صفاء عياش.. فتاة يمنية في مواجهة التعنيف وكورونا والمجتمع (تقرير)
- متولي محمود الأحد, 27 ديسمبر, 2020 - 05:07 مساءً
صفاء عياش.. فتاة يمنية في مواجهة التعنيف وكورونا والمجتمع (تقرير)

لم تصدق "صفاء عياش" (24 عاما) أنها نجت من التعنيف الناتج عن الزواج المبكر وتبعاته الجسيمة التي انتهت بالانفصال، حتى عادت لتواجه عثرات جديدة في طريق النهوض.

 

صفاء واحدة من آلاف اليمنيات اللاتي تعرضن للعنف القائم على النوع الاجتماعي، والذي ارتفع بنسبة 63% منذ اندلاع الصراع، وفقا لتقرير صادر عن مجلس اللاجئين النرويجي والأمم المتحدة.

 

التقرير أورد أيضًا أن "أكثر من ثلثي الفتيات في البلاد يتم تزويجهن في سن 18، وربع العائلات فقدت دخلها بسبب الوباء، وتحول الكثيرون إلى الزواج المبكر كوسيلة للبقاء على قيد الحياة".

 

تقول الفتاة إنها تزوجت بسن 12 عاما بينما كانت طفلة تلعب في الشارع رفقة أقرانها، لتواجه حياة بئيسة وتتحمل مبكرا مسؤولية طفل، خصوصا عقب انفصالها ووفاة والديها.

 

عقب نزوحها من تعز، حصلت صفاء على دورات ودعم لصناعة الحلويات في صنعاء ضمن برامج ينفذها "صندوق الأمم المتحدة للسكان" عبر شركائه المحليين لتقديم الدعم النفسي والتمكين الاقتصادي.

 

لقد سارت الأمور جيدا، وتمكنت صفاء من تحسين وضعها المادي عبر فتح محل لبيع الحلويات، لكن جائحة كورونا تسببت لها بالكساد، وقادها الوضع إلى الإفلاس والدخول مجددًا في انهيار نفسي.

 

محل حلويات

 

صفاء تحدثت إلينا عن تجربتها في تجاوز آثار التعنيف الذي تعرضت له من زواجها في سن الطفولة، والانفصال في ظل خسارة والديها، إلى تحمل مسؤولية طفل.

 

وأضافت أن التحاقها ببرنامج نفذه اتحاد نساء اليمن كان له دور بارز في محاولة تخطي الآثار النفسية التي خلفها التعنيف والنزوح.

 

تقول صفاء إنها التحقت ببرامج تمكين أكسبتها خبرة في صناعة الحلويات والمعجنات "لن أحتاج لأحد الآن وسأبدأ بالاعتماد على نفسي في كسب الرزق"، وهذا برأيها أشعرها بالثقة، لتبدأ مشروعها الخاص في صناعة وتوزيع الحلويات على البقالات والبيع المباشر في محل دشنته بشارع هائل.

 

في الصراعات تدفع النساء والأطفال الثمن، وهم الذين يشكلون في اليمن نسبة 76% من إجمالي النازحين البالغ عددهم أكثر من 3 ملايين، وفقا لصندوق الأمم المتحدة للسكان.

 

وصرحت لنا فهمية الفتيح مسؤولة الإعلام والتواصل بالصندوق إنهم يولون اهتماما كبيرا بالنساء في تلبية احتياجاتهن للحماية والتمكين الاقتصادي، مضيفة أن الصندوق قام مؤخرا برفع عدد مساحات التمكين إلى قرابة 51 في المحافظات.

 

جائحة كورونا

 

تقول صفاء بحسرة "لقد دمر كورونا كل شيء". سكتت لبرهة ثم عادت للقول "توقفت المدارس وحركة الناس بسبب الحجر، ولم يعد أحد يشتري، حتى طلبيات المنازل كانت تعاد نظرا لارتفاع سعرها الناتج عن ارتفاع أسعار المواد".

 

"لقد وجدت نفسي فجأة مغرورقة بديون إيجارات البيت والمحل، منهارة ماديا ونفسيا"، وتواصل صفاء السرد "أقفلت كل الأبواب في وجهي، ولم أجد بدا من التوجه مع طفلي إلى الحديدة في ضيافة أختي المتزوجة هناك لبعض الوقت لتجاوز هذه الصدمة الهائلة".

