مقبل نصر غالب في حلقته الـ24 ينبش في الذاكرة الشعبية في العدين ويستعرض مفردات ونباتات وحكايات انقرضت
- تعز - خاص الخميس, 18 أغسطس, 2022 - 01:43 صباحاً
مقبل نصر غالب في حلقته الـ24 ينبش في الذاكرة الشعبية في العدين ويستعرض مفردات ونباتات وحكايات انقرضت

[ تحدث مقبل نصر غالب عن سلوك اندثر كان سائدا في أوساط سكان مناطق العدين ]

اختفت من ذاكرة الناس كثير من المفردات التي كانت سائدة في مناطق العدين بمحافظة إب، ولم تعد مدلولاتها موجودة اليوم، سواء تلك التي تتعلق بأسماء النباتات، أو الأواني المستخدمة في المنازل، أو الأدوية الشعبية التي كان الناس يتداوون بها، وحلت محلها مفردات جديدة، بفعل تطور التعليم، والتكنلوجيا، وغيرها من العوامل.

 

في هذه الحلقة نستعرض أبرز تلك المفردات، بمفهومها القديم والجديد، كما نغوص في التراث الشعبي لمناطق العدين، والحكايات التي كانت تُروى، وكلها تعكس الحياة البسيطة لسكان تلك المناطق.

 

مفردات نباتية وعلاجية وحيوانات

 

منها مصنوعات من العزف، مثل كرباس، وتعني فراش من العزف مزدوج، (العزف أعواد السلال يشاب في شكله لقصب السكر)، وقمبار، وهي حبل من العزف أيضا، وأكثر ما يستخدم في تشبيك السرر (القعائد – جمع سرير)، والأجبة، وهي زنبيل من العزف، والأجب، عبارة عن سلة كبيرة من العزف.

 

اقرأ أيضا: مقبل نصر غالب في حلقته الـ22 .. يستعرض أغاني العدين ولوازم العمل بالأرض وأزياء السكان وأوانيهم التقليدية

 

ومنها ما يتعلق بنباتات علاجية مثل: الأذين: نبات يستخدم لعلاج التهابات الأذن، والمر نبات مر المذاق يستخدم في تخفيض نسبة السكر في الدم، والحلتيت، وهو عبارة عن نبات كريه الطعم والرائحة، ويستخدم في علاج آلام الظهر والافخاذ، والحلف، وهو نبات يعد لتجبير الكسور والاحتكاك في المفاصل، ويسمى الآن حب الرشاد.

 

وهناك نباتات في طريقها للانقراض مثل السفرجل، والكاذي، والصبر، وتسمى الروم، والغلف، والورس، ومن النباتات أيضا التي متوقع انقراضها، ولها طعم حمضي، الحلقة، والحلص، والعثرب، أو زيتية مثل التبشع (الخروع)، أما الخشخاش فقد انتهى تماما.

 

وهناك أيضا حيوانات انقرضت من العدين مثل الفهد، والسار، ويسمى في الحجرية العكش، واسمه العلمي غرير العسل، وكذلك "التفة" بضم التاء، مع الشدة، وفتح الفاء، وهي قطة متوحشة تفترس الدجاج.

 

أما الحيوانات التي في طريقها للانقراض، فهي كلا من: الجمل، والحمار، والبغل، والطاهش، والذئب، كما انقرضت أخرى مثل السحالي، واليفن، وتحتفظ الذاكرة الشعبية عن بمثل يقول بأن اليفن مقرب الحجنة والكفن، وهو حنش زارق يقفز فوق الشخص، وإن لدغه فلا فائدة من علاجه، وأن وقع على حجر يتكسر جسمه مثل الملح.

 

وهناك العديد من المفردات الشعبية التي كانت سائدة في بلاد العدين، لكن جاءت التكنلوجيا وتطور العلم ببدائل لها، فتغيرت تماما، على سبيل المثال: القرحدد، وحل مكانها السعال الديكي، والعُيان، وهو الرمد، والرؤاس، ويعني الصداع، والكاد، وهي الحصبة، أو نوع من أنواعها، والقداد بضم القاف، ويشير لحموضة المعدة، والرياح، وتعني آلام الدورة الشهرية لدى النساء، والجُرش، أي الجرح.

 

وفي المقابل هناك كلمات شعبية كانت تشير إلى أدوية يستخدمها الناس، وانتهى مفعولها، مثل قطر الحديد، الذي كان يستخدم للفجيعة، أي الفزع من شيء مخيف بشكل مفاجئ، وشب الفؤاد، وهو ملح معقم، وأبو فاس، وايدين، ويستخدم لتهدئة الجراح، وشربة الزليط، وتستخدم لطرد ديدان الاسكارس من الجسم، وشربة الملح، وشربة القات.

