كيف نجحت تركيا باستمالة الجماهير للخروج ضد الانقلابيين؟
- عربي21 السبت, 23 يوليو, 2016 - 05:03 مساءً
كيف نجحت تركيا باستمالة الجماهير للخروج ضد الانقلابيين؟

[ مظاهرات ميدان تقسيم ضد الانقلاب العسكري الفاشل- أ ف ب ]

خرجت الجماهير التركية للمشاركة في إفشال محاولة الانقلاب، في 15 تموز/ يوليو، وكان لها دور رئيس في خروج تركيا من هذه الأزمة التي كادت أن تطيح بنظامها وديمقراطيتها، ونجحت السلطات في استمالة الجماهير الشعبية للنزول إلى الميادين العامة والشوارع والبقاء فيها حتى الانتهاء من "عملية التطهير" من الانقلابيين، كما وصفتها.
 
وكان لافتا استخدام السلطات وسائل متنوعة، لا سيما في العاصمة أنقرة وإسطنبول، في حث الناس على البقاء في الميادين استجابة لمطلب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من بينها استخدام وسائل الاتصال الجماهيري والعلاقات العامة والدعاية واستخدام محفزات عدة، ورصدت "عربي21" أهمها:
 
مآذن المساجد
 
لعبت المساجد دورا رئيسا في تعبئة الآلاف من الناس وخروجهم إلى الشوارع للتصدي لمحاولة الانقلاب على الحكم وإرادتهم، وكان صوت الأذان والأدعية التي سمعتها الجماهير من مآذن المساجد محركا مؤثرا لهم للحشد والتفاعل السريع والفعّال.
 
وبقي الأذان حاضرا في الميادين العامة وفي المساجد بعد فشل الانقلاب، وظلت المآذن تدعو لضحايا الحادثة، وتحث الناس وتدعوهم لنصرة دولتهم، وتناولت خطب الجمعة في البلاد ما حصل، ودعا الخطباء دعاء مطولا "للشهداء والأمة".
 
يشار إلى أن الأذان في تركيا يرفع باللغة العربية، ولطالما كان مركز اهتمام الكثير من الشعراء والأدباء في التاريخ التركي حتى العصر الحديث.
 
مجانية المواصلات
 
طالب الرئيس أردوغان خلال الانقلاب وبعده، الشعب التركي، بالخروج إلى الشوارع والميادين العامة، والبقاء لمدة أسبوع كامل حتى فشل الانقلاب تماما، وأوضح أن الأمر ليس بالسهل، وأنه لا ينتهي خلال ساعات فقط.
 
ولتسهيل هذا الأمر وحثا للجماهير على الخروج، أصدرت الجهات المختصة في تركيا قرارا يقضي بركوب جميع المواطنين في تركيا لوسائل المواصلات العامة بالمجان، على أن تتحمل الحكومة التركية التكلفة كاملة، بحسب ما أكده مراسل "عربي21".
 
وأضاف أن المواصلات العامة لا تزال حتى اليوم مجانية، وأن البلديات أعلنت أن المواصلات ستظل كذلك حتى يوم الأحد المقبل، بعدما قامت بمد هذه الفترة ثلاث مرات مسبقا.
 
وشهدت المواصلات العامة، لا سيما في الفترات المسائية، ازدحاما شديدا وفق ما عايشه مراسل "عربي21" في إسطنبول، التي تضم أهم الميادين العامة، فقد خرج الآلاف في مظاهرات ومسيرات استجابة للحكومة التركية والرئاسة استنكارا لمحاولة الانقلاب. 
 
ومن اللافت أيضا عرض صور ضحايا الانقلاب داخل القطارات وفي المواصلات العامة في تركيا.
 
رسائل نصية من أردوغان ومواقع التواصل

 
تفاجأ الشعب التركي برسائل نصية تصل هواتفهم المحمولة باسم رجب طيب أردوغان، فقد وصلتهم رسالتان نصيتان من الرئيس التركي، جاءت أولهما بعد يوم من الانقلاب الفاشل، في 16 تموز/ يوليو.
 
