عمار صالح رجل أبوظبي الخفي.. كيف تحول الساحل الغربي لليمن إلى مستعمرة إماراتية؟
- ملف خاص الخميس, 04 فبراير, 2021 - 03:44 مساءً
عمار صالح رجل أبوظبي الخفي.. كيف تحول الساحل الغربي لليمن إلى مستعمرة إماراتية؟

[ عمار محمد عبد الله صالح ]

أعادت عملية اغتيال مدير الأمن السياسي بمحافظة الحديدة، العميد إبراهيم علي الحرد، في 27 يناير 2021، إلى الواجهة الحالة الأمنية والعسكرية في الساحل الغربي الممتد من باب المندب جنوبا وحتى مديرية الخوخة شمالا، والخاضعة لهيمنة الإمارات عبر قوات حراس الجمهورية والمقاومة الوطنية التي يقودها العميد طارق محمد عبد الله صالح، فيما يتولى شقيقه عمار صالح، الوكيل السابق للأمن القومي، العمل الاستخباراتي.

 

وحملت عملية الاغتيال والتعذيب الوحشي الذي تعرض له العميد الحرد الذي وجد مقتولا في حي البريقة، قبل ساعات من مشاركته في تظاهرة حاشدة دعا إليها مجلس تهامة الوطني المناوئ للإمارات والمكونات التهامية الأخرى، رسائل تهديد للقيادات التي تنادي بتمكين أبناء الحديدة من القرار العسكري والإداري في المديريات المحررة، والتي باتت تحت الهيمنة العسكرية لقوات طارق صالح المدعوم من الإمارات.

 

وخلال سنوات الحرب الخمس، تم تصفية عدد من ضباط الأمن السياسي في الحديدة، من بينهم نائب مدير الأمن السياسي في المحافظة العقيد إسماعيل هيج في 16 أبريل 2015، وهبة الله الشراعي، وحسن عبد الله حنانة، وفراس العوامي، وعبد الرحمن الإرياني، وكلها اغتيالات لم يعرف من يقف وراءها، لكنها جاءت ضمن سلسلة لتصفية القيادات الأمنية التي رفضت العمل مع تحالف الحوثيين ونظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح.

 

من اغتال العميد الحرد؟

 

مصدر خاص أكد لـ"الموقع بوست" أن العميد الحرد تعرض قبل أسبوعين من اغتياله، للاحتجاز من قبل مليشيا الحزام الأمني في عدن لمدة 12 ساعة، وتم مصادرة سيارته وهاتفه المحمول، وهي مليشيا أمنية تدعمها الإمارات.

 

وأضاف المصدر أن الحرد أبلغ قبل أشهر من مقتله، بعض المقربين منه بتلقيه تهديدات مباشرة من وكيل جهاز الأمن القومي السابق العميد عمار صالح، الذي بات يدير العمليات الاستخباراتية للإمارات في الساحل الغربي عبر شعبة الاستخبارات العسكرية للمقاومة الوطنية.

 

وأوضح المصدر أن الحرد كان يعمل على افتتاح مقر لجهاز الأمن السياسي في مديرية الخوخة، وتمكن من أخذ موافقة الرئيس هادي ووزارة الداخلية في الحكومة الشرعية، وهو ما رفضه عمار صالح ومن ورائه الإمارات بشكل قاطع.

 

العميد إبراهيم علي الحرد

 

واعتبر قادة عسكريون وناشطون سياسيون في الحديدة، أن اغتيال الحرد يحمل رسالة واضحة لكل القيادات والمكونات التهامية التي باتت تنادي بتمكين أبناء الحديدة من مديرياتهم المحررة، وفي سياق تصفية كل من سيقف أمام مشروع تمكين الإمارات وقوات طارق صالح من المنطقة المطلة على البحر الأحمر.

 

تفكيك وتصفية المقاومة التهامية

 

ومنذ وقت مبكر، عملت الإمارات على تفكيك الألوية العسكرية للمقاومة التهامية، التي نجحت في تحرير مديرية الخوخة أولى مديريات الحديدة في ديسمبر من العام 2017، بعد أن رفض عدد من القيادات العسكرية للمقاومة التهامية الضغوط الإماراتية للعمل تحت قيادة طارق صالح وشقيقه عمار صالح اللذين كانا يشاركان في الحرب إلى جانب الحوثيين حتى نهاية 2017.

