[ مقبل نصر غالب - الموقع بوست ]
كانت العلاقة بيني وبين الشيخ سلطان البركاني قد توطدت، وكنت أدخل ديوانه العامر بالنواب والمشايخ، وقادة الأحزاب، وتتضمن نقاشات راقية في عمق القضايا والمشكلات عن معرفة واطلاع، فأخذتُ حريتي الكاملة في الشعر والنقد والنكت السياسية، حتى ضج بعض المخبرين المسؤولين، فقال لهم الشيخ ديموقراطية لازم نجسدها أولا في بيوتنا، وقام دكتور مخبر يطالب بقانون لحماية الزعيم من الهجوم الفكري والسياسي أسوة بالدول الملكية، قال البركاني معلقا: "خلي الناس تتكلم وتفضفض، وظهر الشيخ أوعى من الدكتور، وعنده أريحية في المواقف.
كان البركاني يواجه قيادات أحزاب اللقاء المشترك بشراسة في مجلس النواب، وفي الصحف، ثم يعزمهم غداء في بيته، فيحضرون جميعا، وقلتُ هذه هي الديمقراطية بكل معانيها.
قال الشيخ سلطان مستعد يوصلني إلى ديوان الرئيس، ويتحداني أقول أمامه كل ما قلت عنه في ديوان الشيخ، وقبلتُ التحدي، وانتظرته حتى وجد الوقت المناسب، اتصل بي، وذهبنا سويا إلى دار الرئاسة لأول مرة.
حديث في مقبل صالح
وفي يوم تخزينة الرئيس من عام 2008م دخلنا والديوان مملوء بالسياسيين، وزراء، ورجال الأعمال، والمشايخ، وبدأتُ التعارف مع الرئيس، واشرح له عن أعمالي وانجازاتي، قال عارفها كلها - عنده تقرير كامل عني قبل وصولي - فأسمعته شعرا ونثرا ونكت سياسية، فقال لي: ليش ما تتقاعد؟، فقلتُ له العقل والفكر لا يتقاعد، فالشيخ أحمد ياسين جنن إسرائيل وهو مقعد على كرسي، ولم يتقاعد من يحمل معك السلاح والحجارة، أما العقل مستحيل تقاعده، وفي الدول المتقدمة المستشارون كبار السن، بل ويترشحون للرئاسة أمثال ريجان وشارون.
علي عبدالله صالح
قال صالح: "أردتُ لك الخير، كي تكسب راتبين، راتب التقاعد، وراتب تعاقد، فقلتُ له: لو نفذتَ قانون التقاعد لتقاعد معظم المحيطين بك، وأنت كنتَ قائد لواء تعز، وأنا عادنا طالب في الثانوية العامة، لكن لا أريد منك شيئا، فقط اسمح لي أتكلم عن هموم الشعب، فقال: "خذ راحتك، فقلتُ له: "اريد مسبحة الأمان"، فقال: خذها.
فقلتُ شعرا:
يا دولة الأوباش والأوغاد
طال الطريق وضاع صوت الحادي
المستفيد من استفاد بحزبه
أو شيخه أو شلة الافساد
ذا سارق لا يرتجى أبعاده
من كثرة الاذناب والاسناد
وذا سارق من غير دعم هده
ومن السخافة سرقة الزهاد
وتدخل الشيخ سلطان لإيقاف الاسترسال، فقلتُ له قد معي المسبحة من الأخ الرئيس، فدعني أتحدث كلاما، وأقول للرئيس بعد حرب 1994م جمعت سرق الشمال وسرق الجنوب وشكلت دولتك، دولة سرق، ورميت كل كفاءة في الشارع، ورميت المخلصين في البيوت ومصير دولتك الفشل.
وواصلتُ بالقول: "الشعب الآن على فوهة بركان جاهز للانفجار بثورة في أي وقت، وما تركتَ له عنصرا نظيفا يقود الثورة، ومازال يبحث، وفتحتَ الباب للجماعات السياسية والقبلية تسترزق من كل الدول وتشتغل براحتها.
رد الرئيس صالح وقتها وقال: "كلها تحت المجهر، لا تخاف منها".
