عدن 2019.. أحداث دموية ونزعات تشطير.. غابت الشرعية وحضرت قوات التحالف
- عدن - خاص الجمعة, 03 يناير, 2020 - 02:35 مساءً
عدن 2019.. أحداث دموية ونزعات تشطير.. غابت الشرعية وحضرت قوات التحالف

[ فريق سعودي في عدن ]

انقضى العام 2019 وقد تمكنت خلاله المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات من القضاء على الشرعية الدستورية في البلاد، وبشكل شبه كامل، وذلك تحت غطاء تحالف دعم الشرعية، الذي تدخل عسكرياً أواخر آذار/مارس من العام 2015؛ لأجل دعم الشرعية ومواجهة مليشيات الحوثيين الانقلابية، وهو ما لم يتم.

 

وظلت العاصمة المؤقتة عدن، منذ تحريرها من مليشيات الحوثيين في تموز/ يوليو من العام 2015، مسرحاً لأبرز الأحداث التي كشفت وفي وقت مبكر عن وجود خللٍ في العلاقة ما بين الحكومة الشرعية والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، وهو ما انعكس على أوضاع الناس وأحوالهم، وعكس نموذجاً سلبياً عن المحافظات المُحررة.

 

وشهدت المدينة خلال العام 2019، عشرات العمليات التي تبناها تنظيم داعش الإرهابي، فضلاً عن انتهاكات حقوق الإنسان التي تقف خلفها مليشيات المجلس الانتقالي الممولة إماراتياً، أما على صعيد الخدمات والرواتب فحال المدينة يبدو أفضل بكثير من باقي المحافظات.

 

ونتناول في هذا التقرير أبرز ما شهدته العاصمة المؤقتة عدن من أحداث، والتي تُشير إلى مدى تعقد الأوضاع في المدينة التي تحررت قبل نحو أربع سنوات، ولم تشهد خلالها أي جهود حقيقية للرفع من مستوى الخدمات في المدينة، بقدر ما شهدته من معارك ساخنة انتهت بسيطرة مليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من دولة الإمارات على المدينة، وطرد قوات الشرعية، وذلك بظل قبول ضمني للمملكة العربية السعودية.

 

البرلمان

 

منذ منتصف العام 2017، بدأت الشرعية التحرك من أجل استئناف مجلس النواب لعمله، بعد أن تم إعلان نقل مقره من صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن، لكن إعلان قرار النقل لم يتجاوزه للتنفيذ الفعلي.

 

وكان نائب رئيس مجلس النواب محمد الشدادي قد أعلن، في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2018، عن قرب انعقاد جلسات البرلمان في العاصمة المؤقتة عدن.

 

وتوالت تصريحات النائب الشدادي، وغيره من مسؤولي الحكومة أبرزهم وزير الدولة لشؤون مجلسي النواب والشورى محمد مقبل الحميري، لكنه لم تصدق أيًا من تلك التصريحات.

 

وبالتوازي مع تصريحات مسؤولي الحكومة، كانت قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي تؤكد في بياناتها، منذ مطلع العام 2019، بأنها لن تسمح بانعقاد جلسات البرلمان في العاصمة المؤقتة عدن.

 

وأعلن نائب رئيس المجلس الانتقالي هاني بن بريك في تغريدة له على حسابه في "تويتر" بتاريخ 8 أبريل/نيسان، رفضهم عقد جلسات البرلمان في المحافظات الجنوبية، واصفاً إياه ببرلمان الزور والكذب.

 

رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، عيدروس الزبيدي، هو الآخر تحدث في حوار له على قناة RT الروسية، عن رفضهم عقد جلسة لمجلس النواب في مدينة عدن.

 

وقال في حوار مع قناة "روسيا اليوم RT" بُثَّ في 24مارس/ آذار من العام 2019، إن الرئيس عبد ربه منصور هادي هو رئيس شرعي ولا خلاف عليه وسبق أن عاد لعدن، لكن عقد جلسة مجلس النواب بعدن التي تتخذها الحكومة الشرعية عاصمة مؤقتة للبلاد، سيحدث فوضى عارمة بسب الرفض الجنوبي لانعقاد المجلس.

