اليمنيون ومواقع التواصل الاجتماعي.. حضور مضطرب وسط استقطابات حادة (استطلاع)
- مبارك الباشا الإثنين, 13 ديسمبر, 2021 - 12:10 صباحاً
اليمنيون ومواقع التواصل الاجتماعي.. حضور مضطرب وسط استقطابات حادة (استطلاع)

[ وسائل التواصل الاجتماعي خلقت واقعا جديدا من الإعلام الحديث ]

يتزايد حضور اليمنيين في مواقع التواصل الاجتماعي يوما بعد آخر، وقد بات بمقدورهم التأثير في مسار أحداث وقضايا الواقع المختلفة بدرجة ما من خلال التفاعل معها على تلك المواقع، لا سيما فيسبوك الأكثر استخداما من قبل اليمنيين، بيد أن الخطاب اليمني فيها أضحى محل جدل واختلاف لدى شريحة واسعة من المراقبين الذين ينظرون للمحتوى المنشور بقليل من الرضى أحيانا وكثير من القلق والتوجس في أحايين أخرى.

 

في هذا الاستطلاع يتحدث عدد من الكتاب والناشطين الشباب لـ "الموقع بوست"، عن آرائهم في "خطاب اليمنيين على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك"، وقد غدا خطاب متصاعد، ولافت، وجدير بالاهتمام والدراسة.

 

ولوج مضطرب

 

البداية مع الكاتب والناقد خالد الضبيبي، الذي يرى أن مواقع التواصل الاجتماعي وفرت مساحة كبيرة من حرية التعبير، تلقفها المجتمع اليمني بترحاب كغيره من شعوب العالم، واستغلها في الحضور والمشاركة وإنتاج أنواع متعددة من الخطاب الذي يتدفق بشكل هائل على شكل أفكار وآراء وتوجهات سلبية وإيجابية تساهم في تشكيل وعي معرفي عام بالأحداث والقضايا المطروقة.

 

يقول الضبيبي في تصريح لـ "الموقع بوست"، إن خطاب اليمنيين على مواقع التواصل الاجتماعي مر خلال العشر السنوات الماضية - وهي مدة ظهوره - بمراحل ومنعطفات كثيرة، لكنه ظل يتصاعد بشكل مقلق جدًا، فقد بدأ أولا يتشكل بنحو عشوائي قبل أن تتدخل توجهات لتسييره صوب مسارات بعينها. وفي المجمل يعتبر الضبيبي الحضور الكثيف لليمنيين على مواقع التواصل نوعا من ولوج نفق الأزمة.

 

وبقدر ما تتيح مواقع التواصل الاجتماعي للناس تمرير الرؤى والأفكار المتنوعة وتدفق الخطاب الإيجابي الذي يقدم أفكارا قيّمة ونافعة للمجتمع، فإنها تسمح أيضا بعبور الخطاب السلبي كحملات التحريض والكراهية وخطابات التفاهة التي تمارس وصايتها بدون وعي على المجتمع والتي تكون في الغالب ممولة ومدفوعة الثمن، وهو الأمر الذي يتخوّف منه الكاتب الضبيبي، ويعتبره خطرا على المجتمع.

 

اقرأ أيضا: حكاية أغنية.. صبوحة خطبها نصيب.. تاريخ من التطوير للحن والكلمة

 

لكنه يؤكد أن المجتمع اليمني بات واعيا لأنواع ومستويات الخطاب المتدفق في مواقع التواصل ويتعاطى معه وفقا لمقتضى حضوره، وبشأن مسار مواضيع الخطاب، يقول الضبيبي، إنها تنحو تارة باتجاه فكري، وتارة أخرى بمنحى سياسي، وفي مرة ثالثة تحضر بمنحى حقوقي، وأحيانا تتخذ أشكال هلاميا من تدوينات غير واضحة المعالم وثانوية التأثير، على أنها جزء مهم من بنية ذلك الخطاب، وفق تصريحه.

