من المعيب أن يباع للرأي العام الوهم بأن المنطقة العسكرية الأولى في حضرموت “تابعة لحزب الإصلاح” بهدف شرعنة ضرب ما تبقى من مؤسسات الشرعية اليمنية، تلك الشرعية التي قادت السعودية تحالفا دوليا قالت إنها جاءت لنصرتها!.
الحقائق الميدانية والبنى القيادية والتمويلية والعملياتية تؤكد أن المنطقة العسكرية الأولى خاضعة للقرار السعودي قبل أي طرف آخر، تعيين القيادات يتم من قبل الرياض، التمويل يأتي من الرياض، والعمليات لا تتم إلا بضوء أخضر من الرياض؟.
هذه الحقيقة ليست تفصيلا، بل هي دليل إضافي على أن رواية “محاربة نفوذ الإصلاح” ليست سوى واجهة سياسية استخدمت لتصفية الجيش الوطني وتمزيق مؤسسات الدولة..
السعودية… من “دعم الشرعية” إلى تفكيكها
منذ اللحظة الأولى لتدخلها، تصرفت السعودية كما لو أنها تريد يمنا ضعيفا، مجزأ القرار، مستنزف القوى، لا يمنا مستقلا صاحب سيادة..
تشاركت الرياض وأبوظبي الأدوار بوضوح:
الإمارات تتولى الضربات المباشرة ضد القوى التي تخشاها السعودية أو لا تريد مواجهتها علناً—من الجيش الوطني إلى القوى المدنية ذات القاعدة الشعبية، والسعودية توفر الغطاء السياسي لهذه العمليات، وتتولى هندسة المشهد بما يضمن استمرار تمزيق المؤسسة العسكرية وخلق مراكز نفوذ متصارعة..
لقد تحولت الإمارات إلى اليد الباطشة، والسعودية إلى صانع القرار ومهندس التفكيك..
من يراجع الأحداث يكتشف أن التحالف لم يحم الشرعية، بل أضعفها، شل مؤسساتها، وصادر قرارها، حتى تحولت إلى سلطة مقيمة في المنفى بلا أدوات ولا جيش ولا مقدرات..
اليمنيون اليوم أمام مفترق تاريخي
الرهان على التحالف أثبت فشله، والاستمرار في الرهان يعني مزيدا من التآكل، مزيدا من التفكك، ومزيدا من الارتهان..
لقد آن لليمنيين، سلطة وشعبا وقوى سياسية ومجتمعية، أن يعلنوا بوضوح:
لم يعد هذا التحالف يمثل مصلحة اليمن ولا يعكس قرارات الأمم المتحدة التي يفترض أنه قام من أجل تنفيذها..
التحالف فشل في حماية الدولة، فشل في استعادة المؤسسات، وفشل في بناء جيش وطني محترف، بل إن وجوده أصبح جزءا من المشكلة لا جزءا من الحل!.
التوجه إلى المجتمع الدولي… خيار سيادي لا بديل له
اليمن دولة عضو في الأمم المتحدة، يحق لها—بل يجب عليها—أن تطالب المجتمع الدولي بتنفيذ قرارات مجلس الأمن المتعلقة باستعادة الدولة، وحماية المؤسسات الشرعية من العبث الإقليمي، وإنهاء التدخلات التي تضعف اليمن وتحوله إلى مناطق نفوذ..
هذه ليست دعوة للارتماء في أحضان أحد، بل دعوة لاستعادة القرار اليمني المستقل..
دور اليمنيين في أوروبا والولايات المتحدة، مسؤولية تاريخية
الجاليات اليمنية في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تملك اليوم أدوات ضغط حقيقية، وعليها مخاطبة البرلمانات ومراكز الأبحاث والمنظمات الحقوقية، وتنظيم حملات إعلامية وقانونية تكشف ما تعرضت له الدولة اليمنية من تدمير ممنهج على يد السعودية والإمارات والمطالبة بلجان تحقيق دولية مستقلة، والضغط لدفع الحكومات الغربية للقيام بواجبها تجاه قرارات الأمم المتحدة الخاصة باليمن..
إن الصوت اليمني في الخارج قادر على تحريك ملفات راكدة، وخلق رأي عام يعيد الاعتبار للقضية اليمنية باعتبارها قضية دولة تتعرض للتفكيك لا مجرد صراع محلي..
ختاما: اليمن لن ينهض بوصاية، ولن يستعيد سيادته بتحالفات مبتورة
اليمن اليوم بحاجة إلى تحالف مع القانون الدولي، مع الشرعية الدولية، مع مصالح شعبه لا مصالح الآخرين، وبحاجة إلى خطاب وطني صريح يقطع مع مرحلة “الرهان على الخارج” ويفتح بابا جديدا لاستعادة الدولة من خلال المؤسسات الدولية وحق الشعوب في تقرير مصيرها..
اليمن ليس ساحة تصفية حسابات، وليس ولاية تابعة لأي عاصمة، هو دولة، وشعب، وحق، ومصير يجب الدفاع عنه بلا تردد..