 

وزعم الزبيدي أن الشعب الجنوبي مسيطر على أرضه وهناك ما وصفها بمحاولات إخوانية معروفة لتصدير الإرهاب إلى عدن وكل الجنوبيين مجمعين اليوم على استعادة الدولة الجنوبية وإعلام الإخوان يضخم الأحداث.

 

وبعد أشهر من الشد والجذب، ظهر المجلس الانتقالي الجنوبي ومن خلفه دولة الإمارات بمظهر المنتصر، كون قيادة الشرعية لم تستطع عقد أولى جلسات البرلمان في العاصمة المؤقتة عدن، بل عقدتها في مدينة سيئون بحضرموت، ولم تدم جلسات سيئون اليتيمة طويلاً، فقد توقفت بعد يومين من بدئها، وانتهت بانتخاب سلطان البركاني رئيساً للمجلس، على أن تُستأنف لاحقاً، وهو ما لم يتم.

 

وفي منتصف يونيو/حزيران اتهم مستشار رئيس الجمهورية ونائب رئيس مجلس النواب عبد العزيز جُباري التحالف (المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات) بعرقلة عودة رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان لعدن، وذلك في حوار تلفزيوني على قناة سهيل الفضائية.

 

ضربة العند

 

صبيحة العاشر من يناير/كانون الأول، كانت قاعدة العند الجوية الواقعة إلى الشمال من عدن بـ60 كيلومتراً، مع موعد لاستهداف بطائرة مسيرة أرسلتها مليشيات الحوثيين الانقلابية، لتستهدف منصة عرض عسكري كان فيها عشرات القادة العسكريين أبرزهم نائب رئيس هيئة الأركان العامة اللواء صالح الزنداني ورئيس هيئة الاستخبارات العسكرية اللواء محمد صالح طماح واللذين قضيا في الاستهداف، إلى جانب نحو 50 بين قتيل وجريح بينهم محافظ لحج وقائد محور العند وقادة آخرين.

 

وأثارت الحادثة حالة من الشكوك تجاه دور دولة الإمارات في الحادث، فهي مُسيطرة على القاعدة العسكرية وتُشرف على حمايتها، وتتخذ منها مقراً عسكرياً يتواجد فيه العشرات من ضباطها، وسبق أن صدت الدفاعات الجوية هناك عشرات الصواريخ التي ترسلها مليشيات الحوثيين بين الفينة والأخرى، لكن تلك الدفاعات لم تعمل حين كان الاستهداف يضرب منصة العرض وفيها العشرات من كبار القادة العسكريين الموالين للشرعية بينهم رئيس هيئة الأركان الفريق عبد الله النخعي.

 

وعقب الحادثة التي مثَّلت اختراقاً غير مسبوقٍ لميلشيات الحوثيين في المحافظات المحررة، لم تُشكل أي لجنة تحقيق من جانب الحكومة الشرعية، بينما التزمت عمليات التحالف العربي الصمت، بالرغم من كون القاعدة الجوية تقع تحت سيطرة وإدارة القوات الإماراتية.

 

تصريحات الميسري

 

كان نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية أحمد الميسري، أحد أبرز شخصيات العام 2019، فقد كان صاحب المبادرة من جانب الحكومة الشرعية، في وضع النقاط على الحروف، والاعتراف بوجود اختلال في علاقة تحالف دعم الشرعية بالحكومة الشرعية، وهو ما جعله الهدف الأول للطرف الآخر عند التمرد في مطلع أغسطس/آب من ذات العام.

 

وأواخر شهر فبراير، شن وزير الداخلية اليمني، أحمد الميسري، هجوماً عنيفا على التحالف العربي الذي تقوده السعودية، وقال إن هناك خللا في العلاقة مع الحكومة الشرعية، وذلك على هامش لقاء عقده مع دعاة ورجال دين في مدينة عدن.

 

وأكد الوزير الميسري وجود نزاع على السلطة الأمنية في عدن، واستدرك "لسنا المتحكمين بالمشهد الأمني وهناك من ينازعنا"، وهي إشارة  إلى المليشيات التابعة للإمارات.

 

وخلال كلمته في لقاء آخر رعاه الوزير مطلع مايو/آيار تحت شعار لقاء عدن التشاوري الأول، قال الميسري إن البرنامج المتفق عليه مع التحالف كان الزحف نحو الشمال لتحرير المناطق من سيطرة الحوثيين، وليس التوجه إلى الشرق، في إشارة إلى التواجد السعودي بمحافظة المهرة.