 

بعد ثورة 11 فبراير 2011 بات الخطاب جدليا يقول الضبيبي، بفعل تزايد حدة الاستقطابات السياسية وتفاقم أزمة الصراع، الأمر الذي يؤثر سلبا على وحدة المجتمع، ويسمح بعبور خطابات الكراهية بين الأطراف والتوجهات السياسية والاجتماعية، واتباع كل طرف لأساليب التعبئة وحشد المناصرين بغرض التصعيد وإثارة التعصب والحديث عن مسائل الخلاف، ورغم ذلك فإن للخطاب الفردي التلقائي حضور باق رغم بهوته.

 

تحذيرات وتوجس

 

ويتوجس الضبيبي من مساحة الحرية الكبيرة التي تتيحها مواقع التواصل الاجتماعي للجميع، والتي تسمح بتوسع نطاق الخطاب ومدى تأثيره سواء كان إيجابي أم سلبي، ويستشهد في ذلك بمستوى الخطاب وتأثيره على السلطة القضائية في قضية عبدالله الأغبري، حيث لعب الخطاب الافتراضي حينها دورًا محوريا ومؤثرًا في توجيه رؤية القضية صوب المسار الذي أراده، بشكل جعل القضاء في صنعاء يخضع لذلك الخطاب بغض النظر عن نوعه.

 

لكنه يرى أن خطاب الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي يغدو خطرا حينما يبلغ مستوى كبير من السطوة، فبقدر ما يمكنه التأثير لصالح القضايا العادلة بوسعه كذلك خلق تأثير سلبي يضر بالأشخاص أو المجتمع.

 

 

يحذر الضبيبي من مساحة الحرية الكبيرة التي تتيحها مواقع التواصل للجمهور لإحداث تأثير ما في المجتمع، سواء كان سلبيا أم إيجابيا، خصوصا في ظل غياب الرقابة الإلكترونية التي تعمل على ضبط الخطاب السلبي وحماية المجتمع منه.

 

ويشير إلى أن اليمن لا يزال بعيدًا جدًا عن استيعاب فكرة الفضاء الافتراضي؛ لغياب الدولة وانخراطها في صراع طويل الأمد، الأمر الذي يعطل العمل المفترض لجهات الرقابة الرسمية التي كان يجب أن تتولى هذا الدور وتقوم ببلورة تشريعات تنظم هذا التفاعل، لكن الواقع هو غياب الرقابة التي يجب أن تضطلع بمهام محاسبة أي خطاب عدائي تجاه الفرد أو الأسرة أو المجتمع برمته، وفق تعبيره.

 

اقرأ أيضا: الحرب تضاعف معاناة الطلاب اليمنيين في المهجر (استطلاع)

 

ورغم تشديده على ضرورة تشكيل جهاز رقابة لمنع تغول الخطاب السلبي في المستقبل وإقرار تشريع متخصص من أجل حماية المجتمع، وأي نظام مدني قد يُمارَس ضده مثل تلك الانتهاكات، فإنه ينوّه بأن المطالبة بتشريع آلية مراقبة ومحاسبة يأتي من باب الحماية لا من باب الحجر على الأفكار والرؤى التي يجب أن تستمر بتدفقها، ولكن بشكل منظّم يحفظ المجتمع من الانتهاكات والتنمر والتحرش، ويحميه من الظواهر السلبية التي تعمد إلى تشويش الرؤى والتغرير بالمجتمع وخلق خطاب سلبي، لا يتوافق مع الضوابط الأخلاقية والمدنية والمساواة والعدالة وحقوق الإنسان.

 

حفلة تفاهة

 

أما الكاتب عبدالله شروح فيرى أن مواقع التواصل الاجتماعي في اليمن، أعطت الجميع دون مراعاة أية فوارق من أي نوع إمكانية الإفصاح عن أفكارهم وآرائهم حول أي حدث أو موقف، الأمر الذي تترتب عليه احتمالات كثيرة لحدوث أضرار مادية أو معنوية ضد أفراد أو كيانات.