حاول صالح بعدها الخروج من الموضوع للحديث مع إسماعيل الوزير، والقاضي حمود الهتار حول القضاء، قلتُ وهل في دولتكم قضاء؟ القضاء هو الصميل، تجلس تشارع سنين على حقك المنهوب، فإذا صدر الحكم لصالحك من ينفذ الحكم؟ فإذا معك صميل جرى تنفيذه، أو ضاع حقك.
الحقيقة أن صدر الرئيس اتسع لي أربع ساعات، وتقبل مني كل نقد وهجوم كاسح بابتسامة عريضة، رغم (مطابزة) بعض المنافقين، فأحدهم سألني لماذا لم تكتب للرئيس قصيدة مدح؟ وقلتُ له: قد معه ألف منافق يمدحه وليس بحاجة لي".
سلطان البركاني
منافق اخر قال لي، مادام وأنت صحفي لماذا لا تكتب في صحيفة الميثاق؟ قلتٌ لا أحد يشتريها، قال الرئيس "نعينك رئيس تحرير الميثاق، أو قسم الدراسات في اللجنة الدائمة"، فقلتُ أنا تربوي، وأريد أن أخدم شعبا كاملا، وأنت تريد تقزيمي في خدمة حزب، قال صالح: خلاص شوفوا له عمل في التربية، فكان قرار وزير التربية والتعليم بتعييني مستشارا للوزارة في مجال التدريب والتأهيل، وبقيت بهذه الوظيفة حتى نهاية الخدمة.
نكات سياسية في حضرة صالح
من النكت السياسية التي رويتها للرئيس صالح حينها بشكل مباشر نكتة تقول إن الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر اتصل بك من جدة يطلعك على صيغة وثيقة التفاهم مع الجانب السعودي ويستأذنك في التوقيع، أو إبداء الرأي.
قال الشيخ: ألوه الأخ الرئيس؟
الرئيس: نعم نعم يا شيخ عبدالله.
الشيخ: بببببببب.
الرئيس: بيع بكما شتيت .
فضحك كل الحاضرين حتى عبدربه منصور هادي الذي كان متواجدا حينها ضمن جلسة المقيل.
وسردتُ له نكتة أخرى، تقول إن واحد في عدن حلم أن القيامة قامت، ذهب إلى الجنة ولم يجد اسمه في كشوفات الجنة، وذهب إلى النار ولم يجد اسمه في كشوفات النار، قال للملائكة أنا فين أروح، اجلس في الشارع؟ قالوا له اطلع صنعاء راجع؟
قال هذه عن المركزية الإدارية؟ قلتُ له نعم، وما عندنا إدارة أصلا، أصحابك يراقبون أي مؤسسة تنشط وتنجح، فيتضاربون عليها ويعطوك تقارير عن فساد الكفاءة، والصيت الإعلامي حتى يستولوا عليها، وعلى النجاح، وما عندهم قدرة على الاستمرار، فيتم إحباط المؤسسة وافشالها، وخرجتُ من دار الرئاسة بسلامة الله وحفظه.
في اليوم الثاني تجمع بعض الصحفيين عند بيتي، وطلبوا إجراء مقابلات، وكان السؤال المهم والخطير المتكرر هو ماذا أعطاك؟ كم صرف لك؟ ايش استفدت؟ كم حول لك؟ حينها أدركتُ مقدار بؤس هذا الشعب، وتعليق آماله على الرئيس يحل كل مشاكله، قلتُ صرف لي حق القهوة، فقال البعض: ما فيش سيارة ولا ملايين؟ قلت لستُ قاطع طريق يتقي شري بالكرم.
خطبة في الحديدة
في العام 2008م أيضا ألقيتُ محاضرة لخطباء المساجد من ست محافظات في مدينة الحديدة، بتكليف من حمود عباد وزير الأوقاف حينها، وتمحورت حول خطاب الوسطية، بمعنى الاعتدال، وعدم التعصب والتفريط، والوسطية، التي ليست تنازلات، بل هي أساس الأمة الوسط، التي لا تميل عن الحق والعدل والهدى ولا تفرط في شيء، بل إنها مثل درجة الحرارة ارتفاعها مشكلة، وانخفاضها مشكلة، مثل دقات القلب، ومثل درجة الضغط ودرجة السكر.
