في يومهم العالمي.. أطفال اليمن يحاربوا الجوع وسط أكوام القمامة (تقرير)
- أكرم ياسين السبت, 20 نوفمبر, 2021 - 06:55 مساءً
في يومهم العالمي.. أطفال اليمن يحاربوا الجوع وسط أكوام القمامة (تقرير)

[ صورة تظهر طفلتين في اليمن يبحثان عن طعام وسط أكوام القمامة - مواقع التوصل الاجتماعي ]

انهيار الوضع الاقتصادي غير المسبوق وتدهور قيمة العملة الوطنية وغلاء أسعار السلع الغذائية دفع بآلاف الأسر اليمنية إلى شفا مجاعة بدأت نذرها الكارثية تطل من خلال لجوء تلك الأسر وابنائها لمزاولة مهن لم تكن مألوفة لدى اليمنيين في السابق، لكنها معركة الحياة التي يخوضها اليمنيون في أكثر من جبهة بما فيها مقالب النفايات وأكوام القمامة بحثاً عن أي شيء يمكن بيعه.

 

محاربة الجوع بالعلب الفارغة الصدئة والقطع البلاستيكية، هي المعركة الأشد اشتعالاً في ريف محافظة تعز وعموم اليمن  هذه الأيام، جنودها في الغالب أطفال بعمر الزهور وعتادها شوالات ممتلئة بعلب وقطع حديدة صدئة وغبن يسحق طفولة بائسة.

 

مستلزمات المدرسة

 

يقطع بركان وريان وصفوان ونائل مئات الأمتار سيراً على الأقدام مرتين في الأسبوع وصولاً لإلى محل التاجر مفيد العزعزي في مدينة التربة، محملين بشوالات مليئة بالعلب الفارغة التي خاضوا عملية بحث وتجميع مضنية في مقالب نفايات الأسواق والشوارع وداخل القرى القريبة من قريتهم.

 

يقول نائل البالغ من العمر أحد عشر عاماً  في حديثه لـ"الموقع بوست" إنه اضطر لتجميع العلب الفارغة وقطع البلاستيك لتوفير متطلبات المدرسة له من أقلام وكراسات وحق الطبع بسبب فقر أسرته وعجزها عن توفير تلك المتطلبات له.

 

وكما أخبرنا نائل الذي يدرس في الصف الخامس أساسي فإن مدير المدرسة طلب منه 700 ريالاً رسوم طبع أسئلة امتحان النصف الأول من العام الدراسي وعليه أن يحضرها غدا الأحد كأخر مهلة لكي يتمكن من أداء الامتحان النصفي ولأن هذا المبلغ رغم بساطته إلا أن أسرته تعجز عن دفعه، ما دفعه للجوء لتجميع العلب الفارغة وبيعها حتى يتمكن من أداء امتحان نصف العام.

 

ووفقاً لنائل ورفاقه فإن عمليه تجميع العلب الفارغة وقطع البلاستيك تستغرق ثلاثة إلى أربعة أيام خلال أوقات ما بعد الظهر.

 

ابتسامة نائل المعجونة بمهانة الحاجة والتعب سبقت إجابته المرتبكة البريئة عند سؤال "الموقع بوست" له عن المبلغ الذي يحصل عليه مقابل كل شوالة من العلب يبيعها؟

 

يقول "أبيع الشولة بحسب ما تحتويه من علب فارغة بالكيلو"، مردفاً وهو يحاول تعديل وضع الشوالة فوق كتفيه الصغيرين وعلامات الامتعاض من استفسارات لا يعي جدواها ترتسم على ملامح وجهه الطفولي، لا يزيد سعر الشوالة عن ألف ريال ولا يقل عن 500 ريال، فالسعر يحدده ميزان المشتري ووزن الحديد"، حد قوله.

 

سمح لنا نائل ورفاقه بإلتقاط صورة لهم وسط عبارات تشجيع وثناء خففت من وطأة حرجهم، لكنها لم تفلح في إزالة غصة تركتها في حلوقنا دقائق حوار اختزلت مأساة وطن صارت فيه الطفولة أرخص من علبة حديد فارغة وصدئة.