 

وأضاف الميسري أن الشراكة مع دول التحالف جاءت في إطار الحرب على الانقلابيين الحوثيين، ولم تكن شراكة في إدارة المحافظات المحررة.

 

وكانت تلك التصريحات بمثابة الفصل الأخير من الحرب الباردة بين الحكومة الشرعية من جهة ودولة الإمارات من جهة الأخرى، ومن خلفها المملكة العربية السعودية؛ كون النصف الآخر من العام 2019 شهد تحولاً في مسار المعركة وخروجها من إطار الحرب الباردة والتصريحات الإعلامية إلى الحرب العسكرية.

 

الخدمات والرواتب

 

وعلى صعيد الخدمات الأساسية والرواتب، تُعتبر العاصمة المؤقتة عدن أفضل حالاً من باقي المحافظات اليمنية، حيث ركزَّت الحكومة الشرعية جُلَّ اهتمامها على المدينة وإن كان على حساب باقي المحافظات.

 

وفي مطلع مارس/آذار من العام 2019 وصلت إلى ميناء الحاويات بالعاصمة المؤقتة عدن، توربينات محطة كهرباء عدن التي وقع على عقد توريدها رئيس الجمهورية، على أن تولد 264 ميجاوات، وهو ما سيمكن مؤسسة الكهرباء من تقديم الخدمة للمشتركين دون انقطاع فور إنجاز المشروع، كونه سيقضي على العجز القائم في توليد الكهرباء.

 

وفي جانب رواتب منتسبي المؤسستين العسكرية والأمنية، تسلم منتسبو المنطقة العسكرية الرابعة رواتبهم بانتظام نهاية كل شهر، على العكس مما يعايشه زملاؤهم في باقي المناطق العسكرية كالثالثة والأولى.

 

ففي المنطقة العسكرية الأولى لم يتسلم منتسبوها سوى خمسة رواتب منذ مطلع العام 2019، ولا يختلف حال باقي المناطق العسكرية كثيراً عما يعايشه منتسبو المنطقة العسكرية الأولى.

 

وعلى الرغم من أن المنطقة العسكرية الأولى، ومثلها الثالثة، تُعدان الذراع العسكرية الطولى للحكومة الشرعية، إلا أنها لم تلتزم بصرف رواتبهم كما تلتزم بصرف رواتب منتسبي المنطقة العسكرية الرابعة، حتى بعد أن أعلن قائدها اللواء فضل حسن التمرد وموالاة قيادة المجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً.

 

يُذكر أن أحداث تمرد مليشيات المجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً، تسببت في عرقلة انتظام صرف رواتب منتسبي الجيش والأمن في عدن لثلاثة أشهر، إلا أن تلك العرقلة لم تدم طويلاً، وباشرت الحكومة بصرف الرواتب المُعلقة تباعاً، ومن المتوقع أن تُصرف رواتب شهري نوفمبر وديسمبر خلال الأيام القليلة القادمة وذلك لمنتسبي المنطقة العسكرية الرابعة فقط.

 

انفجار أغسطس

 

مثَّل شهر أغسطس/آب من العام 2019، نقطة تحول فارقة في المشهد السياسي للبلاد وزاد من تعقيداته المعقدة أصلاً، فقد تمكن المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من دولة الإمارات، من السيطرة على العاصمة المؤقتة عدن، وطرد الحكومة الشرعية منها، وهو ما وصفته الحكومة الشرعية بالتمرد، وذلك تحت ضغط واضح من المملكة العربية السعودية لعدم توصيف ما حدث بالانقلاب.

 

وبدأت أحداث أغسطس، صبيحة يوم الخميس الموافق الأول من أغسطس، بانفجارين اثنين، أحدهما انتحاري استهدف قسم شرطة الشيخ عثمان، مُخلفاً 13 بين قتيل وجريح، فيما استهدف الآخر مُعسكر الجلاء بمديرية البريقة غربي المدينة بطائرة مُسيرة وكان ضحيته قائد اللواء الأول حزام أمني منير اليافعي ابو اليمامة ونحو 36 من أفراد المعسكر بين قتيل وجريح.

