[ مدرعات إماراتية في الساحل الغربي لليمن ]
رغم أن الاستعدادات لمعركة تحرير الحديدة بدأت قبل أكثر من ستة أشهر، إلا أن التراجع عن تحريرها للمرة الثانية، بذريعة إفساح المجال لمفاوضات الحل السلمي واستئناف جهود الإغاثة، يكشف إلى أي مدى يتعامل التحالف العربي والمجتمع الدولي باستهتار مع الأزمة اليمنية، وسط صمت مخزٍ من قبل السلطة اليمنية الشرعية.
ارتبطت معركة تحرير الحديدة مؤخرا بتطورات أخرى مرتبطة بالملف اليمني، مثل تراجع حدة الضغوط الغربية التي كانت تحول دون تحرير المدينة التي تمثل الشريان الرئيسي للحوثيين، وإعلان الأمم المتحدة تأجيل مفاوضات السلام اليمنية إلى نهاية العام الجاري، في وقت أبدت فيه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عزمها على إدراج جماعة الحوثي ضمن لائحة الإرهاب، بالتزامن مع تشديدها العقوبات على إيران، التي تمثل الداعم الرئيسي للحوثيين.
جاءت هذه التطورات لتكسر حالة الجمود في الأزمة اليمنية سياسيا وعسكريا بعد تعثر مشاورات "جنيف 3" جراء تعنت الحوثيين ورفضهم إرسال وفدهم إلى جنيف ووضعهم شروطا وعراقيل للانخراط في المشاورات التي تعثرت قبل أن تبدأ، كما أنها جاءت بعد أن تفاقمت حدة الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، وارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل كبير، وتردي الوضع المعيشي للمواطنين.
- استئناف معركة الحديدة
رغم أن معركة تحرير محافظة الحديدة بدأت منذ يونيو الماضي، إلا أنها تعثرت جراء الضغوط الدولية التي تبنتها دول كبرى تدعو للحل السلمي للأزمة اليمنية. ومع أن السلطة اليمنية الشرعية، وكذلك دول التحالف العربي، رحبت بدعوات الحل السلمي للأزمة، وأعلنت توقف معركة تحرير الحديدة لإفساح المجال للجهود الأممية لحل الأزمة اليمنية سلميا، لكن جماعة الحوثي عرقلت كل تلك الجهود، وافتعلت عدة شروط لتبرر تعمدها إفشال تلك المفاوضات.
ومنذ تحرير العاصمة المؤقتة عدن، بعد اندلاع عملية "عاصفة الحزم" ببضعة أشهر، ظلت مدينة الحديدة، بمينائها ومطارها، تمثل شوكة الميزان في الأزمة اليمنية، نظرا لموقعها الإستراتيجي، وكونها تمثل الشريان الرئيسي الذي يمد الحوثيين بأسباب البقاء، كتهريب السلاح، والسيطرة على تجارة الواردات، ونهب إيرادات الجمارك والضرائب، واستقبال المساعدات الدولية الإنسانية التي تدخل البلاد عبر ميناء الحديدة ويذهب معظمها لصالح الحوثيين، من خلال بيعها في السوق السوداء أو توزيعها على أتباعهم.
ومنذ بدء الجولة الأخيرة من معركة تحرير الحديدة، قبل أن تتوقف أو تخف وتيرتها، حققت قوات الجيش الوطني، بدعم وإسناد من التحالف العربي، انتصارات نوعية ومتسارعة ضد المليشيات الحوثية خلال أيام قليلة، رغم الاستعدادات العسكرية الكبيرة من قبل الحوثيين للمعركة، واتخاذهم من المدنيين دروعا بشرية، وزرع الألغام في الطرقات، والتظاهر بالصمود، واستمرار الحشد للمعركة، رغم علمهم بأنهم يخوضون معركة "صفرية"، وأنهم مهزومون لا محالة.
يدرك الجميع بأن الأزمة اليمنية لن تكون بعد تحرير الحديدة -في حال تم ذلك- كما كانت من قبل، خاصة أن هذه المعركة تزامنت مع تصعيد عسكري ضد مليشيات الحوثيين في عدة جبهات مهمة، مثل جبهة صعدة وجبهة دمت بالضالع، بهدف زيادة الضغط العسكري على الانقلابيين وإرباكهم وإنهاك قدراتهم العسكرية.