 

وبشأن النشاط المحموم للجمهور اليمني للنشر في مواقع التواصل حول كل شيء، فيرى أنه أمر طبيعي، ويقول إن كل إنسان، مهما كان مستواه الثقافي والمعرفي، ومهما كان وضعه الاجتماعي، يجد في داخله ميلاً لأن يفصح عن رأيه في كل شيء يقع تحت طائلته، معتبرا الإفصاح من عدمه، فحواه وتوقيته، هو الأساس الذي يتحدد عليه مستوى نضج الفرد.

 

 

لكنه يصف المشهد اليمني العام في مواقع التواصل بـ "نوع من حفلة تفاهة ساحقة" بسبب مما يرى أنها ضحالة في الوعي الجمعي وبؤس اللحظة الراهنة التي تدفع بتأثير سلبي على اتزان الفرد واستقراره النفسي، وكذلك لما يبدو الواقع الراهن على نحو دائم من ضبابية والتباس.

 

ويعتبر شروح في تصريحه لـ "الموقع بوست"، الخطاب اليمني في مواقع التواصل إفصاحا عما غدا عليه اليمنيين من احتقان بسبب الحرب وتداعياتها، لافتا إلى أنه بؤس يدعو للسخرية أكثر منه للإشفاق والتعاطف، ويساوي في ذلك ما يبدو أحياناً من تناول منظّم من جهة ما لأحداث وقضايا، وما يأتي كنوع من التداعي الذاتي، وهو يعبر عن سخطه من ذلك الخطاب ورفضه له بالقول، "خطاب سطحي، عاطفي، لا مسؤول، لا يمتّ للنقد الواعي. والكل يندفع فيه بتأثير من الخواء والإحباط".

 

استهلاك مفرط

 

من جهته يرى الكاتب والناشط شهيم عبدالله أن الخطاب اليمني في فيسبوك لا يزال يتدفق في حالة من العشوائية واللا مسؤولية، ويفتقد للنزاهة الموضوعية في تناول قضايا الشأن العام، حيث يتم توظيف معظم القضايا لخدمة مصالح فئة محددة على حساب فئة أخرى.

 

ويفسر عبدالله في تصريح لـ "الموقع بوست" حالة الاندفاع الجماهيري للتعليق ونشر أي شيء حول قضايا الشأن العام، بكون الكثير ممن يملكون أدوات التأثير في صناعة الرأي العام يتناولون تلك القضايا بعينها لأغراض لا تخدمها بالضرورة، فهم يشيّعونها بصورة مكثفة، وهذا ما يدفع الجماهير للتأثر بها وإجراء تناولات مفرطة بشأنها، خصوصًا بعد عزوف معظم الصحفيين عن العمل الصحفي الذي يتناول القضايا بجدية ومسؤولية يفتقر لهما الخطاب في وسائل التواصل.

 

 

في السياق يشير الكاتب عبده تاج إلى أن الإمكانية الواسعة للنشر التي أتاحتها وسائل التواصل للجميع تسببت بتبعات كثيرة، من ضمنها التسّرع في إطلاق الأحكام وشيوع العاطفية في تناولات قضايا الشأن العام، وهو يجد، أن القضايا في الواقع الافتراضي اليمني تزداد تعقيداً وتشوّها بسبب من تأثيرات الحرب النفسية أو الأيديولوجية التي تتعرض لها في الفضاء المفتوح.