 

وبعد مقتل اليافعي وهو أحد أبرز قادة مليشيات المجلس الانتقالي التي شكلتها ومولتها دولة الإمارات، عمَّت مدينة عدن حالة من الفوضى العارمة، فقد نفذت مليشيات الانتقالي حملة ترحيل واعتداءات عشوائية على مئات المواطنين المُنتمين للمحافظات الشمالية، ومنعت دخولهم العاصمة المؤقتة عدن في خطوة لم تكن الأولى، فالمواطنون المنتمون للمحافظات الشمالية يتعرضون باستمرار لأعمال ابتزاز وأذى من قبل مليشيات المجلس الانتقالي المُسيطرة على منافذ عدن، حتى قبل أحداث تمرد أغسطس.

 

وأظهرت مقاطع فيديو التقطها مصورون كانوا قد حضروا لمُعسكر الجلاء لتغطية العرض العسكري، مدى ازدحام منصة العرض بعشرات القادة الموالين لدولة الإمارات وهم قيادات من الصف الأول والثاني في مليشياتها التي تمولها، لكن استهداف الطائرة المسيرة لم يحصد سوى منير اليافعي أبو اليمامة من بين الجميع، فقد نهض من مقعده بعد ورود اتصال تبين لاحقاً أنه من نائب رئيس المجلس الانتقالي هاني بن بريك، وما إن وصل لخلف المنصة حتى استهدفه التفجير وحوله لأشلاء.

 

وعقب التفجيرين بساعات، ظهر نائب رئيس المجلس الانتقالي والذراع الطولى للإمارات في عدن هاني بن بريك في بيان مصور، لم يُشر للحوثيين والذي أعلنوا تبنيهم استهداف معسكر الجلاء، فيما تبنى تنظيم داعش عملية استهداف قسم شرطة الشيخ عثمان.

 

وخاطب بن بريك مقاتلي المجلس بأن قيادة المجلس الانتقالي في حالة انعقاد دائم لمتابعة خلفيات الحادث ومن يقف وراءه.

 

وفي السادس من أغسطس، خرج هاني بن بريك مجدداً ليتحدث أمام الشاشة ولكن هذه المرة على قالب مؤتمر صحفي، اتهم فيه حزب الإصلاح والحوثيين بأنهم وبتنسيق مشترك يودون القضاء على القوات والقيادات الجنوبية، حد زعمه.

 

وزعم بن بريك أن الصاروخ الذي استهدف معسكر الجلاء انطلق من شمال غرب عدن.

 

وأشاو إلى أن قيام أبو اليمامة من المنصة كان لأجل استقبال قائد التحالف العميد الإماراتي راشد أبو محمد الذي وصل البوابة.

 

وفي السابع من أغسطس تم تشييع جثمان منير اليافعي إلى مقبرة القطيع المُلاصقة لمنطقة المعاشيق حيث يقع مقر الحكومة بمديرية كريتر، في خطوة استفزازية نجحت في إطلاق الشرارة الأولى للتوتر العسكري.

 

وتخلل تشييع جثمان اليافعي احتكاك بين مسلحي مليشيات الانتقالي المرافقين لمراسيم التشييع من جهة وأفراد اللواء الأول حماية رئاسية المُكلفين بتأمين مقر الحكومة في معاشيق من جهة أخرى، ما نتج عنه اندلاع مواجهات مسلحة توسعت تباعاً لتشمل باقي مديريات العاصمة المؤقتة عدن.

 

وفي مساء ذات اليوم، بثَّت قناة AIS التابعة للمجلس الانتقالي بياناً مصوراً أعلن فيه نائب رئيس المجلس الانتقالي هاني بن بريك النفير العام إلى قصر المعاشيق، وإسقاط الحكومة الشرعية التي سماها بحكومة الإرهاب الموالية لحزب الإصلاح.

 

وفي الثامن من أغسطس، كانت المدينة مسرحاً عسكرياً فقد دفعت الحكومة بكل ثقلها العسكري المتواضع، ورفعت ألوية الحماية الرئاسية الجاهزية القتالية، وانتشر كل لواء في مُحيط مُعسكره والمنطقة التي يقع فيها.

 

وشهدت المدينة معارك عنيفة شاركت فيها الدبابات واستخدمت خلالها الأسلحة المتوسطة، وقذائف المدفعية والهاون، وهو ما تسبب في حدوث خسائر في الأرواح والممتلكات لدى المدنيين، ووفق الأمم المتحدة فإن 40 شخصاً قُتلوا، وأصيب 260 آخرين في معارك عدن التي بدأت في السابع من أغسطس وانتهت في العاشر من ذات الشهر.