 

سهير الشامي، أخصائية نفسية، ترى أن "جائحة كورونا أتت على المجتمعات وأثرت نفسيا على الجميع"، وتضيف بالقول "لقد كانت بمثابة صدمة نفسية، أو ما يسمى كرب ما بعد الصدمة، والتي لم تقتصر على الأفراد، بل تعدت ذلك لتحدث مشاكل داخل الأسرة نظرا لتواجد الجميع داخل المنازل بشكل متواصل، وتأثر الحالة الاقتصادية".

 

الفتاة الناجية من العنف، التي وجدت نفسها يتيمة وبلا سند فجأة، وتعرضت لانتكاسة نفسية جديدة عقب أن أفقدها تفشي فيروس كورونا مشروعها الوليد، شعرت بالحرج أن تكون عالة على شقيقتها في الحديدة، وفضلت العودة إلى صنعاء لاستئناف مشروعها مجددا.

 

محاولة النهوض مجددا

 

يقول جلال الدين الرومي "عندما تتخطى مرحلة صعبة من حياتك، أكمل الحياة كناجٍ.. وليس كضحية"، وهذا ما فعلته بطلة قصتنا تحديدا.

 

رغم كل ما حدث من صدمات متتالية، تقول صفاء إنها وجدت نفسها مجددا في صنعاء في محاولة لاستعادة مشروعها والوقوف على رجليها.

 

"استحدثت محلا صغيرا عقب عودتي من الحديدة، بعد عيد الأضحى الماضي، لكني وجدته محروقا عقب 5 أيام فقط، والفاعل مجهول"، أضافت صفاء بألم وقلة حيلة.

 

لكن ما حدث زادها عزما، تقول "حاليا أخطط بإمكانات خجولة لاستئناف صناعة الحلويات والتوزيع على البقالات مبدئيا"، وتضيف "لا سبيل لي للعمل في مجالات أخرى كوني لم أجد فرصة للدراسة والتعلم"، علما بأن صفاء تجيد القراءة والكتابة بواسطة الجوال بشكل جيد، تقول إنها استفادت من دراستها في الصف الأول الابتدائي قبل التوقف، وقادها شغفها بالقراءة للتعلم ذاتيا.

 

وتنصح الأخصائية النفسية سهير الجميع بالتحلي بالصبر وعدم الاستسلام تجنبا لانعكاسها سلبا على نفسياتهم، والتي بدورها تضرب الجهاز المناعي، والذي يؤدي لتعرضهم للخطر.

 

ألم وأمل

 

رغم هذا العزم والروح الفتية، تتعرض صفاء بين الحين والآخر لمحاولات تثبيط "الكل يقول لي خلاص ابردي لك من فكرة المشاريع ومدري أيش"، وتضيف "في من البعض حسد وفي من البعض مستهونين إني ما بقدر أفعل شيئا".

 

لكنها تؤكد أنها لا تستمع لهذه الأصوات، وأن ثقتها في الله كبيرة، وهي عازمة على استئناف صنع الحلويات وتوزيعها بشكل مبدئي على البقالات، وتأمل في ذات الوقت بالحصول على دعم لفتح محل واستعادة وضعها قبل كورونا.

 

"آمل أن أجد من يدعمني لأقف ثانية واستعادة كل ما فقدته بسبب كورونا"، صفاء أخبرتنا أيضا أن ابنها "مصطفى في الصف الرابع" لم يعد إلى المدرسة منذ توقفها بسبب كورونا، نظرا للظرف الحرج الذي مرت به.

 

لكنها وعدت بإعادته إلى المدرسة لتحقيق ما حرمت منه في طفولتها وقالت "أنا أشتي أعوض فيه كل اللي فقدته"، واختتمت "لا حياة مع اليأس، ولا يأس من الحياة".

 

* تم إنتاج هذه المادة كإحدى مخرجات برنامج "الكتابة الصحفية الجيدة لقضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي في ظل جائحة كوفيد-19" الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA.


التعليقات