 

اقرأ أيضا: مقبل نصر غالب في حلقته الـ22 .. يستعرض أغاني العدين ولوازم العمل بالأرض وأزياء السكان وأوانيهم التقليدية

 

واختفت كلمات لآلات ووسائل كان الناس يستخدمها، مثل المجرشة، وهي عبارة عن مطحن يدوي كبير لفصل قشرة البن عن حبوبها، التي يطلق عليها شعبيا بـالصافي.

 

وحلت كلمات أجنبية في اللسان الشعبي، وأصبحت متداولة كأنها لهجة محلية مثل الكتلي، والقلص، راديو، تلفزيون، كليش، بريك.

 

قصص الأم قبل النوم

 

يبدو أن القضية عالمية فيما يتعلق بقصص ما قبل النوم، والتي كانت تحكيها للأمهات للأطفال، ويسميها المصريون حدوتة.

 

بل إن قصة ورقة الحنا تروي في معظم المحافظات، وفي المغرب العربي صغروها وأصبحت تُعرف بـ(وريقة الحنا)، وهي نفس الحكاية، وكانت الأمهات تتداول تلك القصص في زمن لا يوجد فيه مسلسلات أطفال، ولا تلفزيون ولا إذاعة، حتى بعض النكت اليمنية اتابعها في قناة مغربية يتم تمثيلها كتراث، مثل الذي كان يقود الحمار إلى السوق، وتآمر عليه اثنين من اللصوص، الأول فك رباط الحمار، ووضعه في عنقه، بينما هرب الثاني بالحمار، وبعد مسافة التفت الرجل وخلفه يسير رجل، قال له ما حكايتك؟ قال عصيت أمي فدعت ربي ليردني حمار، والآن يبدو رضت عني ودعت الله أن يعيدني بني آدم من جديد فرجعت كما ترى، فأطلقه الرجل ونصحه ألا يعصي أمه، وبعد أسبوع وجد حماره في السوق معروض للبيع، واقترب منه وقال له: "والله ما اشتريك ببقشة يا عاصي أمك".

 

وكنا لا نمل من تكرار هذه القصص ونطالب الأم بإعادة سردها، ومن قصصهن أن رجل تزوج بعد وفاة زوجته، فكانت المرأة الجديدة تحقد على أولاده من الأولى، وتريد التخلص منهم بأية وسيلة، وطلبت منه أن يرميهم في ضاحة الجبل، أو أي هيجة (مكان مهجور وغير مسكون) حتى يخرج الطهوش (حيوان مفترس) ويأكلونهم.

 

أخذهم الأب إلى ديمة (غرفة تستخدم في حراسة الحقول) خلف الجبل، وقال لهم سيذهب للبول، ويعود إليهم لينام معهم، وكانت عادة الاباء حين يحرسون الزرع في الليل، يأخذون معهم طفلا أو أكثر لينام معهم، وبعد أن انتصف الليل ولم يعد الأب، كان الأبناء يغنون جماعيا بالقول: "يا بابا كم لك تبلبل، كم لك تبول، أسقيت عنة ووادي السحول" وعنة وادي في مدينة العدين، والسحول في مدينة إب، وكلاهما يمثلان روافد وادي زبيد الشهير في اليمن.

 

وفي اليوم الثالث ذهب الأب كي يتأكد من وفاة أولاده، وكان يظن الطاهش قد افترسهم، وسوف يأخذ العظام ويدفنها، لكنه تفاجأ أن أولاده أحياء، فسألهم من كان يطعمكم قالوا ماما، قال لكن أمكم قد ماتت، فأكدوا أنها من كانت تطعمهم وتسقيهم، فخجل من نفسه، وأعادهم للمنزل، وطلق زوجته الثانية.

 

اقرأ أيضا: مقبل نصر غالب في الحلقة 21 من مذكراته يكشف لأول مرة لمحات من تاريخ مذيخرة وجيش السلال لتأديب الباشا

 

ومع الوالدة لكل قضية حكاية، حتى صوت الهميمة (البومة) والذي كان وحشة يخيف الأطفال، يسألون من هذه التي تبكي يا ماما، ولماذا تبكي الهميمة؟ فتقول: تبكي على أولادها، لأنها باعتهم بشربة ماء، حتى لا تموت هي من العطش، وكان الناس يقدمون تلك التفسيرات للأطفال بذلك الشكل الشعبي المتداول.

 

وهناك قصة أخرى عن امرأة وجدت جرة مملؤة ذهب وهي فقيرة، وخافت أن يشيع أولادها الخبر، فيأتي الشيخ ويأخذها منها النصف، مقابل حمايتها، أو يسمع عسكر الإمام، فيبلغون الإمام فيأخذها منها، ولن يقنع بأربعة أخماسها، بل لن يترك لها حتى الخمس.