 

 ولم تستطع القوات الحكومية الصمود لأكثر من يومين أمام مليشيات المجلس الانتقالي المدعومة إماراتياً والمجهزة بأحدث الأسلحة والعربات المدرعة الأمريكية التي زودتهم بها دولة الإمارات، فقد تساقطت معسكرات القوات الحكومية تباعاً، انتهاءً بمعسكر اللواء الأول حماية رئاسية الواقع بمنطقة المعاشيق.

 

ولم تشترك ألوية المنطقة العسكرية الرابعة المتواجدة في العاصمة المؤقتة عدن في تلك المواجهات، فقد أعلن قائد المنطقة العسكرية الرابعة موالاته المجلس الانتقالي، وظهر في لقاء مع رئيس المجلس ونائبه بمقر المجلس بمديرية التواهي، عقب الانتهاء من السيطرة على العاصمة المؤقتة.

 

وتعرضت معسكرات الحماية الرئاسية والقوات المشاركة في مواجهة مليشيات الانتقالي، للنهب والسلب والتخريب، في حين اقتحمت منازل عشرات القادة العسكريين الموالين للشرعية، وبمقدمتهم وزير الداخلية أحمد الميسري.

 

وعقب إتمام سيطرة مليشيات المجلس الانتقالي على عدن، وسقوط كافة معسكرات الشرعية، عمَّ المدينة الفوضى، وسادت روح الانتقام من كل الموالين للحكومة الشرعية سواء أكانوا قادة عسكريين حيث اقتحمت منازلهم ونُهبت كل محتوياتها، أم مجرد مواطنين وجنود بسطاء.

 

وتركزت الانتهاكات بشكل كبير على الموالين للحكومة الشرعية ممن ينتمون لمحافظتي أبين شبوة، وهو ما ساهم في إذكاء الروح المناطقية على تلك التجاوزات.

 

وسيطرت مليشيات الانتقالي على المقار الحكومية كافة، لكن سيطرتها على مؤسسة 14 أكتوبر للصحافة والطباعة والنشر بدت جلية، فقد عينت مليشيات الانتقالي مُشرفاً على المؤسسة، ودشنت طباعة الصحيفة وفق سياسة المجلس الانتقالي، المدعية بلقب الرئيس لعيدروس الزُبيدي، في خطوة شبيهة بتلك التي نفذها الحوثيون عقب انقلابهم على الشرعية في صنعاء.

 

وظلَّ الوضع قائماً على ما هو عليه حتى مطلع نوفمبر، ففي الوقت الذي غادر فيه الزبيدي وفريقه لمدينة جدة السعودية في الثلث الثاني من أغسطس، تلبية لدعوة المملكة العربية السعودية لأجل الخروج بحل للأزمة، تواصلت انتهاكات حقوق الإنسان بحق ممتلكات قادة الشرعية والموالين لها.

 

سقوط ورقة التوت

 

بعد أن أنجزت مليشيات الانتقالي السيطرة على العاصمة المؤقتة، واصلت طريقها نحو محافظة أبين ومن ثم شبوة، على أن تكون محافظة حضرموت هي المحطة الأخيرة وفق البيانات الصحفية لقيادة المجلس الانتقالي، لكن تلك الطموحات تحطمت في شبوة، عقب تمكن القوات الحكومية هناك من السيطرة على الوضع، وهزيمة مليشيات المجلس الانتقالي على الرغم من فارق التسليح والدعم اللوجيسيتي.

 

وعقب تمكن القوات الحكومية من تأمين مدينة عتق مركز محافظة شبوة، وسيطرتها على مُعسكرات مليشيات النخبة الشبوانية التابعة لدولة الإمارات في 25 أغسطس، واصلت طريقها نحو العاصمة المؤقتة مروراً بمحافظة أبين.

 

وعلى العكس من محافظة أبين التي اجتازت القوات الحكومية مديرياتها بغضون ساعات وسط فرار مليشيات الانتقالي، كان الوصول للعاصمة المؤقتة محفوفاً بالمزيد من الصعوبات.