 

وفي أبريل من العام 2018، كان أول ظهور إعلامي لطارق صالح وقواته في مدينة المخا، عبر مقطع مصور بثته الوكالة الإماراتية "وام".

 

وبعد أشهر من وصول طارق صالح إلى الساحل، تمت تصفية القيادي في المقاومة التهامية حسن دوبلة، في مايو 2018، بحادث مدبّر وغامض بالقرب من مدينة الخوخة، ثم جردت الإمارات المقاومة التهامية التي كان يقودها القيادي عبد الرحمن حجري والعميد أحمد الكوكباني، من أسلحتها الثقيلة، وتم سحب المدرّعات والآليات العسكرية وقطعت الدعم اللوجيستي والمادي عن تلك الألوية، كما أوقفت صرف رواتب المئات من منتسبي اللواءين الأول والثاني في المقاومة التهامية، بسبب رفضهم الاندماج في إطار المقاومة الوطنية وحراس الجمهورية بقيادة طارق صالح.

 

ومع توقف معركة الحديدة في ديسمبر من العام 2018 بعد إعلان اتفاق ستوكهولم، شهدت المديريات المحررة في الحديدة والمخا مواجهات متكررة بين المقاومة التهامية والعمالقة وقوات طارق صالح، نتيجة الخلاف وحالة الاحتقان بين الفصائل العسكرية التي تنتمي لجغرافيات وإيدلوجيات مختلفة.

 

وأوكلت الإمارات مهمة استقطاب أفراد المقاومة التهامية الذين توقفت رواتبهم، لقوات العمالقة الجنوبية التي يقودها أبو زرعة المحرمي، وتم دمج 7000 عنصر من المقاومة التهامية، ضمن أربعة ألوية جديدة هي اللواء السابع عمالقة بقيادة علي كنيني، واللواء الثامن عمالقة بقيادة العميد محمد علي الصالحي، واللواء التاسع عمالقة بقيادة يحيى وحيش، واللواء العاشر عمالقة بقيادة عبد الرقيب الكلدي اليافعي.

 

وفي مارس من العام 2018، أصدر الرئيس هادي قرارا بتعيين اللواء عمر يحيى سجاف قائدا لمحور الحديدة العسكري، لكن هذا القرار الجمهوري لم يرَ النور، وتم منع اللواء سجاف من الوصول إلى الحديدة التي ينتمي إليها، بمبرر أن سجاف الذي كان يقود المنطقة العسكرية الخامسة في ميدي، من القيادات العسكرية الموالية للرئيس هادي ونائبه علي محسن صالح.

 

قوات الأمن الخاصة في محافظة الحديدة والتي يقودها العميد صادق عطية، تعد القوة الأمنية الوحيدة في الساحل الغربي التي تتبع وزارة الداخلية في الحكومة الشرعية وتم إنشاؤها في أكتوبر من العام 2018، خلال إدارة الوزير أحمد الميسري، لكن هذه القوة التي اتخذت من معكسر أبي موسى في الخوخة مقرا لها، هي الأخرى لم يتم تمكينها من تأمين المدن والمديريات المحررة وتم إقصاؤها وتهميشها بشكل كامل.

 

مستعمرة الساحل الغربي

 

كل تلك التحركات العسكرية كانت تأتي ضمن مشروع سياسي يطمح عمار صالح وشقيقه طارق إلى تحقيقه بدعم من الإمارات، عبر تأمين السيطرة على بقعة جغرافية خاصة يطلق عليها اسم محافظة الساحل الغربي وعاصمتها مديرية المخا، التي يديرها القيادي الموالي لطارق صالح، عبد الرحيم الفتيح، بقرار من المحافظ نبيل شمسان، منذ ديسمبر 2019.

 

وبحسب المخطط تتكون هذه المحافظة من المديريات الجنوبية للحديدة والمديريات الغربية الجنوبية لتعز، وهو ما أكده عضو مجلس النواب اليمني محمد أحمد ورق، في نوفمبر 2020، وقائد محور تعز اللواء خالد فاضل، الذي حذر من أي طموح سياسي للفصائل العسكرية في الساحل، خلال خطاب في المؤتمر السنوي الختامي للعام التدريبي والقتالي في ديسمبر 2019.