ومما جاء في الرسالة التي وصل نصها "عربي21": "أيها الشعب التركي العظيم.. هذه حركة ضد الشعب من مجموعة صغيرة ظنت نفسها وكأنها تعيش في السبعينيات فقامت بالاستيلاء على مدرعات وأسلحة للدولة.. يا أيها الشعب التركي الشريف دافع عن ديمقراطيتك وأمنك.. شكرا لكم.. رجب طيب أردوغان".
 
وفي رسالة أخرى في 21 تموز/ يوليو، أرسل أردوغان:
 
"شعبي العزيز، لا تتخل عن المقاومة البطولية التي برهنت عليها لبلدك ووطنك وعلمك.. الساحات ليست ملكا للدبابات بل للأمة".
 
ولا يشكك اليوم أحد في الدور المهم الذي لعبته مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاتصال الحديثة في وقف الانقلاب المسلح في تركيا، لا سيما مع استخدام الرئيس التركي مكالمة "FaceTime" فور إعلان الانقلاب، ليطلب من شعبه الخروج، وهو ما سبب إفشال المحاولة الانقلابية.
 
الدعايات في الشوارع
 
استيقظ الأتراك في الأيام التي تلت الانقلاب، ليشهدوا أن الشوارع والأرصفة قد ملأتها دعايات تدعو الأمة التركية إلى التمسك بالسلام وخيارها الديمقراطي، وتحوي شعارات دعائية وكلاما للرئيس التركي ترجمته "عربي21".
 
وبذلك، يلاحظ أن السلطات التركية استخدمت أسلوب التكرار والتأكيد، لتقود وعيهم في الوقت الحالي، وهو ما يجري استخدامه في الانتخابات حول العالم على اختلافها.
 
ولقيت الدعاية الواسعة استحسانا لدى الأتراك، ووجدت تجاوبا اتضح من خلال خروج الآلاف استجابة للدعوات بالخروج، وترديدهم شعارات كتبت على اللوحات الدعائية.

 
شخصيات عامة صاحبة تأثير
 
وكما أنها تميل شركات الدعاية المحلية والعالمية إلى التسويق لمنتجاتها باستخدام الفنانين والرياضيين، فقد وجدت الساحات المناهضة للانقلاب في تركيا التي أعدتها الجهات الرسمية، قادة الرأي وشخصيات عامة، منها فنانون، في مقدمة المشاركين، وهم يدعون إلى دعم البلاد وقيادتها، والتمسك بخيارها.
 
وكان واضحا مشاركة الرئيس التركي السابق، عبد الله غول، في المظاهرات، وتشييع ضحايا الانقلاب في إسطنبول، بالإضافة إلى رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، رغم الخلافات العلنية الأخيرة مع الرئاسة، التي دفعته إلى الاستقالة.
 
وتحمست الجماهير التركية عندما رأت الفنان التركي الشهير نجاتي شاشماز، إذ شاهده الأتراك في فعاليات عديدة عقب محاولة الانقلاب الفاشلة، وتوجه في أحدها إلى الشعب التركي بكلمة في إسطنبول، قال فيها إن مسلسل وادي الذئاب الذي يعد من بين المسلسات الأكثر شهرة في تركيا، وأطولها، يثبت مع الوقت أنه حقيقي.
 
وقال عن الانقلابيين وأتباع "الكيان الموازي" في تركيا، وفق ما ترجمته "عربي21": "هؤلاء.. لقد ظهروا على أنهم محبين للناس، وخدعوا الكثير منهم باسم الله، ولكننا اليوم رأينا وجههم الحقيقي".
 
وتابع بعد هتافات وصيحات الجمهور المتفاعل مع كلمته، قائلا: "وادي الذئاب سيدخل عامه الـ14، لقد حاولنا شرح هذه الحقيقة طوال السنوات الماضية، أن مسلسلنا يحتوي على حقائق كثيرة، وما يشبه الحقائق، مع أننا كتبنا في بداية مسلسنا أن هذه الحقائق هي وقائع خيالية، ولكننا اليوم رأينا أنها حقيقية".
 