 

وفي صبيحة 28 أغسطس وصلت طلائع قوات الجيش الوطني لمنفذ العلم وهو المدخل الشرقي للعاصمة المؤقتة من اتجاه محافظة أبين، وتمكنت وحدات عسكرية بسيطة من اقتحام المدينة والتوغل في مديريتين اثنتين من أصل ثمان وهما خورمكسر، ودارسعد، وتزامن ذلك مع حالة هلع ورعب عمَّت مليشيات الانتقالي، وسط انتفاضة شعبية شارك فيها مئات المواطنين من المدنيين ومن منتسبي المؤسسة العسكرية الذين كانوا في منازلهم.

 

وبحسب مصادر محلية تحدثت لـ"الموقع بوست" فقد مثَّل يوم 28 أغسطس يوم رعب غير عادي لمليشيات الانتقالي، فبقدر ما فوجئت بوصول طلائع القوات الحكومية للأجزاء الشرقية من عدن، تركت مواقعها وغادر مئات المسلحين المدينة باتجاه محافظة الضالع، مسقط رأس عيدروس الزُبيدي.

 

ونتيجة للفوضى التي عمَّت صفوف مليشيات الانتقالي، بعد اقتراب الجيش الوطني من السيطرة على عدن، تعرض معسكر قيادة قوات الحزام الأمني للنهب من قبل مواطنين، بعد أن فرَّت حراساته.

 

وعاشت المدينة ساعات من الترقب الحذر، بعد أن تغيرت موازين القوى والسيطرة في ظرف ساعات، وذلك قبل أن تحل فاجعة تعرض قوات الجيش الوطني الرابضة في منفذ العلم شرقي العاصمة المؤقتة لغارات جوية أسقطت نحو 300 من منتسبي الجيش الوطني بين قتيل وجريح، وهو ما أعاد الروح لمليشيات المجلس الانتقالي بعد أن انهارت معنوياتها وتركت مواقعها دون قتال.

 

وكشفت الغارات الإماراتية مدى هشاشة مليشيات المجلس الانتقالي والتي أنفقت دولة الإمارات عليها المليارات في تسليحها وتأهيلها وصرف رواتب منتسبيها بالريال السعودي، بمعدل ألف ريال سعودي كحد أدنى لكل جندي.

 

وبفعل تلك الغارات تراجعت القوات الحكومية من المدخل الشرقي للعاصمة المؤقتة باتجاه مدينة شقرة إلى الشرق من زنجبار مركز محافظة أبين، حيث اتخذت من تلك المنطقة ثكنات عسكرية ومعسكرات القوات الحكومية في الحد الفاصل بين المناطق الواقعة تحت سيطرة مليشيات الانتقالي والأخرى الواقعة تحت سيطرة القوات الحكومية.

 

 

اتفاق الرياض

 

بعد نحو شهرين ونيف من المفاوضات غير المباشرة، والتي دعت لها المملكة العربية السعودية، تم التوقيع على اتفاق الرياض في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني بين الحكومة الشرعية من جهة والمجلس الانتقالي الجنوبي، وهي أولى الاتفاقات التي يدخل فيها المجلس الانتقالي كطرف.

 

وأظهر الاتفاق الذي حضر حفل توقيعه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ونائب رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد، مدى تناقض أهداف تحالف دعم الشرعية الذي تشترك فيه الدولتان، ففي الوقت الذي تم التدخل لأجل اسناد الشرعية، يتم تشكيل وتمويل مليشيات موازية للسلطة الشرعية ودعمها للتمرد على الحكومة الشرعية، ومن ثم إشراكهم في اتفاق، ومساواة الطرفين ببعض.

 

ونصَّ الاتفاق الذي هدف لوضع ترتيبات للمشهد السياسي، و ضمَّ ملحقين: الملحق العسكري والأمني، والملحق الاقتصادي، على تشكيل حكومة كفاءات لا تتعدى 24 وزيراً، يُعين الرئيس أعضاءها بالتشاور مع رئيس الوزراء والمكونات السياسية، على أن تكون الحقائب الوزارية مناصفة بين المحافظات الجنوبية والشمالية، وذلك خلال مدة لا تتجاوز 30 يوماً من توقيع الاتفاق.