 

اقرأ أيضا: لاجئون يمنيون يروون فصولا من الجحيم عن تجاربهم بعدة دول (تحقيق)

 

ويرى تاج في تصريح لـ "الموقع بوست"، أن الأثر النفسي للحرب يدفع بالخطاب الجمعي إلى منحى آني وعاطفي، فيغدو وسيلة للتراشق والتحريض والاستقطاب وتبادل الاتهامات بين وجهات النظر تلك التي تقف على طرفي نقيض، مستثنيا من ذلك بعض حالات الخطاب، وهي ذلك النوع من الخطاب القيمي الهادف والمنظم.

 

أما فيما يتعلق بحالة الاندفاع الجماهيري للتعليق ونشر أي شيء حول القضايا التي تتحول إلى ترند، يشير تاج إلى وجود دراسات نفسية تثبت أن انجراف الفرد خلف رأي الجمهور يحدث في أغلب الحالات لمجرد أن ذلك الرأي سائد، وينطبق ذلك الأمر على الكثير من تناولات قضايا الترند، التي تحاك بشكل مسبق لتلامس وجدان الجمهور على نحو يضمن رواجها.

 

 

على أن ذلك لا يحدث في كل القضايا، وفق تاج الذي يرى أن هناك قضايا أخرى تتصدر لأنها مهمة بالفعل وتلامس المزاج الجمعي للناس، كالقضايا الجنائية الخطيرة والجديدة من نوعها في الساحة.

 

حقل استقطاب

 

أما الكاتب والناشط عبدالقادر زايد فيقول إن مواقع التواصل الاجتماعي باتت تلعب دوراً مهماً في صياغة وتشكيل الخطاب اليمني حيال مجمل القضايا التي تستجد في البلد، ويتدخل في أحايين كثيرة وبشكل مباشر بسبب من الضغط الهائل الذي يحدثه الجمهور بواسطته في التأثير بمجرى قضايا الشأن العام.

 

لكنه يرى في تصريح لـ "الموقع بوست" أن ذلك الخطاب يكون في حالات أخرى مضطرباً وعشوائيا ومناقضا لنفسه، نظراً لتدخل عوامل عديدة فيه كالاستقطابات السياسية والصراعات الأيديولوجية داخل الجمهور المتفاعل ذاته، مشيرا إلى أن نسبة التفاعل مع القضايا المطروقة تتباين وفق مزاج الجمهور المُخاطب بالقضية ومستواه المعرفي والفكري والثقافي وحالته النفسية والمزاجية.

 

 

وبشأن طابع الخطاب الذي يدور حول قضايا الشأن العام، فيرى زايد أنه يتخذ في الغالب منحى ساخط وانتقامي، نظراً لحالة الاختناق الحرجة التي يعيشها الشعب اليمني على كافة المستويات، الأمر الذي ينعكس على طريقة خطاب الناس وتفاعلهم مع القضايا والعالم من حولهم.

 

خطاب مؤدلج وموجه

 

من جهته يرى الكاتب محفوظ الشامي أن الخطاب في وسائل التواصل غير تلقائي، بل إنه مؤدلج وموّجه، لأن هناك - وفق تصريحه - مؤسسات تصنع مسار الرأي العام وتعمد إلى توظيفه بما يخدم مصالحها.

 

 ويتهم الشامي في حديثه لـ "الموقع بوست" الجمهور المتفاعل في مواقع التواصل الاجتماعي بالحث على الكراهية والعنصرية والعنف في أغلب الأحيان، مشيرا إلى أن ذلك يخدم أطراف النزاع التي تراهن على توسع انتشار هذه المفاهيم لإطالة أمد الحرب.

 

 

وبشأن حالة الاندفاع الجماهيري للنشر حول كل ما يُطرح من قضايا، فيقول إنها أحد مظاهر التحشيد والتعبئة التي تقف خلفها جهات لم يُسمّها، لكنه قال إنها تحاول التحكم باتجاهات الرأي العام اليمني لغرض خدمة مصالحها، مؤكدا أن نسبة كبيرة من ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي ضحايا للتجنيد غير المباشر التي تقف خلفه تلك الجهات.


التعليقات