الخطب والظهور العلني والمقابلات
 
ظهر أردوغان في مناسبات عديدة بعد الانقلاب الفاشل في إسطنبول وأنقرة، وحرص على أن يكون بين الشعب التركي، وسعى لخلق صورة ذهنية إيجابية لديه، واهتم بالتواصل معه، وشارك في تشييع ضحايا الانقلاب.
 
ومن بين العبارات والشعارت التي قالها أردوغان في خطبه العديدة: "نحن لا ننحني لغير الله".. وأصر على استخدام مصطلح "الكيان الموازي" لوصف الجهة التي يتهمها بالوقوف خلف الانقلاب بقيادة فتح الله غولن، وقال: "لن نسمح بدولة داخل دولة".
 
واهتم أردوغان كذلك بالظهور الإعلامي، لا سيما في المقابلات التلفزيونة والصحفية الأجنبية. ووفق ما تابعته "عربي21"، فقد ظهر على شاشات متلفزة أبرزها "سي أن أن ترك" و"الجزيرة" ووكالتا "رويترز" و"سي أن أن" الأمريكية، إلى جانب غيرها من المقابلات الصحفية التي أجراها المسؤولون على اختلافهم في الحقائب الوزارية ورئاسة الحكومة.
 
الميادين العامة وتوفير الأمن
 
طلب الرئيس التركي من المواطنين بقاءهم في الميادين والشوارع خلال الأسبوع الذي شهد الانقلاب الفاشل.
 
وقال أردوغان أثناء مشاركته في تشييع عدد من ضحايا محاولة الانقلاب العسكري في جامع الفاتح في إسطنبول: "هذا الأسبوع بالذات يعد مهما للغاية، لن نغادر الميادين، فأنتم من ستملأونها، وسنواصل طريقنا بشكل حازم".
 
وشهدت الميادين العامة حضورا قويا للمستجيبين من كافة أطياف الشعب التركي. ووفقا لما شهده مراسل "عربي21"، فقد شهدت الشوارع والميادين تواجدا للأمن التركي لحمايتها، وتوفير الحس الأمني لها، دون إعاقتها.
 
وقامت البلديات المختلفة وفق ما شهده مراسل "عربي21"، بتنظيم الميادين العامة وتجهيزها بالمعدات والأعلام التركية والمنصات والشاشات الضخمة، وتوفير الأجواء المناسبة للفعاليات الجماهيرية.
 
إلى جانب إضفاء نوع من الطابع والأجواء الاحتفالية، فرحا بفشل محاولة الانقلاب.
 
صانع صورة أردوغان
 
ومن ملامح اهتمام الرئيس التركي أردوغان بصورته العامة، اعتماده على مدير الحملات الإعلانية والدعائية، إرول أولجاك، الذي قتل في محاولة الانقلاب مع ابنه، عند جسر البوسفور، لدى تصديهما للعسكر الانقلابيين.
 
ويعدّ أولجاك صانع صورة أردوغان التي رآها العالم منذ أن كان رئيس بلدية إسطنبول حتى رئاسته الحكومة التركية، ووصولا إلى قصر تشانكايا رئيسا للدولة.
 
وأولجاك الذي شغل مستشاره الرئاسي وكانت مهمته أن يصنع الصورة الذهنية له زعيما وقائدا، فكان يحدد متى يظهر وكيف يظهر، وصف بأنه كان عبقريا نادرا في مجال عمله، باستخدام الحملات الإعلانية، ولقي مديحا كثيرا لدى متخصصين في مجال الدعاية والإعلان.

ولوحظت دموع حارة تنزل من أعين أردوغان على فقد "رفيق دربه" إرول أولجاك، كما وصفه هو.
 
 
 


التعليقات