أضف إلى ذلك، أنه في حال خسارة الحوثيين لمدينة الحديدة، فإن ذلك سيتسبب في انهيارهم معنويا، إلى جانب خسارتهم اقتصاديا، وتوقف تهريب السلاح من إيران، بالإضافة إلى الخسائر البشرية والمادية الباهظة التي ستلحق بهم جراء شراسة المعركة هناك.
- تطورات متسارعة
تزامن استئناف معركة تحرير الحديدة مع تطورات أخرى كان من شأنها تضييق الخناق على الحوثيين، مثل العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على إيران، وعزم إدارة أوباما تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية، وتأجيل المفاوضات التي تتبناها الأمم المتحدة للسلام في اليمن إلى نهاية العام الجاري.
فالعقوبات الأمريكية على إيران من شأنها تقليص الدعم الإيراني للحوثيين، والمقصود هنا الدعم المالي، لأن الدعم العسكري، المتمثل في تهريب السلاح وإرسال الخبراء العسكريين إلى اليمن، سيكون مستحيلا بعد تحرير محافظة الحديدة، واستكمال السلطة الشرعية السيطرة على كل السواحل والموانئ اليمنية.
كما أن اعتزام الإدارة الأمريكية تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية من شأنه خلق المزيد من الضغط السياسي والدبلوماسي على إيران والحوثيين وبقية المليشيات الشيعية الإرهابية في المنطقة والموالية لإيران.
وقالت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية إن إدارة الرئيس دونالد ترامب تبحث تصنيف جماعة الحوثيين كتنظيم إرهابي، حسبما أفاد أشخاص مطلعون على المناقشات، وأوضحت الصحيفة أن التصنيف الإرهابي الذي سيضخ عنصرا جديدا لا يمكن التنبؤ به فى الجهود الدبلوماسية لبدء محادثات السلام، قد تم مناقشته بشكل متفرق منذ عام 2015، حسبما أفادت المصادر، لكن الأمر خضع للدراسة مجددا في الأشهر الأخيرة مع سعي البيت الأبيض لتبني موقف صارم من الجماعات التي لها صلة بإيران في الشرق الأوسط.
وأوضحت الصحيفة أن تصنيف الخارجية الأمريكية للحوثيين كجماعة إرهابية رسميا سيفرض مزيدا من العزلة على المتمردين الشيعة، إلا أن البعض يحذر من أن هذه الأزمة قد تفاقم من الوضع الإنساني السيء فى اليمن دون الاقتراب من إنهاء النزاع.
وقالت المصادر التي رفضت الكشف عن هويتها إن الإدارة تبحث مجموعة من التحركات الممكنة من بينها إجراءات أخف لمعاقبة المتمردين، لكنهم قالوا إنه لم يتم اتخاذ قرار فى هذا الشأن بعد. ولم يتضح فورا مدى تقدم المداولات المتعلقة بالتصنيف الإرهابي والتي تجريها وزارة الخارجية الأمريكية، بحسب صحيفة واشنطن بوست.
إلى ذلك، فإن إعلان الأمم المتحدة تأجيل مفاوضات السلام في اليمن إلى نهاية العام الجاري، يبدو وكأنه منح العمل العسكري فرصة لإحداث تقدم ميداني لصالح السلطة الشرعية يجبر الحوثيين على تقديم تنازلات تفضي إلى الحل السلمي للأزمة.
وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت، يوم 8 نوفمبر الجاري، تأجيل محادثات السلام التي كانت مقررة نهاية هذا الشهر بين أطراف الأزمة اليمنية إلى وقت لاحق نهاية العام الجاري، جاء ذلك في تصريحات إعلامية أدلى بها فرحان حق، نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة.
وقال حق: "لقد أسقط المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث خطته المتعلقة بعقد محادثات سلام حول اليمن قبل نهاية هذا الشهر"، وأضاف المتحدّث الأممي أن غريفيث "يأمل في جلب الأطراف المتحاربة (الحكومة اليمنية والحوثيين) إلى الطاولة قبل نهاية هذا العام".
لقد كان من شأن هذه التطورات المتسارعة للملفات المرتبطة بالأزمة اليمنية إحداث تحولات كبيرة في مسار الأزمة، خاصة أن ضراوة المعارك في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لجماعة الحوثي، وفي مدينة الحديدة، الشريان الرئيسي الذي يمد الحوثيين بأسباب البقاء، من شأنها إنهاك الحوثيين عسكريا، لكن توقف معركة تحرير الحديدة أصاب جميع مناوئي الانقلاب بالإحباط واليأس.