من محاصيل "الغَرِبة والدُخن والذرة" ولا يعودون إلى منازلهم إلا مع حلول الليل".

 

خير ومهاجل

 

في ذات السياق يعبر المزارع سعيد أحمد (56 عاماً) عن فرحته كغيره من المزارعين بقدوم أيام الحصاد قائلاً: "أيام الحصاد هي أيام فرح بالنسبة للمزارع ففيها تبادله أرضه حبه واهتمامه بها طيلة ستة أشهر بخير الوفاء الوفير، فتجد الناس في هذه الايام يغادرون منازلهم ويؤجلون أعمالهم ويشمرون عن سواعدهم لحصد محصول خير أرضهم ترتسم على وجوههم تعابير المسرة والرضا مرددين المهاجل الخاصة بعملية الحصاد".

 

 

يضيف سعيد في تصريح لـ "الموقع بوست" أن مهاجل الحصاد تنقسم إلى قسمين مهاجل صباحية تتحدث أغلب عباراتها عن خصوصية أيام الحصاد ومكانتها في نفوسهم وحالة رضاهم وامتنانهم للمولى سبحانه وتعالى ومن تلك المهاجل الصباحية التي ورثها المزارعون عن آبائهم وأجدادهم:

 

الحمد والشكر لله دائم

قاصربوا الدخن والذرة قائم

الخير لأهله يدوم دائم

ياليت لي الخير يدوم دائم

اليوم ما ترقد إلا البهائم

 

المهجل الأخير وفقاً للمزارع "سعيد" الذي كان يتحدث إلينا وعيناه تتابعان العُمال الأربعة الذين يقومون بعملية الحصاد أو (النصيد) كما يسمونها هنا في حقلة يدل على مكانة وخصوصية أيام الحصاد في نفوس المزارعين الذين يتوجب عليهم التخلي عن الكثير من عاداتهم اليومية ومنها النوم حتى ساعات متأخرة من النهار، ففي هذه الأيام يجب ترك النوم للبهائم كما يقول: المهجل".

 

مهاجل المساء

 

ويردف "مهاجل الحصاد كثيرة، جميعها تحمل دلالات المكانة الغالية لموسم الحصاد لدى المزارعة ومنها مهاجل الحصاد الفترة المسائية التي تأخذ طابعاً تحفيزياً للحُصّاد الذين يكونون قد أخذوا قسطاً من الراحة في قيلولة الظهيرة لا تزيد عن ساعتين، تأتي مهاجل الفترة المسائية لحث الحُصّاد على مواصلة عملهم بذات الحماس والهِمة وأن لا يتركوا فرصة للتعب والإعياء أن ينال منهم ومن تلك المهاجل:

 

عانكم الله يا رجال الليل

الحُويل يا ولاد لا يبات الليل

 

وتعني أن لا يبقى المحصول في الحول هذه الليلة.

 

كل من رَوَاح وأنا باقي الليل

صُحبتي وأخي وابن عمي الليل

ناشره غابه عدا بحره الليل

 

ويقصد به عدم الاكتراث لمغيب الشمس.

 

 

امتلاء الحقول بالحُصّاد والمزارعين ونسائهم وأطفالهم وصخب المهاجل الجذلة وتعابير السرور التي تكتسي الوجوه لوحة غاية في الجمال يرسمها موسم الحصاد كل عام في ريف محافظة تعز.

 

يتم تعبئة المحصول في أكياس بلاستيكية كبيرة ونقلها على ظهور الحمير أو السيارات إلى مكان مخصص لها يسمى "المِجران" وهو حوش دائري مبني بالأحجار بإرتفاع لا يزيد على متر ونصف توضع على حافته أغصان شوكية لمنع الحيوانات من التسلل إلى داخله، أو وضعه على أسطح المنازل، بعد ذلك تبدأ مرحلة فرز أصناف المحصول كل صنف على حدة وتعريضه لأشعة الشمس لتجفيف ما تبقى من ماء في الحبوب أو رطوبة وتستمر هذه العملية من 10 إلى 15 يوماً.

 

ثم تأتي مرحلة مايسمى "اللّبِيج" وهي عملية نزع الحبوب من السنابل عن طريق ضربها بسيقان خشبية معقوفة من الوسط قليلاً.

 

بعد أن يتم نزع الحبوب تجري عملية عزل الحبوب عن الشوائب، وهذه العملية تسمى "الذليح" وتقوم بها النسوة في الغالب، حيث تقف إحداهن وبرأسها "أجب" وهو وعاء مصنوع من سعف النخل وتستخدم الأواني النحاسية والبلاستيكية في هذه العملية، حيث تقوم المرأة الواقفة بملء "الأجب" أو الإناء بالحبوب وسكبها في مواجهة الرياح على طربال فُرش في الارض، فيما تقوم المرأة الأخرى الجالسة بتنقية ما عجزت عن سحبه الرياح باستخدام مكنسة جديدة صُنعت من سعف النخيل.

 

 

وتكون هذه العملية هي آخر طقوس موسم الحصاد والموسم الزراعي، وبعدها يتم تعبئة الحبوب في البراميل المخصصة لها، استعداداً لطحنها وأكلها.

 

تتفاوت كمية  المحصول من عام إلى أخر بحسب انتظام الأمطار وغزارتها خلال الموسم الزراعي، غير أن المزارعين في ريف تعز وخصوصاً بعد ثمان سنوات من الحرب وارتفاع أسعار القمح المستورد عادوا للإهتمام بحقولهم وزراعتها بهمة ونشاط وقناعة وتعاون، يعيد لقصة عشق اليمني لأرضه بريقاً ناله الخفوت.


التعليقات