 

وتضمن الاتفاق اشتراطاً بإبعاد كل الشخصيات المشاركة فيما سُمي بالأعمال القتالية أو التحريضية خلال أحداث عدن، وأبين، وشبوة، وعدم إشراكهم في الحكومة الجديدة.

 

 كما تضمنت الترتيبات السياسية التي شملها الاتفاق، تعيين رئيس الجمهورية بالتشاور محافظاً ومديراً لأمن محافظة عدن خلال 15 يوماً من توقيع الاتفاق، فضلا عن تعيين محافظي ومديري أمن بقية المحافظات الجنوبية خلال 60 يوماً.

 

وبعد مرور نحو شهرين على الاتفاق، لم يُطبق أياً مما ورد في الترتيبات السياسية، فلا حكومة جديدة عُينت، ولا محافظون ومديري أمن عُينوا.

 

ولم يتغير الحال كثيراً عقب توقيع الاتفاق، عدا بعض المظاهر فقد عاد رئيس الوزراء د.معين عبد الملك للعاصمة المؤقتة ومعه عددٌ محدود من الوزراء، وذلك تحت حماية أطقم عسكرية تتبع مليشيات المجلس الانتقالي.

 

أما على الصعيد العسكري والأمني، فلا شيء مختلف فلم يُطبق أي بندٍ مما ورد في الملحق الأمني والعسكري، والذي نصَّ على عودة جميع القوات التي تحركت من مواقعها ومعسكراتها الأساسية باتجاه عدن وشبوة وأبين، منذ شهر أغسطس، إلى مواقعها السابقة، على أن تحل محلها قوات الأمن التابعة للسلطة المحلية في كل محافظة خلال 15 يوماً من توقيع الاتفاق.

 

كما تجاوز اتفاق الرياض صيغة الحل، إلى صيغة الشرعنة لوجود وصاية سعودية إماراتية على القرار اليمني، ويتمثل ذلك في البند "تجميع ونقل الأسلحة المتوسطة والثقيلة بأنواعها المختلفة من جميع القوات العسكرية والأمنية في عدن خلال 15 يوماً من تاريخ توقيع هذا الاتفاق الى معسكرات داخل عدن تحددها وتشرف عليها قيادة تحالف دعم الشرعية، ولا يُسمح بخروج هذه الأسلحة إلا بموجب خطط معتمدة وتحت إشراف مباشر من قيادة تحالف دعم الشرعية في اليمن، وتشمل هذه الأسلحة على وجه الخصوص الدبابات، المدرعات، المدفعية، كاتيوشا، الهاونات الثقيلة، الصواريخ الحرارية، والأطقم المسلحة بعيارات ثقيلة والمتوسطة.

 

وجرَّد البند السابق الحكومة الشرعية من حقها السيادي في امتلاك السلاح، وحرية استخدامه وفق الضوابط القانونية.

 

وتضمنت بنود الملحق الأمني والعسكري، نقل جميع القوات العسكرية التابعة للحكومة والتشكيلات العسكرية التابعة للمجلس الانتقالي في محافظة عدن إلى معسكرات خارج المحافظة، تُحددها قيادة التحالف العربي، خلال 30 يوما من تاريخ توقيع الاتفاق، وذلك باستثناء اللواء الأول حماية رئاسية المُكلف بتأمين مقر الحكومة، ومثله لواء آخر لحماية مقر قيادة المجلس الانتقالي.

 

وشمل الاتفاق توحيد القوات العسكرية التابعة للحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي وضمها لوزارة الدفاع، خلال 60 يوماً من توقيع الاتفاق، وتولي قوات الشرطة والنجدة في محافظة عدن مسؤولية تأمين المحافظة، وإعادة تنظيم القوات التابعة للحكومة والتشكيلات التابعة للمجلس الانتقالي، وفق الاحتياج على أن ترتبط بمدير الأمن في المحافظة وتتبع لوزارة الداخلية، وذلك خلال 30 يوماً من توقيع الاتفاق.

 

وشُكلت من جانبي الحكومة والمجلس الانتقالي لجنتين عسكريتين تهدفان لمتابعة تنفيذ ما تضمنه الملحق الأمني عسكري من اتفاق الرياض.

 

وبعد مرور شهرين ونيف على الاتفاق، يظهر بما لا يدعُ للشك بأنه لم يُخلق ليُنفذ، وإنما لمآرب أخرى في نفس يعقوب.


التعليقات