 

ولتكريس هذا المشروع تم في يناير 2020 إنشاء مدينة 2 ديسمبر السكنية في المخا بدعم وتمويل الإمارات، لتوطين قادة وجنود قوات طارق صالح، وهو مشروع أكد توجه تلك القوات إلى الإقامة الدائمة في الساحل الغربي وإحداث تغيير ديموغرافي، ومعها تتبخر شعارات تحرير الحديدة من الحوثيين.

 

لكن هذه المستعمرة التي يتم تشكيلها والمطلة على البحر الأحمر، لن تكون لإعادة إنتاج النظام القديم المتمثل بعائلة عفاش فحسب، بل لتعزيز الوجود العسكري للإمارات على البحر الأحمر الممر الدولي الهام، والذي سيمكن أبوظبي من توسيع نفوذها في اليمن والمنطقة، بدعم غربي لا محدود خصوصا مع تطبيع أبوظبي علاقتها مع إسرائيل، لتتحول الإمارات إلى وكيل المنطقة وتتمكن من تحجيم نفوذ السعودية التي باتت تتلاعب الإمارات بسياساتها.

 

التقاء المصالح

 

ويرى الناشط السياسي وديع عطا، أن الإمارات لم تجد أفضل من عائلة الرئيس السابق لتعتمد عليهم في تنفيذ أجندتها في الساحل التهامي، أسوة بما يقوم به نظراؤهم من عصابات المجلس الانتقالي في الجنوب، مشيرا أن ثمة مشتركات قد تجمعهم من قبيل العداء لثورة فبراير الشبابية الشعبية التي أسقطت حلم التوريث في أسرة صالح، أو العداء لحزب الإصلاح فضلاً عن الأهداف الخاصة لكل منهما.

 

ويؤكد عطا في حديث لـ"الموقع بوست" أن الإمارات تطمح لتعزيز نفوذها، وبقايا أسرة عفاش تحلم بالعودة للحكم تحت لافتات الجمهورية والوطن الذي خانوه أصلاً بالتحالف مع جماعة الحوثي الإرهابية.

 

وأضاف أن عمار صالح يقدم من واقع خبرته في الأمن القومي خدمات جليلة لنظام أبوظبي،  باستهدافه لكل من يعارض مشروع التفكيك في الساحل التهامي (الغربي)، مشيرا أن مليشيا طارق وعمار ترتكب جرائم سياسية وإنسانية بحق المعارضين أو من يحتمل معارضتهم لمشروع النفوذ العفاشي الإماراتي من أحرار تهامة.

 

واعتبر عطا، الذي ينتمي إلى منطقة الساحل الغربي، أن استهداف مدير جهاز الأمن السياسي لمحافظة الحديدة العميد إبراهيم حرد يأتي في سياق التخادم بين بني عفاش وعيال زايد، ويضيف: "لا أعتقد أنه سيكون الأخير طالما هناك من يبشر صراحة بتحالف قائم بين ما تسمى المقاومة الوطنية وبين المجلس الانتقالي، الأمر الذي سيجعل من كل حر في تهامة هدفاً مطلوباً وسهلاً إذا تجاوز دوائر الأمان الممكن في الخوخة إلى المخا ومن ثم العاصمة المؤقتة عدن، الأمر الذي يستدعي التساؤل عن جدوى وجود الحكومة وأجهزتها الأمنية في عدن ناهيك عن الساحل".

 

طريق العودة

 

وكان عمار صالح قد وصل إلى عدن، في يناير من العام 2018، على متن طائرة إماراتية برفقة نائب رئيس المجلس الانتقالي هاني بن بريك، بعد أسابيع فقط من وصول شقيقه طارق صالح إلى عدن بعد مغادرة صنعاء، عقب مقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح على يدي الحوثيين في الرابع من ديسمبر 2017.

 

وخلال فترة وجيزة بات عمار صالح يقود ما يسمى شعبة الاستخبارات العسكرية لقوات المقاومة الوطنية التي يقودها شقيقه طارق بدعم إماراتي، وبين فترة وأخرى تعلن هذه الشعبة الأمنية عن القبض على خلايا تتبع الحوثيين، وتحت غطاء هذا الجهاز يعمل عمار على تنفيذ عمليات اغتيال للقيادات المناهضة له وللقوات الإماراتية، وامتدت هذه العمليات في الساحل الغربي وعدن وتعز.