حمود الهتار
ثم عُين القاضي حمود الهتار وزيرا للأوقاف، وأصدر قرارا بتشكيل لجنة من العلماء لعمل منهجية للوعظ والإرشاد، ومنهج معهد الوعظ والإرشاد، وكان اسمي ضمن نخبة العلماء في هذا القرار، وقد اقترحت عليهم عمل نماذج خطب منبرية توزع على مساجد الريف، التي لازالت الخطابة فيها بالكتب الصفراء والخضراء، وبعضها تطور في الخطابة بكتاب الشيخ محمد بن سالم البيحاني، وينادي بإلغاء عطلة الأحد، وإقرار عطلة الجمعة، لأننا شعب مسلم وعلى بريطانيا أن تستجيب، وعلى الوزارة طباعة نماذج الخطب في كتاب يوزع عليهم كمقترح للخطابة على مدار السنة.
دراسة عن مستقبل التربية
في العام 2009م قدمتُ دراسة علمية عن مستقبل التربية في ظل العولمة لمركز منارات، وحاضرتُ بها في فعالية يوم الثلاثاء، وكان لها صدى في 12 صحيفة رسمية، وعشرة مواقع الكترونية وتعليقات غير عادية.
مقبل نصر خلال لقائه بصالح
حينها كنا في وزارة التربية مازلنا نتابع تنفيذ استراتيجيات التعليم، وندرس تقارير المتابعة والتقييم ومقترحات التطوير مع المانحين والمنفذين وممثلين من عدة مؤسسات وطنية معنية بتطور التعليم، وأنا أتصدى للمعايير المقلوبة التي تحاول بث خلاف على لا شيء.
مثقف أمريكي يتحدث عن دراسات أمريكية عن المرأة العربية والإسلامية ويصفها بضعيفة الشخصية، وينظر إليها المجتمع نظرة دونية، وأنها لا تستطيع تولي قيادة ولا إدارة، ومطلوب من التربويين تشجيعها ورفع روحها المعنوية.
قلتُ هذه الدراسات على أي اساس بنيت؟ ومقارنة بمن؟ إذا كانت أمريكا منذ تأسست حتى الآن لم تصل امرأة إلى رئاستها، والدول التقدمية الثورية حكمت سبعين عاما ولم تصل المرأة إلى قيادتها، ودول أوروبا مجتمعة باستثناء بريطانيا وألمانيا لم تصل المرأة إلى القيادة.
لكن في الدول الإسلامية وصلت المرأة إلى مراكز قيادية مثل بناظير بوتو في باكستان، وتشيلر في تركيا، وبنت سوهارتو في اندونيسيا.، فبموجب ماذا تقارن الدراسات الأمريكية؟ قال في أمريكا قانونا يحق لها، لكن مازال المجتمع الامريكي محافظ.
تكريم وزارة التربية
وفي عام 2010م كرمتني وزارة التربية والتعليم في يوم المعلم بشهادة تقدير موقعة من وزير التربية والتعليم الدكتور عبدالسلام الجوفي.
وكان هناك مؤتمر سنوي تربوي بين قيادات وزارة التربية والمحافظات، وقدمتُ فيها مقترح تطوير الامتحانات بشكل مطبوع وموزع على الحاضرين، ومقترح تطوير كتاب القراءة للصف الأول أساسي، يجمع بين الأصالة والمعاصرة، ودراسة نقدية لبحث تربوي تدعمه منظمة gtz الألمانية، وكذلك مقترح سياسة تعليمية جديدة حاضرتُ بها في مركز منارات، وقمتُ بتوزيع المقترح على خمسة وزراء ذوي العلاقة بالتعليم، كما حاضرتُ بها في منتدى صنعاء الثقافي الذي كان يتبع الأستاذ علي الحبيشي، وهو منتدى مقيل ينعقد كل يوم إثنين، ويحضره دكاترة من الجامعة، وأحيانا وزراء وسفراء، وكانت الخلافات السياسية تتواصل، ونحن على أبواب ثورة شعبية كما توقعت.
يتبع في الحلقة القادمة.
*خاص بالموقع بوست.