 

العودة إلى الصين

 

في محله المكتظ بشوالات العلب الفارغة وقطع حديد مختلفة الاحجام والأشكال وأيضاً بقايا أواني وقطع بلاستيكية استقبلنا التاجر الشاب معتز العزعزي (28عاماً).

 

طلبنا منه التوضيح لنا عن فكرة تجارة العلب الفارغة والمواد البلاستيكية التالفة المزهرة هذه الأيام

 

فأكد معتز لـ "الموقع بوست" أن هذه التجارة هي إحدى نتائج الحرب المستعرة في اليمن منذ سبع سنوات، وأحد مظاهر التدهور الاقتصادي والفقر الذي اجتاح أغلب الأسر اليمنية وتفشي البطالة، فلجأت أغلب الأسر لمزاولة مهن لم تكن بحاجة لمزاولتها في السابق، لشحة مردودها المادي ومن تلك المهن تجميع العلب الفارغة وبيعها.

 

وأضاف معتز نحن نقوم بشراء تلك العلب وقطع الحديد بالكيلو الذي يتراوح سعره ما بين 150 إلى 250 ريالاً للكيلو بحسب نوعية الحديد فالحديد الصلب يكون سعره أكبر.

 

واستطرد معتز في تصريحه لـ "الموقع بوست" نقوم بشراء كل أنواع الحديد من علب الفول والسردين إلى هياكل السيارات ونحملها بدينات (سيارات نقل متوسطة) إلى العاصمة المؤقتة عدن وهناك يتم كبسها وتنقيتها من الشوائب وإعادة شحنها وتصديرها إلى جمهورية الصين.

 

وأكد معتز "أن تجارة إعادة تدوير النفايات مزدهرة عالمياً، لكن نظراً لعدم وجود مصانع متخصصة في صهر الحديد وإعادة صناعته في اليمن يتم تصدير هذه المخلفات إلى الصين وهناك تتم إعادة صهرها وتشكيلها وتصديرها إلينا مجدداً".

 

الحرب شكلت عبئ ثقيل على الأطفال

 

تجارة العلب الفارغة والنفايات المزدهرة حالياً في اليمن لا تنم عن إدراك بمخاطر تلك النفايات وأطنان الحديد المتحللة على البيئة والتربة الزراعية، ولكنها تتم بدافع محاربة الفاقة والجوع الذي أجبر الالاف الأسر اليمنية للدفع بأطفالها لخوض معارك لا تختلف كثيراً عن معارك الحرب وحشيةً إهدار طفولة بريئة ذنبها أنها وجدت في زمن الحرب والجوع في اليمن.

 

وفي وقت سابق اليوم قال الاتحاد الأوروبي إن سبع سنوات من الحرب شكلت عبء ثقيل على الأطفال في اليمن، بما في ذلك الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية الأولية في البلد الذي يشهد أسوأ أزمة إنسانية بالعالم.

 

ويعاني في اليمن ما يقرب من 2.3 مليون طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد، بينما هناك حوالي 8.5 مليون طفل لا يحصلون على المياه الصالحة للشرب أو الصرف الصحي أو النظافة، وفقا لتقارير أممية سابقة.

 

ومنتصف نوفمبر الجاري قالت منظمة الصحة العالمية، إن 75 بالمئة من أطفال اليمن يعانون من سوء التغذية المزمن، مشيرة إلى أن "16.2 مليون يمني (من إجمالي 30 مليون نسمة) يعانون انعدام الأمن الغذائي".

 

وفي أكتوبر/تشرين أول الماضي، أعرب مجلس الأمن الدولي، في بيان، عن قلقه الشديد إزاء "الحالة الإنسانية المتردية في اليمن، بما فيها الجوع وتزايد خطر حدوث مجاعة واسعة النطاق".

 

وفي وقت سابق قال برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، إن جيلا من الأطفال في اليمن يكبرون ولا يعرفون سوى  الحرب فقط.

 

ويشهد اليمن منذ سبع سنوات حرباً عنيفة، أدت إلى أسوأ أزمة إنسانية في العالم وتسببت بنزوح أكثر من 4 مليون يمني غالبيتهم من الأطفال والنساء ومقتل أكثر من 200 ألف شخص، وفق تقارير أممية.

 


التعليقات