 

كما يدير عمار شبكة سجون سرية في الساحل الغربي لتعذيب الناشطين والإعلاميين وحتى العسكريين المناهضين للإمارات أو لقوات طارق صالح، أبرزها سجن معسكر أبي موسى في الخوخة، وسجون الشؤون القانونية في المخا، وكان من أبرز المحتجزين في تلك السجون مدير مديرية الخوخة محمد يحيى أبوتميم الذي كان أحد قادة تحرير مدينة الخوخة.

 

ويحضر عمار صالح كمتهم مع كل هجوم وعملية اغتيال في عدن أو مديريات الساحل في الحديدة وتعز، ووجهت اتهامات لعمار صالح من منشقين عنه وقيادات في المجلس الانتقالي، بتقديم الدعم اللوجستي للحوثيين لتنفيذ الهجوم على معسكر الجلاء القريب من مقر القيادة الإماراتية بالبريقة، في أغسطس 2019، والذي أدى إلى مقتل قائد ما يسمى اللواء الأول دعم وإسناد لمليشيا المجلس الانتقالي، منير اليافعي أبو اليمامة، والذي عرف بموقفه الرافض لوجود قوات طارق صالح في عدن، وكان قد هدد خلال عرض عسكري، في يوليو من العام 2018 ، بإخراج طارق صالح من الجنوب بعباية النساء.

 

حضرت الإمارات ومعها عمار صالح وكتائب أبو العباس كمتهمين أيضا في حادثة اغتيال قائد اللواء 35 مدرع العميد عدنان الحمادي، وما تلا ذلك من تمرد داخل اللواء والمعارك التي شهدتها مدينة التربة، واتضح جليا حينها دعم قوات طارق صالح لكتائب أبو العباس المدعوم إماراتيا والمصنف في قوائم الإرهاب الأمريكية والخليجية، في مواجهة قوات الجيش الوطني التابعة لمحور تعز العسكري، ويعد الحمادي أحد أوائل القادة العسكريين الذين واجهوا قوات طارق صالح والحوثيين بعد الانقلاب المسلح واندلاع الحرب في سبتمبر من العام 2014.

 

عمار صالح

 

وبالعودة إلى الوراء للقراءة في مسيرة ذراع الإمارات الاستخباراتية عمار صالح، فقد عين الرجل وكيلا لقطاع الأمن الخارجي في جهاز الأمن القومي منذ إنشائه في العام 2002، برئاسة علي محمد الآنسي، إلا أن عمار صالح كان هو الرئيس الفعلي للجهاز حتى تمت إقالته بقرار رئاسي أصدره الرئيس عبد ربه منصور هادي، في مايو 2012، في أعقاب التفجير الانتحاري الذي استهدف جنود وأفراد الأمن المركزي المشاركين في تدريبات عرض عسكري بميدان السبعين بالعاصمة صنعاء.

 

وفي أبريل 2013، عيّن الرئيس هادي عمار محمد عبد الله صالح ملحقًا عسكريًا في سفارة اليمن لدى إثيوبيا، ضمن حزمة قرارات شملت تعيين العميد طارق محمد عبد الله صالح ملحقاً عسكريا في سفارة اليمن لدى ألمانيا، ونجل الرئيس السابق أحمد علي عبد الله صالح سفيرًا في دولة الإمارات.

 

وفي يونيو من العام 2015، أقال الرئيس هادي عمار صالح من مهامه ملحقا عسكريا في إثيوبيا وأحاله للمحاكمة العسكرية، ضمن سلسلة قرارات أصدرها الرئيس هادي بعد بدء عاصفة الحزم في 26 مارس 2015، واستهدفت عددا من كبار القادة العسكريين المتورطين في عملية انقلاب جماعة الحوثي والرئيس السابق، في سبتمبر 2014.

 

وبعد أيام من قرار إقالته، غادر عمار صالح العاصمة الإثيوبية أديس أبابا إلى الإمارات، بالتزامن مع بث شبكة الجزيرة تحقيقا استقصائيا كشف فيه هاني مجاهد الناشط السابق في فرع تنظيم القاعدة باليمن، أن عمار صالح تورط بممارسة مهام مزدوجة مع التنظيم الإرهابي، وقدم الدعم المادي واللوجستي لتنفيذ هجمات إرهابية ضد المصالح الغربية في اليمن، خلال فترة عمله وكيلا لجهاز الأمن القومي.


التعليقات