 

وضعت الأم حيلة لأولادها، وقالت لهم اجلسوا في المكان - غرفة بالمنزل – اليوم، لأن مطر غزير سيأتي وكله من اللحوح والزوم والجحانين (أجزاء من الفطيرة)، وعملت جفنة (إناء محفور من الخشب) أمامهم في المكان تحت المقطور، (فتحة التهوية في السقف)، وسكبت من المقطور الطعام، وكان يتساقط أمامهم في الجفنة وهم يأكلون، ثم نزلت وقد شبعوا، وأدعت أنها نظفت السقف من المطر.

 

بعد ذلك كانوا يشيعون خبر الجرة الذهب التي لقتها أمهم، والناس يسألونهم عن ذلك، ومتى حدث، فيقولون لهم يوم أمطرت السماء لحوح وزوم والمغزر جحانين، فيضحكون ويقال خراطين (كذابين).

 

اقرأ أيضا: مقبل نصر غالب في حلقته الـ19 يكتب عن ذكريات حديثه ونكاته السياسية مع علي عبدالله صالح في مقيله بصنعاء

 

بالنسبة للآباء فكانت أغلب القصص التي يتداولونها ويحكونها للأطفال، عن النبي يوسف مع إخوته، والنبي أيوب ومحنته، وكذلك عن النبي إبراهيم، وأما جلسات القات، فكانت تستعرض فيها قصة المياسة والمقداد، وقصة تودد الجارية.

 

أما الممارعون (الذين يصيبون الآخرين بالعين) فهي في العدين نادرة، ولم يشتهروا بها، ولدى العديني تعويذة كلما لمح أحد يحدق بعينه نحوه، فيرد عليه ليتقي ضرره بالقول:

 

حدق وحدقدق

إبرة ومرتق وحنش أزرق

عينك في الضاحة والضاحة تبرق

عينك في الزربي والزربي تحرق

 

منهجية قصص الحيوان

 

قصص الحيوان كان يرويها الأباء للأطفال قبل وجود المناهج والكتب المدرسية، التي أضافت كثيرا من القصص عن الحيوانات وفق منهجية نفسية وتربوية.

 

ومن القصص الشعبية الشائعة وقتذاك، قصة العكبري (الفأر) عندما وقع في قبضة الهر (القط)، فقرر الحفاظ على بقية أسرته، ونادى زوجته بالقول: "يا مرة تمرمري شلي عيالك والجحار كما قانا (قدنا) بفم العرار"، والعرار هو اسم يطلق أيضا على القط، في مناطق العدين.

 

وهناك الحمار الذي هرب على صاحبه خوف العمل، وصادف زيلة (مكان للحشيش الأخضر الذي تأكله الحيوانات)، فأكل حتى شبع، ثم قرر أن يغني، فقال له الثور لا تفعل وستفضح نفسك، لكنه أصر على ضرورة كشف موهبته في الغناء كفنان معتبر، فنهق وسمع به صاحبه وذهب وأخذه وأعاده إلى المنزل.

 

اقرأ أيضا: مقبل نصر غالب في الحلقة الـ18 يتحدث عن المنتديات السياسية والنصيحة التي رفضها صالح وأيام العيد في اليمن

 

في القافلة عادة ما يكون الجمل سريعا في الوديان بطيئا في الجبال، عكس الحمار، فإذا أسرع الجمل في الوادي أرهق الحمار في ملاحقته، يناديه: "راعي لي يا طويل الرقبة شاراعي لك - سأنتظرك - في العقبة، فيرد عليه: أجري يا قصير اربع شاراعي لك عندما نطلع.

 

وهناك قصة النمر الذي افترس عجلا، والذئب افترس شاة، والعسيق (الثعلب) افترس دجاجة، والتقوا في مكان واحد، قال النمر للذئب أقسم بيننا، قال الذئب ما نحتاج قسمة، كل واحد يأكل صيده، فلطمه النمر حتى قلع عينه، وقال للعسيق: اقسم بيننا، فقال الشاة صبوحك، والعجل غداءك، والدجي (الدجاجة) عشاءك، قال: النمر نِعم العدالة، أين تعلمت هذا الفقة، قال في عين الذئب، فعينه النمر وزيرا للعدل.

 

وهناك قصة الفهد الذي افترس ظبيا، وكان يبحث عن مكان مناسب ليأكل فريسته، يبحث عن ظلال وارفة من مكان إلى مكان، حتى وجده النمر وأخذ عليه فريسته، وكانت الناس تُعلم أطفالها السجع الموجز مثل:

 

يا بردي برد القطقط

أمي تخبز وأبي يلقط

دجي دجاجة وهي بأربع

شله العسيق ونكع مطلع

 

رحم الله جدتي كانت تقول: اليمنيون يحتاجون إلى دراسة فقه الكلاب، فإذا دخل كلب غريب إلى القرية التموا (اتحدوا) كلهم ضده.

 

يتبع في الحلقة القادمة.

 

*خاص بالموقع بوست.

 


التعليقات